العنف باعتباره مذموما بفضيلة اسمها التسامح، فما هو التسامح؟
ما هو التسامح (( تعريفه))؟
التسامح هو الموقف الذي يبيح لشخص ما قبول اساليب الآخرين في التفكير والحياة رغم اختلافها عن اساليب ذلك الشخص الخاصة به .
او هو الموقف الذي يبدي فيه شخصا ما تساهلا او تحملا لمفعول مؤثر خارجي في حالة انزعاجه منه مثل تحملنا لسلوكات بعضنا البعض فهو تسامح.
التسامح اذن هو ليس تراجعا ولا تخاذلا ولا خوفا وانما هو اسلوب آخر في محاربة الشر والعنف دون تغذيته، انه يمثل استرتيجية اخرى للتحكم في المعركة. فاذا كان العنف قانون البهيمة، فان التسامح هو قانون الجنس البشري. فهو شكل من اشكال النضال الاكثرنفعا ونجاعة من قانون القصاص بالمثل الذي يقابل الشر بالشر، فيضاعف الشر مرتين بدل وقفه بفضيلة التسامح.
قيود التسامح او شروطه او(( طبيعته اوخصائصه))
• لايمكن للتسامح كفضيلة اخلاقية ان يكون دون حدود او قيود والا فقد قيمته، ومن الحجج التي تبرر ضرورة تقييده ما يلي:
• فضيلة التسامح فضيلة اخلاقية سامية، لكنها في المقابل اذا كانت لاتملك نظاما ولا حدا تقف عنده قد تنقلب الى نقيضها وهو اللاتسامح ، تمام مثل الحرية كقيمة اخلاقية فانها قد تتحول الى فوضى في غياب حدود وقيود لها. هذه الخاصية تنطبق عليها الحكمة المعروفة القائلة ((كل شيء يزيد عن حده ينقلب الى ضده)) لذلك لزم على التسامح ان يرسم لنفسه قيودا وحدودا لا يتعداها والا فقد قيمته كفضيلة وكقيمة اخلاقية بين الناس. ولذلك ليس من المعقول وباسم التسامح والديمقراطية ان نصغي او نتحاور مع اعداء الديمقراطية، كما انه ليس من المعقول ان نتسامح مع جماعة اللاتسامح((العنف)) باسم التسامح.كما انه ليس من المعقول ان نسمح في حقوقنا لغيرنا الذي اخذها ظلما وزورا باسم التسامح.
• التسامح تاريخيا ثبت انه عالج وحارب مشكلة الحقد في المجال الديني في اوروبا في القرنينالسادس عشر والسابع عشر، وتوصل الفكر الاوروبي في القرن الثامن عشر الى الاتفاق على الحدود التي يجب ان يتوقف التسامح عندها، فتم الاتفاق بعد حروب دينية دامية عن طريق التسامح المشروط على تقرير حرية الاديان في 04 اوت1789م.
• القيم الاخلاقية قيم نسبية لاتثبت على حال، فكذلك التسامح اذا كان مقبولا وبشدة في مجتمع وثقافة ما، فانه مرفوض وممنوع وبشدة في مجتمع وثقافة اخرى،فالتسامح اذن نسبي نسبة الى الضوابط الاجتماعية والتاريخية والعقائدية التي تتحكم فيه، فترسم له حدودا وقيودا لا ينبغي تجاوزها كيفما كانت الاحوال والظروف.
• لايمكن تفعيل قيمة التسامح بين طرفين دون تراض اوتنازل بينهما، أي لايمكن الحديث عن التنازل او التسامح من طرف واحد، والطرف الآخر باق على موقفه دون تنازل او تسامح، فلا تسامح اذن الا اذا كان مطلب ومطمح كلا الطرفين.
• من خلال ما سبق نستنتج ان التسامح لايكون ذا قيمة الا اذا وضع لنفسه حدودا وقيودا يقف عندها، فالتسامح اذن مشروط بنبذ العنف على اختلاف اشكاله، ومتوقف على تراضي المتسامحين، ولكن هل هذه الشروط في صالح التسامح؟ الا يمكن اعتبارها عقبات في وجهه؟ أليس من الحكمة فك هذه الشروط واعتبارها شروطا باطلة؟
ما الحكمة من فك قيودنقد مذهب تقييد التسامح بشروط
• ان تقييد التسامح في صلاحياته الشاسعة ومهامه الحرة والشاملة باسم النسبية، معناه خنقه وجعله تحت رحمة الاهواء الشخصية الضيقة والتقديرات الاجتماعية والعقائدية الواسعة ، الامر الذي يصبح معه استخدام التسامح ضربا من الاستحالة. فيسود منطق العنف والتنافر ويغيب منطق التسامح والتجاذب، وتنقلب الحياة بين الناس الى جحيم.
• الاشتراط في التسامح يقضي على التسامح نفسه فلا يشجعه ان يبقى مصدر رحمة وتعايش وقبول للغير بسلبياته وايجابياته.
• التسامح مطلب عالمي متسامي ولذلك خصص- وبمبادرة من منظمة اليونيسكوسنة 1995م -يوم 16نوفمبر من كل سنة للاحتفال باليوم العالمي للتسامح.
• والتسامح في الاسلام يتجلى بوضوح في دعوته للمسلمين استخدام العقل والمنطق ومحاولة اقناع المتحاور بالتي هي احسن والابتعاد عن العنف واشكاله في مجادلة طاغية عنيف او مجادلة اهل الكتاب وذلك من خلال قوله تعالى في سورة النحل من الآية 125(( ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن.)).
• كما جاء في القرآن الكريم آيات كثيرة تدعو الى التسامح والصفح الجميل مثل قوله تعالى: ((فاصفح الصفح الجميل)) سورة الحجر الآية 85. (( واصفح عنهم وقل سلام فسوف تعلمون)) سورة الزخرف الآية 89. ((وليعفوا وليصفحوا، الا تحبون ان يغفر الله لكم، والله غفور رحيم)) سورة النور الآية 22.
الخلاصة
ان الانسان رغم كونه كائن القيم الانسانية السامية، الا انه في غياب الحكمة وطغيان المصالح والحسابات الضيقة وخضوعه لغرائزه العمياء وميوله النفسية المعقدة والمتداخلة، يتحول الى بهيمة تنزل بالانسان الى مجتمع الغابة والاقتتال من اجل فرض السيطرة واثبات الذات والغاء الآخروقتله، لكن الحكمة التي اودعها الله في عباده هي اسلوب من التفكير السليم تجعل علاقة الانسان باخيه الانسان علاقة محبة وايخاء وتعاون من مظاهرها نبذ العنف وافشاء السلام وتغليب منطق الحوار والتسامح والصفح الجميل وعدم تهميش الآخر واقصائه بدعوى الاختلاف والمغايرة او التناقض، باعتبارها دعاوي تغذي العنف من جهة وتغيب التسامح ((اللاعنف)) من جهة اخرى، فتستحيل حياة البشر الى جحيم لايطاق وللمزيد زوروا موقعنا “لحظات”