رد دعوي السلف

رد السلف دعوى أن الإثبات يستلزم التشبيه
أكثرَ نفاة الصفات من إطلاق لفظ (التشبيه) على مخالفيهم من مثبتة الصفات، حتى صار من علامة الجهمية تسمية أهل السنة مشبهة كما قال ذلك الإمام إسحاق بن راهويه (ت – 238هـ) رحمه الله:
(علامة جهم وأصحابه دعواهم على أهل السنة والجماعة وما أولعوا به من الكذب أنهم مشبهة، بل هم المعطلة، ولو جاز أن يقال لهم هم المشبهة لاحتمل ذلك)

رد السلف دعوى أن الإثبات يستلزم التشبيه

وقال أبو زرعة الرازي رحمه الله:
(المعطلة النافية الذين ينكرون صفات الله عزّ وجل التي وصف الله بها نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه صلّى الله عليه وسلّم، ويكذبون بالأخبار الصحاح التي جاءت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الصفات، ويتأولونها بآرائهم المنكوسة على موافقة ما اعتقدوا من الضلالة وينسبون رواتها إلى التشبيه، فمن نسب الواصفين ربهم – تبارك وتعالى – بما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه صلّى الله عليه وسلّم من غير تمثيل ولا تشبيه إلى التشبيه فهو معطل نافٍ، ويستدل عليهم بنسبتهم إياهم إلى التشبيه أنهم معطلة نافية) .
وقال أبو حاتم الرازي رحمه الله:
(علامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشبهة) .

وقال ابن خزيمة (ت – 311هـ) رحمه الله

(وزعمت الجهمية – عليهم لعائن الله – أن أهل السنة ومتبعي الآثار، القائلين بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلّى الله عليه وسلّم، المثبتين لله عزّ وجل من صفاته ما وصف الله به نفسه في محكم تنزيله، المثبت بين الدفتين، وعلى لسان نبيه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم بنقل العدل عن العدل موصولاً إليه مشبهةٌ، جهلاً منهم بكتاب ربنا وسنة نبينا صلّى الله عليه وسلّم، وقلة معرفتهم بلغة العرب الذين بلغتهم خوطبنا) .

قد نبه الإمام إسحاق بن راهويه (ت – 238هـ) رحمه الله في النص السابق على أن المعطلة هم الذين يستحقون وصف التشبيه؛ لأنهم شبهوا أولاً، ثم عطلوا ثانياً ، وقد نبه إلى هذا – أيضاً – الإمام الدارمي (ت – 280هـ) رحمه الله، فبعد نص طويل في رده على المريسي (ت – 218هـ) وأنه نفى ما وصف الله به نفسه، ووصفه بخلاف ما وصف به نفسه، ثم ضرب أمثلة لتعطيل الصفات عن طريق التأويل الفاسد قال: (تضرب له الأمثال تشبيهاً بغير شكلها، وتمثيلاً بغير مثلها، فأي تكييف أوحش من هذا، إذ نفيت هذه الصفات وغيرها عن الله بهذه الأمثال والضلالات المضلات؟) .
وقد ناقش الإمام الواسطي (ت711هـ) رحمه الله الأشاعرة الذين يثبتون بعض الصفات، وينفون بعض الصفات، وحجتهم في نفي ما نفوه من الصفات أنه يستلزم التشبيه فقال:
(لا فرق بين الاستواء والسمع، ولا بين النزول والبصر؛ لأن الكل ورد في النص فإن قالوا لنا: في الاستواء شَبَّهتم، نقول لهم: في السمع شبهتم، ووصفتم ربكم بالعرض ، وإن قالوا: لا عرض، بل كما يليق به، قلنا: في الاستواء والفوقية لا حصر، بل كما يليق به، فجميع ما يلزموننا في الاستواء، والنزول، واليد، والوجه، والقدم، والضحك، والتعجب من التشبيه: نلزمهم به في الحياة، والسمع، والبصر، والعلم، فكما لا يجعلونها أعراضاً، كذلك نحن لا نجعلها جوارح، ولا مما يوصف به المخلوق) .

