ليبيا هي إحدى دول الوطن العربي الواقعة شمال أفريقيا، يحدّها البحر الأبيض المتوسط من الجهة الشماليّة، ومصر من الجهة الشرقيّة، والجزائر وتونس من الناحية الغربيّة، والسودان إلى الجهة الجنوبيّة الشرقيّة، في حين أنّ النيجر وتشاد تقعان
إلى الجنوب منها، وتبلغ مساحتها حوالي 1.8 مليون كيلومتر مربع، وتحتل المرتبة الرابعة من حيث كبر المساحة في قارة أفريقيا، وتمتاز باحتوائها على الكثير من المعالم والمدن التاريخية والأثرية التي تشجّع الأشخاص على زيارتها، وسنستعرض في هذه المقالة بعض معالم ليبيا.
أهم معالم ليبيا
آثار قرزة
تقع في منطقة وادي قرزة، وتشتمل على مساكن ومقابر مبنية على شكل هياكل ومسلّات، والتي تكوّن سبعة أضرحة بنيت من مواد موجودة في المنطقة المحيطة بها، وتدعى بالمقبرة الشمالية لتفريقها وتمييزها عن المقبرة الجنوبية المؤلّفة من سبعة مدافن، ومما يجدر الإشارة إليه أنّ مستوطنة قرزة ترجع في إنشائها إلى زمن “سيبتيميوس سفيروس” حيث تمّ إعطاء قطعة أرض للجنود الذين تم تسريحهم من الخدمة العسكرية للخدمة فيها، مقابل أن تكون كخطّ دفاعي ضد أي هجوم من القبائل الليبية المغيرة.
فيلا سيلين
يرجع تاريخ بناء فيلا سيلين إلى أواخر القرن الثاني ومطلع القرن الثالث للميلاد، وهي إحدى الفلل التي شيّدها أثرياء الرومان خارج أسوار المدن، وتعتبر من أجمل المعالم الأثرية الموجودة في ليبيا، وتمتاز بجدرانها المرمرية وحدائقها التي تزيّنها نوافير المياه، وأجمل أنواع الزهور وأشجار الفاكهة، وفي داخل البيت قاعات واسعة تحيط بها غرف للنوم، وللجلوس، ولتناول الطعام، ومكتبات، وتمتاز أرضياتها بأنها مبلّطة بالفسيفساء والرخام، وقد رسم على جدرانها لوحات جصّية جميلة، ويتوزع تماثيل على جنباتها.
لبدة الأثريـة
ورد ذكر اسم لبدة في العديد من المصادر التاريخية بعدة أسماء، فعرفت في العصر البونيقي مثلاً باسم “لبقى”، وباسم “ليببس” في العصر اليوناني، وباسم “لبس” في العصر الروماني، وقد أخذت اسم “لبدة” في عصر سبتموس سيفروس، في حين ورد اسم “لبدة قدورد” في النقوش البوليقية وبالتحديد في القرن الأول قبل الميلاد.
عن جمال المعالم السياحيه في ليبيا
يعود تاريخ إنشاء لبدة الأثرية إلى القرن السادس قبل الميلاد، وكانت تعتبر في العصر الفينيقي مقراً تجارياً لأهمية موقعها الجغرافيّ، وضخامة مبانيها، وخصوبة أرضها التي ساعدت على ازدهارها عبر تاريخها الطويل، وقد وقعت تحت الحكم القرطاجي حتى عام 146 قبل الميلاد، وتحت الحكم الروماني في عام 439 قبل الميلاد، وفي الفترة الواقعة بين 439 و 534 قبل الميلاد خضعت لحكم “الو ندال” إلى أن قضى عليهم البيزنطيون، فظلّ حكمهم إلى أن جاءها الفتح الإسلامي عام 642م. وتضم لبدة الأثرية كلّاً من: معبد روما أغسطس، والمسرح، ومعبد ليرباثر، وحلبة المصارعة، والسوق، وقوس يدعى باسم قوس النصر، كما تحتوي على متحف يحتوي على أهم كنوزها الأثرية.
