الحياة الطويلة العريضة التى نحياها مليئة بقصص الكادحين الذين خاضوا غمار تلك الحياة بنفوس راضية مطمئنة ،نفوس يملؤها الإيمان واليقين فى رحمة الله .
لكن (أحياناً) يكون من الصعب على النفس الكادحة أن تجد أنها عاجزة عن فعل أى شىء نافع لها أو للآخرين!!
من تلك النفوس أقص عليكم اليوم قصة مآثرتلك الفتاة المسكينة ذات النفس البريئة التى لاتحمل حقداً أو ضغينة لأحد على وجه الأرض.
قصه عن وحده المصير
ليست مجرد قصة!
النفس البشرية مثل الكأس التي تمتلئ عن آخرها وتفيض فجأة إذا تلقت قطرة واحدة زائدة على قدرتها النهائية على قبول المزيد !
وبكل أسف هناك ( بعض) الأزواج يتغافلون عن إدراك أن كأس شريك حياته قد امتلأت ولم يعد بها متسع للمزيد ، وبدلاً من محاولة إفراغ مخزونها القديم من المرارات بالاعتذار ومحو الإساءة وحسن العِشرة والعطاء ، نجدهم يواصلون الضغط وإضافة المزيد والمزيد حتى تفيض الكأس بما فيها ويطفح الكيل ويحدث الانفجار الكبير !
وحدة المصير بين أي زوجين وحدة كلية لا تتجزأ أو تقبل القسمة على اثنين وفي الحديث الشريف : ( التحدث بالنعمة شكر وتركها كفر ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله ، والجماعة بركة والفرقة عذاب ) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .هكذا ينبغي أن يكون الحال بين الأزواج ، حيث يقدّر كل منهما الآخر ويحترمه ويصبح الجو العام السائد بينهم هو المودة والرحمة .
لكن ما حدث مع آمنة كان مختلفاً، فقد ندمت على ما فعلت ولكن بعد فوات الأوان … تقول آمنة : أنا سيدة في الثامنة الثلاثين من عمري ، نشأت في أسرة مكونة من أب وأم وستة من الأبناء ، رحلت أمي عن الحياة وأنا طفلة صغيرة ن ولم يصبر أبي وسارع بالزواج من سيدة أخرى وانفرد معها بأكبر غرفة في شقتنا الصغيرة التي نقيم فيها وتكدسنا نحن الأبناء الستة في الغرفة الثانية ، ولم تلبث الحياة أن كشرت لنا عن أنيابها وبدأ الصراع بيننا وبين زوجة أبي الذي انصرف عنا كلياً وانشغل بزوجته ، فكانت النتيجة أن فشل كل إخوتي في الدراسة ، أما أنا فقد تمسكت بفرصتي في التعليم ودبرت أمري بحيث أواصل الدراسة مهما تكن الظروف قاسية وصعبة .
وفقني الله والتحقت بكلية التجارة ، وهناك في مجتمع الجامعة بدأت أرى زميلاتي يرتدين أحدث الملابس والموديلات ، وأدخل بيوتهن فأرى التليفزيون الملون والمياه الساخنة وأشياء كثيرة أعيش أنا وإخوتي المساكين في حرمان تام منها ! في الكلية توثقت العلاقة بيني وبين زميلة لي يعمل والدها بأحد البنوك الاستثمارية الكبرى ، فكنت أتردد عليها كثيراً وأقضي معها أوقات طويلة . مرت الأيام وتخرجت من الكلية ، وألححت على صديقتي أن ترجو والدها أن يتيح لي فرصة للتدريب في البنك معها ، وافق والدها وتدربت خلال عام الخدمة العامة ، وبعد عامين عُينت في نفس البنك بمساعدة والد صديقتي وتم توزيعي على أحد أقسام البنك ، وهناك وجدت رئيس القسم عبد الله، شاب يكبرني بنحو عشر سنوات ، وسيماً أنيقاً ، خدوماً ويحسن التعامل مع العملاء .
