وعد الله سبحانه وتعالى أن يغفر الذنوب عن عباده التائبين ما لم يشركوا به شيئا وما داموا قد شعروا بعظمة الذنب وتوجهوا إلى ربهم بالتوبة رغبة بنيل مغفرته والنجاة من عقوبته وقد دعت الآيات القرآنية الصريحة والأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة عباد الله المخطئين إلى الإقبال على الله سبحانه وتعالى وعدم القنوط من رحمته بسبب كثرة معاصيهم، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وسوف نتحدث بالتفصيل عن التوبة في هذة المقالة .
تعريف التوبة
التّوبةُ في اللّغة: مصدر تَوَبَ أي تَرَك وعاد، ويُقصد بها العودة عن الذّنب وتركه والإقلاع عنه. التوبة في الاصطلاح تعني
أن يترك العبد الذّنب لقبحه ويندم على فعله، ويبذل جهده للتّكفير عنه بعد أن يعزم على الإقلاع عنه وعدم الرجوع إليه مطلقاً، وذلك قُربةً لله تعالى وخشيةً منه
وتعتبر التوبة من أسمى أوجه الاعتذار وأعلاها درجةً، ففيها يُقرُّ العبد بتقصيره وارتكابه ذنباً لا يرتضيه خالقه، ويعزم ألا يعود إليه مخافةً من الوقوع في سخط المولى، ورجاء بلوغ رحمته.
شروط التوبة الصادقة
الندم على ما فعل من الذنوب والمعاصي: ويأسف على وقوع تلك الأفعال منه ويكره ذلك الفعل بعدما فعله، فيجب عليه أن يُدرك أن ما قام به من المعاصي والذنوب، أو ما فرَّط فيه من الطاعات والمأمورات لا ينبغي أن يحصل منه، فيندم على ذلك، ويتحسر عليه، ويتمنى لو لم تقع منه تلك الأفعال.
فإن لم يندم التائب على ذنوبه التي ارتكبها أو تقصيره بحق ربه فإن ذلك يدلُّ على رضاه بما قام به، وإصراره عليه، وهذا بحد ذاته ذنبٌ ينبغي عليه أن يتوب منه، وقد ورد في الحديث الذي يرويه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (النَّدَمُ تَوْبَة).
قال السفاريني: ويعني قول النبي صلى الله عليه وسلم (الندم توبة) أن أعظم أركان التوبة الندم، تماماً كقوله عليه الصلاة والسلام (الحج عرفة)، وينبغي في الندم أن يكون من عدة جوانب في المعصية التي ارتكبها، من حيث قبحها وذاتها والخوف من عقوبتها عند الله، كما أن الندم شيء متعلقٌ بالقلب، ويظهر على الجوارح، فإذا ندم قلب التائب امتنع عن المعصية التي كان يرتكبها، فرجعت الجوارح إلى ربها برجوع القلب.
الإقلاع عن الذنب: فينبغي على التائب أن يُقلع عن الذنب، ويتوقف عن إتيانه حالاً، وذلك من أظهر معاني التوبة وأوضحها، والذي من خلاله يبين صدق التوبة أو زعمها من التائب، فإن التوبة لا تتضح معالمها ولا تصحّ عند الله إلا بالإقلاع عن مُسبباتها التي هي الذنوب، أما إن تاب العبد واستمر في المعصية وأقام عليها فذلك دليلٌ على كذب ادعائه التوبة.
ويدلُّ على ذلك ما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنَّ المُؤْمِنَ إذا أذنَبَ كانت نُكْتةٌ سوداءُ في قلبِهِ، فإن تابَ ونزعَ واستَغفرَ، صُقِلَ قلبُهُ، وإن زادَ زادت، حتَّى يَعلوَ قلبَهُ ذاكَ الرَّانُ الَّذي ذَكَرَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ في القرآنِ: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)).
فإن المُصرَّ على ارتكاب الذنب بعد أن تاب منه، والمقيم عليه إن لم تكن له توبة صادقةٌ صحيحةٌ فإنه يُخشى عليه أن يكون ممن جاءت فيهم الآية، فيُطبع على قلبه حتى تتعسر عليه التوبة، ويستمر في المعصية حتى تودي به إلى النار.
العزم على ألا يعود للمعصية أبداً: ويُعلن ذلك ويُشهد الله عليه، ويدلُّ هذا على صدق التوبة عملياً وصحتها.
أداء الحق إلى أصحابه: فإن كان الذنب الذي تاب منه تتعلق به مظلمةٌ أو حقٌ لآدمي فيجب عليه حتى تُقبل توبته وتصحَّ أن يؤدي ذلك الحق لأهله، أو يطلب منه المسامحة منه، فإنّ من كان ذنبه الذي يريد التوبة منه فيه اعتداءٌ على حقِّ أحدٍ من الناس فقد وجب عليه لكي تُقبل توبته أن يستحله من حقه إن كان معنوياً كالغيبة والنميمة، أو يُعيده إليه إن كان حقاً مادياً كالديون وغيرها.
أن تكون توبته في الوقت الذي تُقبل فيه التوبة: فيجب على التائب حتى تُقبل توبته أن تقع في الوقت الذي تُقبل فيه، وهو كلُّ وقتٍ إلا ما جاء النصُّ في عدم قبول التوبة فيه، كأن يتوب بعد طلوع الشّمس من مغرِبها، أو يتوب هرباً من الحساب والعقاب بعد أن يجد ألا مفرَّ من الموت، كما حصل مع فرعون عندما أغرقه الله وجنوده.
علامات قبول التوبة
أن يجد التائب حُرقةً في قلبه وألماً في نفسه على ما قام به من الذّنوب والمعاصي.
أن ينظر التائب إلى نفسه بعين التّقصير، ويشعر أنه مذنبٌ بحق خالقه، وأنه يجب عليه أن يتوب إلى الله، فإن لم يكن ذلك حاله كان ذلك دليلاً على عدم صدق التوبة، وعدم قبولها بالتالي.
أن يبتعد التائب عن كلِّ ما يؤدّي به إلى الرجوع إلى الذنب الذي تاب منه، ويبتعد عن الأسباب المؤدية إليه والطرق المفضية إلى الوقوع به.
أن يُقبِل العبد التائب على ربه بأن يتقرب إليه بأبواب الطّاعات والنّوافل فضلاً عن الفرائض، ويسعى بكل جهده للبعد عن المُحرَّمات، ومما يُعين على ذلك الابتعاد عن رفاق السوء.
أن ينظر التائب إلى أنَّ توفيق الله له بالتّوبة نعمةٌ من نعم الله التي أنعم بها عليه، فيحافظ عليها ويتمسك بها ويشكر الله أن رزقه بها كأي نعمةٍ أخرى تستوجب الشكر من أنعم الله العديدة.
لكل ما هو جديد ومتنوع زورو موقع لحظات .