في ظل حرب مستمرة منذ خريف عام 2011، صارت الآثار والمعالم التاريخية الليبية هدفاً لصواريخ الميليشيات ومصدراً لتمويل الحرب ووقوداً لها، فهي تواجه أخطار التصفية والنهب، حتى أن بعضها عبثت به أيادي أمراء الحرب واختفى.
تحذيرات بلا نتيجة
في ليبيا عشرات المواقع الأثرية التي تعود إلى حقبات تاريخية متنوعة. وتصنف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) خمسة مواقع أثرية ليبية ضمن قائمة التراث العالمي، وهذه المواقع هي موقع صبراتة الذي يجمع الحقبتين الفينيقية والرومانية ويضم مسرحاً يقابل البحر غرب طرابلس، ومدينة شحات (قورينا) التي بناها الإغريق في شرق البلاد، وموقع لبدة الرومانية قرب طرابلس، ومواقع “تادرارت اكاكوس” الصخرية الغنية بآلاف النقوش والتي يعود أقدمها إلى 21 ألف عام قبل الميلاد، في جنوب غرب ليبيا، ومدينة غدامس جنوب غرب العاصمة وتعود آثار العيش فيها إلى نحو 10 آلاف سنة قبل الميلاد.
أقوال جاهزة
تواجه الآثار الليبية أخطار التصفية والنهب، حتى أن بعضها عبثت به أيادي أمراء الحرب واختفى
تفجير آثار ليبية لأسباب دينية وبعض الباحثين يحمّلون المؤسسة الدينية المسؤولية
المعالم التاريخية الليبية –
مواقع “تادرارت اكاكوس” الصخرية
المعالم التاريخية الليبية –
النقوش في “تادرارت اكاكوس”
باكراً، وعقب سقوط نظام معمر القذافي، حذّرت منظمة اليونسكو من تعرض المواقع الأثرية والمتاحف الليبية للنهب والتدمير، مرتكزةً في ذلك على تجارب سابقة مريرة، في أفغانستان والعراق. وقالت مدير عام اليونسكو وقتذاك إيرينا بوكوفا إن “التجربة أثبتت أن هناك خطراً داهماً يهدد الآثار خلال الاضطرابات الاجتماعية”، مضيفةً أن “هذه التجربة علّمتنا أن هناك عمليات نهب يقوم بها أشخاص تضر بسلامة القطع الأثرية والمواقع الأثرية”.
المعالم التاريخية الليبية –
مدينة غدامس التي تعود آثار العيش فيها إلى نحو 10 آلاف سنة قبل الميلاد
لكن، وبالرغم من كل هذه التحذيرات المبكرة، لم تشُذ التجربة الليبية عن سابقتها في العراق وذهبت آثار البلد في مهب الحرب.
معالم ليبيا بين التجار والمتطرفين
خلال أربع سنوات من الحرب، تعرضت العشرات من المواقع الأثرية الليبية للتدمير والنهب في مختلف جهات البلاد، إذ أكد عالِم الآثار الليبي فضل الحاسي، في تصريحات صحافية أن “أكثر من 15 موقعاً أثرياً تعرَّضت للتجريف منذ 2011 وتحوَّلت إلى مساكن، بينها مواقع داخل مدينة شحات، شرقي البلاد”. وقال إن “نقوشاً صخرية في جبال أكاكوس في قلب الصحراء تعرَّضت أيضاً إلى أعمال تخريب بالطلاء، بينما طالت عمليات القصف العشوائي قصراً عثمانياً في بنغازي”.