نظرت حولي فوجدت كل فتيات القسم معجبات به ويتمنينه لأنفسهن ، فأدركت أنه حلم صعب المنال بالنسبة لي ! ذات يوم وبالمصادفة البحتة سمعته يتحدث إلى صديق له في التليفون ويضرب له موعداً للقاء في الثالثة بعد ظهر اليوم التالي أمام البوابة الرئيسية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب . على الفور قررت أن أذهب للمعرض في نفس الموعد والتقي به كما لو كان لقاء المصادفة !!
ذهبت للمعرض ورأيته وعبرت الطريق أمامه كأنني لا أراه وناداني محيياً ، فأظهرت دهشتي لتلك المصادفة السعيدة ، قلت له : ـ كنت على موعد مع إحدى صديقاتي لزيارة المعرض لكنها لم تحضر .. صدفة عجيبة فقد كنت أنا الآخر على موعد مع أحد أصدقائي ولم يحضر ! وسألني عبد الله عما إذا كنت أرغب في مشاهدة المعرض معه ، فرحبت علي الفور ، وفي اليوم التالي أمضيت معه يوماً سعيداً آخر ووجدته إنساناً كريماً ودوداً ، وفوجئت به في نهاية اليوم يعرض علىّ الزواج ، ساعتها غلبتني دموعي من الفرحة ن وفاتحت أبي برغبة رئيسي في العمل في التقدم لي ، فرحب به وجاء عبد الله مع أخته وأخيه والتقوا بأبي ، وصارحه أبي بأننا لا نملك شيئاً وأنه إذا أراد أن يتزوجني فعليه أن يتكفل بكل شيء دون أي مساعدة منه ، ووافق عبد الله وتم عقد القران ، وبعد فترة قصيرة تم الزواج وانتقلت إلى شقة زوجي الجميلة المؤثثة بكل الكماليات وأجهزة التكييف والأجهزة الكهربائية الحديثة .
أخيراً تحقق ما كنت أحلم به وأصبحنا نذهب سوياً للعمل ونرجع منه معاً كل يوم ، وكنت أدخر كل مرتبي في دفتر توفير بالبنك لأن زوجي الكريم رفض نهائياً أن أنفق شيئاً علي البيت ! مرت الأيام وحملت وأنجبت طفلة جميلة وحصلت علي إجازة بدون مرتب من عملي ، وحملت مرة أخرى ثم ثالثة وأصبح لدينا ولدان وبنت . . مضت أيامنا جميلة هادئة وكنا نتجاوز بالتسامح والمودة جميع خلافاتنا البسيطة ، وتقدم زوجي عبد الله في عمله وازداد دخله وتقدمت أنا باستقالتي من البنك كي أتفرغ لأطفالي وبيتي .
مرت الأيام وزوجي الحبيب يضعنا في بؤرة اهتمامه ولا يعكر علينا صفو حياتنا سوى عصبيتي الزائدة عن الحد مع زوجي وأطفالي . كنت أثور لأتفه الأسباب وعبد الله يهدئ من روعي ويستحلفني ألا تحدث أي مشادة بيننا أمام الأطفال حتى لا تتأثر نفسيتهم .
في تلك الفترة دخل زوجي في بعض المشروعات التجارية مع بعض أصدقائه وبدأت مشروعاته في النمو ، وأصبحت تدر علينا دخلاً كبيراً ، وحاول عبد الله الحصول على إجازة بدون مرتب ليتفرغ لأعماله التجارية فلم يوفق ولم يجد مفراً من الاستقالة من البنك والتفرغ لأعماله الخاصة .
فجأة اضطربت مشروعاته التجارية حين استولى أحد شركائه على قيمة أحد الشيكات وفر بها فتأثرت الأعمال التجارية واضطربت أحواله ووصل الأمر إلى ساحة القضاء ! لم ييأس عبد الله والتحق بالعمل بأكثر من شركة تجارية ولم يوفق . في تلك الفترة زادت عصبيتي معه بشكل فظيع ، فكنت اشتبك معه في مناقشات عنيفة حتى الفجر وهو يرجوني أن أخفض صوتي حتى لا يسمعه الأبناء .