ثم قال: (فما يلزموننا في تلك الصفات من التشبيه والجسمية نلزمهم في هذه الصفات من العرضية.
وما ينزهون ربهم به في الصفات السبع، وينفون عنه من عوارض الجسم فيها، فكذلك نحن نعمل في تلك الصفات التي ينسبوننا فيها إلى التشبيه سواء بسواء) .
وينبه الإمام ابن قدامة المقدسي (ت – 620هـ) رحمه الله إلى أمر مهم ألا وهو سبب نفي المتكلمين صفات الباري – جل وعلا – فظاهر الأمر عندهم هو التنزيه ونفي التشبيه، ولكن حقيقة الأمر هو: إبطال السنن والآثار الواردة فيقول:
(وأما ما يموه به من نفي التشبيه والتجسيم فإنما هو شيء وضعه المتكلمون وأهل البدع توسلاً به إلى إبطال السنن ورد الآثار والأخبار، والتمويه على الجهال والأغمار ليوهموهم: إنما قصدنا التنزيه ونفي التشبيه) .
وأما دعوى أن إثبات الصفات يستلزم الجوارح والأعضاء لله عزّ وجل فقد أجاب عن هذه الشبهة الإمام الدارمي (ت – 280هـ) رحمه الله في رده على المريسي (ت – 218هـ) فقال: (وأما تشنيعك على هؤلاء المقرين بصفات الله، المؤمنين بما قال الله: أنهم يتوهمون فيها جوارح وأعضاء، فقد ادعيت عليهم في ذلك زوراً وباطلاً، وأنت من أعلم الناس بما يريدون بها، إنما يثبتون منها ما أنت معطل، وبه مكذب، ولا يتوهمون فيها إلا ما عنى الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، ولا يدعون جوارح وأعضاء كما تقولت عليهم…) .
ومما أجاب به سلف الأمة على من ألصق بهم تهمة التشبيه والتجسيم، بيانهم لأمر غفل عنه النفاة ألا وهو أن اتفاق الأسماء لا يلزم منه اتفاق المسميات، وكذلك اتفاق الصفات لا يلزم منه اتفاق الموصوفين بها فقد سمى الله عزّ وجل نفسه سميعاً بصيراً بقوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء: 58] .
وسمى بعض خلقه سميعاً بصيراً بقوله عزّ وجل: {إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً } [الإنسان: 2]

وقد ذكر ذلك الإمام الدارمي (ت – 280هـ) رحمه الله بقوله

(إنما نصفه بالأسماء لا بالتكييف ولا بالتشبيه، كما يقال: إنه ملك كريم، عليم حكيم، حليم رحيم، لطيف مؤمن، عزيز جبار متكبر، وقد يجوز أن يدعى البشر ببعض هذه الأسماء) .
وقد أطال الإمام ابن خزيمة (ت – 311هـ) رحمه الله في بيان هذه القاعدة، وضرب لها أمثلة عدة منها تسمية الله نفسه عزيزاً ، وسمى بعض الملوك عزيزاً فقال: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ } [يوسف: 30] .
ومنها تسمية الله عزّ وجل نفسه الجبار المتكبر بقوله: { السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ } [الحشر: 23] ، وسمى بعض الكفار متكبراً جباراً فقال: { كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ } [غافر: 35] ، وغيرها من الأمثلة .
وأختم بما قاله الفخر الرازي (ت – 606هـ) رحمه الله حين قال كلمة حق في معتقد السلف، وأنه بعيد عن التشبيه وهي قوله:
(اعلم أن جماعة من المعتزلة ينسبون التشبيه إلى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن معين وهذا خطأ، فإنهم منزهون في اعتقادهم عن التشبيه، والتعطيل، لكنهم كانوا لا يتكلمون في المتشابهات بل كانوا يقولون: آمنا وصدقنا، مع أنهم كانوا يجزمون بأن الله تعالى لا شبيه له، وليس كمثله شيء، ومعلوم أن هذا الاعتقاد بعيد جداً عن التشبيه

صور عن رد دعوي السلف

لا فرق بين الاستواء والسمع، ولا بين النزول والبصر؛ لأن الكل ورد في النص فإن قالوا لنا: في الاستواء شَبَّهتم، نقول لهم: في السمع شبهتم، ووصفتم ربكم بالعرض ، وإن قالوا: لا عرض، بل كما يليق به، قلنا: في الاستواء والفوقية لا حصر، بل كما يليق به

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top