المعالم التاريخية الليبية – صورة 4
معبد أبولو في قورينا
وأضاف الحاسي أنَه “جرى تخريب قصر إسلامي بناه المعز لدين الله الفاطمي في منطقة العزيات غرب مدينة طبرق على الحدود الليبية – المصرية، ليتحوَّل إلى حظيرة للحيوانات”. وفي كل مرّة، كان المعتدي هو الميليشيات المسلحة بمختلف توجهاتها وشبكات تهريب الآثار، وإن اختلفت دوافعها بين السعي وراء الربح المادي والدوافع العقائدية والدينية.
اختفاء آثار
في نوفمبر 2014، استفاق سكان العاصمة طرابلس على اختفاء تمثال “الحسناء العارية” وغزالها من وسط المدينة حيث كان يتوسط ميدان “الغزالة”. ويعود هذا التمثال إلى فترة الاحتلال الإيطالي وهو على هيئة فتاة عارية تمسك جرةً في إحدى يديها، وغزالاً في يدها الأخرى. وكان التمثال قد تعرّض للقصف بقذيفة “مورتر” خلال الاشتباكات التي اندلعت، في أغسطس 2014، بين جماعات مسلحة في طرابلس، ما أسفر عن حدوث فجوة في جسد الحسناء العارية، بينما نجا الغزال من القصف.
المعالم التاريخية الليبية – صورة 4
ملامح التمثال “العارية” دفعت البعض إلى ترجيح فرضية أن تكون إحدى الجماعات المتشددة دينياً قد قامت بانتزاعه من مكانه حفاظاً على “الأخلاق العامة”، وفقاً لتفسيراتها الدينية الصارمة، من دون نسيان أن هذه الجماعات ترفض وجود التماثيل أصلاً، عاريةً كانت أو كاسية.
المعالم التاريخية الليبية – صورة 5
موقع لبدة الرومانية قرب طرابلس
وبعد أسبوع واحد من اختفاء تمثال “الغزالة” أعلن مسؤول في هيئة الآثار الليبية، أن “مجهولين استولوا على تمثال يجسد شخصية شيخ الشهداء عمر المختار وهو يمتطي صهوة جواده، كان موضوعاً أمام مقر المجلس البلدي لمنطقة الماية على الطريق الساحلي غربي العاصمة الليبية طرابلس”. إلى جانب الدوافع الدينية تنشط جماعات أخرى في استهداف الآثار لكسب المال. فالفوضى الليبية القائمة أصبحت حقلاً خصباً لنشاط شبكات تهريب وترويج الآثار.
في سبتمبر الماضي نشرت صحيفة لوموند الفرنسية Le Monde تحقيقاً استقصائياً حول الآثار الليبية ومصائرها في ظل الحرب الدائرة. وفيه، كشفت الصحافية فلورنس إفين عن “عدد من الحالات التي جرى فيها العثور على قطع أثرية ليبية في لندن وباريس وجنيف وإسرائيل”.
حركة تنوير الليبية: مواجهة الرصاص بالعمل الثقافي
وفي السياق نفسه، تمكّنت السلطات الجزائرية في أبريل الماضي من إحباط عملية تهريب كبرى لآثار ليبية نحو المغرب. ومن بين الآثار المحجوزة قناع بلغت قيمته المالية، حسب التحاليل المخبرية، نحو مليون دولار، بينما بلغت القيمة المالية لتمثال إله الشمس، الذي يعود إلى الحضارة الآسيوية القديمة، وآنية أثرية تحمل نقوشاً ذات دلالات مسيحية، ما يزيد عن 4 مليارات دولار”.
مسؤولية المؤسسة الدينية
لا يتردد رئيس مصلحة الآثار الليبية، صالح العقاب، في تحميل المؤسسة الدينية جزءاً من المسؤولية، إذ يؤكد “وجود فتاوى دينية تقول إن الموروث الحضاري هو من أيام الجاهلية، وبالتالي تجيز الكسب من بيع الآثار”.