تطورت الأمور بيننا وهجرته إلي بيت أبي أشكو إليه حالي ، فقال لي أبي أنه لا دخل له بحياتي مع زوجي وأن من حقه أن يدير أموره كيفما يشاء ما دام لا يقصر في شيء مع أولاده .
مرت الأيام والشهور وفجأة رحل أبي عن الحياة وأنا مقيمة لديه ، بعد وفاته أخبرتي زوجته أن الشقة باسمها ، وفوجئت بحضور سيدة أخرى تخبرني إنها زوجة أبي أيضاً وهذا الطفل ابنه ! هكذا وجدت الدنيا كلها تنهار حولي ولم يعد لي مكان في بيت أبي ، فاضطررت للعودة لبيتي ومعي أولادي ، وبعد وفاة أبي بدأ أخي الأكبر الذي لم يكن يزورني كثيراً من قبل ، بدأ يزورني ويهتم بأمري ، تعجبت من اهتمامه المفاجئ بي لكني كنت سعيدة بذلك وبدأت اعتمد عليه وأحكي له كل كبيرة وصغيرة في حياتي ، وأصبحت استجيب لنصائحه حتى أنني هجرت غرفة نومي وكنت أنام في حجرة الأبناء بناء على نصيحته حتى يجد زوجي عبد الله حلاً لمشكلاته كلها !
ذات يوم طلب مني عبد الله أي مبلغ معي كي ينفق منه على البيت ، إلي أن يحل موعد صرف شيك معه يستحق السداد بعد شهر ، فنهرته بشدة ونطقت في حقه بألفاظ جارحة كثيرة ، وعبد الله صامت لا ينطق حتى استيقظ الأطفال من نومهم على صوتي يصرخون ويبكون !، فأدخلتهم حجرتهم وأنا سعيدة لأنهم ظنوا أباهم يعتدي علىّ بالضرب ! مضت الأيام وزوجي يحاول إصلاح الأحوال بلا فائدة ، فقد كانت نصائح أخي تنسف جهوده دائماً . هكذا أحلت حياتي إلي جحيم واعتاد الجيران سماع صوتي العالي وإهاناتي لزوجي الطيب وهو يتحمل صابراً يستحلفني بالله أن أدعه يعيش في أمان وهدوء حتى يستطيع تدبير رزقه ورزق أولاده ، لكن هيهات . هيهات فقد ركبني شيطان العناد واستمرت حياتنا على هذا المنوال أكثر من عام ، حتى جاء يوم أسود فوجئت بورقة طلاقي تصلني من زوجي عبد الله ، وكانت صدمة هائلة لي ، فجمعت منقولاتي واستلمت مؤخرا الصداق وأسرعت اتصل بأخي فحضر ليشاركني في مصيبتي !
اتفق شقيقي مع عبد الله أن آخذ معي أولادي بناء على طلبي مقابل أن أتكفل بنفقاتهم وألا أطالب مطلقي بشيء ، وذهبت للإقامة في بيت أخي لفترة لم تطل لكثرة المشاكل بيني وبين زوجته ، فانتقلت للإقامة في شقة صغيرة على السطوح .. مضت الأيام وأنا أتحمل مسئولية الإنفاق على أبنائي من مدخراتي ، وفوجئت ذات صباح بابنتي الكبرى تخرج دون أن تعود ، وعلمت بعد ذلك أنها تقيم عند أبيها وسوف تعود في الغد ، وذهبت لإحضارها ومعي إخوتها من أمام المتحف المصري ، وبعد قليل حضر زوجي السابق بسيارته ومعه ابنتي واندفع إليه الولدان في شوق ولهفة وفرح ، ورأيته يحتضنهما ويقبلهما والدموع تملأ عينيه ، ثم أعطي كل واحد مظروف به ألفان من الجنيهات ولابنتي مظروفاً مماثلاً ، وودع الأبناء وانصرف مسرعاً بسيارته وأنا أقف فوق الرصيف وكأنه لا يراني ويتجاهلني تماماً !
بعد ذلك الموقف حدث تحول غريب من الأبناء تجاه والدهم وبدئوا يتهمونني بأنني السبب في حرمانهم من أبيهم ، وأصبحت أعيش في موقف حرج للغاية وأدركت مدى الجرم الذي افتريت به على عبد الله ومدى الخطأ الجسيم الذي ارتكبته في حقه .. لقد حطمت حياتي ودمرت بيتاً كان من أسعد البيوت .. لقد خسرت كل شيء بسبب استماعي لنصائح أخي الذي لم ينفعني في شيء !
وانتفض مارد العصيان داخلي وسد كل أبواب التفاهم بيننا .. لقد تناسيت وتغافلت عن حقيقة هامة هي أن مصيرنا واحد وأن ما يربطنا هم أولادنا وكان واجبي أن أحافظ على بيتي من أجلهم ، لكنني بغباء شديد استسلمت لأهواء نفسي وعصبيتي الزائدة ، فحطمت كل شيء جميل حولي ! لقد كنت في نعمة كبرى ، جحدتها وجحدت فضل ربي علىّ ، وليس هكذا تفعل الزوجة المخلصة التي ترتبط مع زوجها بوحدة المصير في السراء والضراء ، والصحة والمرض ،وفي الفقر والغنى ! اعترف أنني نادمة وكم كنت متحجرة المشاعر .. صخرية القلب حتى كفرت بعِشرة زوجي الطيب الحنون الذي تحمل منى الأذى صابراً محتسباً !
لكن هل يفيد الندم بعد فوات الأوان ؟!!
قصه واقعيه “ظمات الدنيا”
قصه ظما الدنيا
ليست مجرد قصة !
الصحة والستر نعمتان من أعظم النعم التي أنعم بها المولى عز وجل على عباده ، ونعم الله لا تُعد ولا تُحصى .. تصوَر معي أخي الكريم أن معك مال قارون ، لكنك مريض بداء عضال تحيّر الأطباء في علاجه .. فهل ينفعك مالك حينئذ ؟ .. لا والله ، فالصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى ! نعم الصحة من أعظم النعم التي وهبها الخالق للمخلوق ، وبجانب الصحة نجد الستر ، والستر بمعناه الواسع يعني أن تكون موفقاً في كل أمورك فلا يفضحك الله في عملك وفي كل شئونك .. إذن فالصحة والستر من أعظم النعم وأشملها ، بمعنى أنه إذا دامت لك الصحة مع الستر فقد ضمنت سعادة العيش وراحة البال ، لكن ما بالنا نرى بعض الناس يطمعون في الدنيا أكثر من اللازم ، يعيشون دائماً وأبداً في ظمأ للمال لا يرتوون ولا يكتفون! …. هؤلاء الذين انساقوا وراء شهواتهم وحبهم للمال ، يفضلون كنز المال لديهم ويبخلون علي عباد الله بمال الله الذي وهبهم إياه !
صاحبي إسماعيل جاءني ذات ليلة سعيداً راضياً علي وجهه يشع نور الإيمان قائلاً : نشأت في أسرة متراحمة مع أشقائي وشقيقاتي ، والدي تاجر ميسور الحال ، ومنذ الصغر كنت أعاون أبي في تجارته فكنت أذهب إلى المحل في ساعات فراغي من الدراسة وأشاركه العمل في المحل حتى وصلت إلى الثانوية العامة ، فتعثرت في الحصول عليها عامان متتاليان ورأى أبي أن أتوقف عن الدراسة وأتفرغ للعمل … وافقت وشققت طريقي معه في العمل الذي أحببته ولم تمض بضعة شهور حتى كنت أدير العمل كله وحدي ، فجأة طلب مني أبي العودة للدراسة وامتثلت لإرادته لأني نشأت علي حبه وطاعته حتى ولو اختلفت معه في الرأي .