ولم تتوقف هجمات أصحاب الأفكار الدينية المتطرفة عند الآثارالقديمة بل تعدتها لتطال المساجد والمقامات الصوفية في البلاد، منطلقةً من قناعات دينية سلفية تحرّم زيارة الأضرحة وتعتبرها ضرباً من “القبورية الوثنية”. ففي صيف عام 2012، هزت انفجارات ضخمة نفذتها عناصر سلفية متطرفة ضريح ومسجد العالم الصوفي، الشيخ عبد السلام الأسمر، صاحب الرمزية الكبيرة في الأوساط الشعبية الليبية.
كما أتت الانفجارات على مكتبة مسجد مدينة زليتن كما ظهر في شريط فيديو بثته شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت. ويظهر في التسجيل تفجير الضريح بحضور عشرات المتشددين وسط هتافات “الله أكبر”.
وفي الفترة نفسها، أقدمت
مجموعة سلفية مسلحة على هدم مسجد سيدي الشعاب الدهماني، القريب من وسط العاصمة طرابلس، وهو معلم يزوره الناس للتبرك به، وقاموا بانتهاك حرمة القبر الذي دفن فيه الشيخ الصوفي سيدي الشعاب.
أين الدولة؟
أعاد الباحث الليبي في المركز الوطني للمحفوظات والدراسات التاريخية، نور الدين الثني التهديدات التي تطال الكنوز الأثرية في بلاده إلى “الجهل بأهمية الآثار نظراً للمرحلة التي مرت على ليبيا إبان النظام السابق الذي كان يعتقد أن هذه الآثار تجسد مراحل استعمارية وليست ذات أهمية، فلحق بها إهمال كبير برغم غنى ليبيا بالمواقع الأثرية”.
وأضاف لرصيف22: “بعد ثورة 17 فبراير، انشغل الليبيون بمحاربة النظام السابق ثم تفرغوا للنزاع في ما بينهم، وقد كانت بعض المواقع والمدن الأثرية ساحات حرب ما أدى إلى تضررها، في ظل عدم وجود مؤسسات حكومية قادرة على حماية المواقع الأثرية من النهب، لتتحول ليبيا إلى ساحة جيدة لتجار الآثار”.
وعن التدابير التي اتخذتها السلطات الليبية لحماية ما تبقى من الآثار المادية والمخطوطة قال، الثني: “لا شك في أن ليبيا فيها الكثير من العلماء والمهتمين بالآثار. ولكن ليبيا لم تكن سابقاً دولة مؤسسات بل دولة حكم الفرد، فتعرضت مصلحة الآثار للإهمال الشديد”.
المعالم التاريخية الليبية –
موقع صبراتة الذي يجمع الحقبتين الفينيقية والرومانية
وتابع أن “المخطوطات، وبفضل جهود موظفي المركز الليبي للمحفوظات، حظيت باهتمام يعد ممتازاً قياساً ببقية مؤسسات مصلحة الآثار المثيلة، فقد عمل المركز على تجميع الوثائق والمخطوطات وأوجد مشروعاً لإنشاء أرشيف ليبي بعد قيام ثورة 17 فبراير، ولكن نظراً للظروف الحالية توقف المشروع”.
وأكّد الثني أنه “تم التواصل مع المنظمات الدولية كاليونيسكو وزار عدد من خبرائها بعض الجهات المهتمة في ليبيا، وقد وُضعت بعض الخطط والبرامج لمساعدة ليبيا بالخبرات فقط، باعتبارها دولة ثرية، إلا أن الظروف السياسية والأمنية أرجأت كل هذه الخطط إلى حين تمتّع ليبيا بالاستقرار المأمول قريباً”.
أحمد نظيف
صحافي تونسي يهتم بشؤون الجماعات الدينية والأقليات، مؤلف كتاب “بنادق سائحة: تونسيون في شبكة الجهاد العالمي”. يحمل إجازة في الإعلام وإجازة في الإخراج.
وللمزيد زوروا موقعنا “لحظات”