كان من العاملين لدى أبي موظف أمين مشهود له بالأمانة واستقامة الخلق .. كان يحبني كأحد أبنائه وأحبه وأحترمه لطيبته وحسن مودته لي ، وكنت أزوره في بيته كثيراً واستشعر الراحة والأمان بين أبنائه ومن بينهم سميحة ، تلك الفتاة الهادئة المهذبة في المرحلة الثانوية …. توثقت علاقتي بالأسرة وبدأت استذكر دروس الثانوية العامة مع سميحة، ورحت أقضي معظم أوقاتي بينهم حتى كلّل الله جهودنا بالنجاح وسعد أبي سعادة طاغية وسألني عن المكافأة التي أريدها بمناسبة نجاحي فطلبت منه أن أخطب سميحة ، فاستمع إليّ جيداً وقال أنه لا يمانع فالأب رجل فاضل وأسرته شريفة ، وبحكمة أبي وطريقته العملية في الحياة رأى أن أتزوجها على الفور حتى أتفرغ للدراسة والعمل الذي عدت إليه بعد نجاحي .
تزوجت سميحة خلال شهور قليلة ورأى أبي أن أبدأ السلم من أوله حتى لا استسهل كل شئ في حياتي ، فتزوجنا في شقة صغيرة بأحد الأحياء الشعبية وبأثاث بسيط للغاية بلا أي كماليات ، فلم يكن لدينا سخان ولا غسّالة ولا تليفزيون … رغم ذلك فقد بدأنا حياتنا الزوجية في قمة السعادة والتحقت بكلية التجارة وعملت كموظف في تجارة أبي ، وعملت معي زوجتي سميحة في نفس المكان كموظفة صغيرة !
كان مجموع مرتبنا نحن الاثنان يقل عن مرتب أي موظف آخر مع أنني صاحب المال أو بمعني أصح ابن صاحب المال ، مع هذا كنا سعداء بأننا نعمل ونكافح كي نعول أنفسنا ، وكنا نذهب للعمل في السابعة صباحاً ولا نعود منه إلا في العاشرة مساءاً ….. مضت أيامنا هكذا حتى أكرمني الله ونجحت ، وبعد عام من زواجنا أنجبت زوجتي طفلاً جميلاً توّج حبنا وكفاحنا، والآن أحلم باليوم الذي سأتخّرج فيه وأبدأ عملاً خاصاً أنجح فيه بإذن الله وننتقل من الشقة الصغيرة إلى شقة أوسع ومن التقشف إلى السعة ومن العناء إلى الراحة ، لكن كانت مشيئة الله غير ذلك ، فقد صحوت ذات يوم على آلام شديدة في بطني ومعدتي لم أقو على احتمالها وأسرعت سميحة بنقلي للمستشفى وتبيّن هناك أنني قد أصبت وأنا في السابعة والعشرين من عمري بقرحة في القولون والأمعاء الغليظة واحتاج إلى جراحة عاجلة وتمت الجراحة ، ولكن بعد فترة حدث ثقب في الأمعاء امتد إلى خارج الجسم ونقص وزني بصورة رهيبة وأيقن الجميع أن قضاء الله قد حمّ !
في هذا الجو الكئيب صارح أحد الأطباء زوجتي بأن هناك بصيص أمل في إنقاذي إذا استطعت السفر إلى لندن خلال يومان على الأكثر وعرض نفسي على أحد مشاهير الأطباء الإنجليز في ذلك التخصص ، وعرفت ذلك من سميحة لكني لم أتعلق بالأمل لأنه يفوق إمكانياتي، فأنا موظف صغير لا امتلك سوى راتبي ، ومن أين أدّبر نفقات السفر والمستشفى والعلاج ؟! …
صرفت الأمر عن ذهني واستسلمت لإرادة الله ، فجأة جاءني أبي يبتسم ابتسامة حزينة يبلغني أنه سيرتب سفري على نفقته خلال يومان للعلاج في لندن … حاولت أن أرفض عرض والدي باعتبار أن حالتي ميئوس منها ، لكنه قال أكرمه الله : يا بني حين يتعلق الأمر ( بالضنا ) فأنه لا يجوز أن نتعامل معه بنفس الحساب الذي نتعامل به في التجارة أو في أمور الحياة الأخرى ، وإذا كنت تراني الآن ميسور الحال ، فلقد وُلدت عارياً كما دخلتها ، فلا كنت ولا كانت تجارتي إن لم أجر وراء الأمل حتى آخر قرش أملكه وليفعل الله بنا ما يريد ، واختنق صوته فانهمرت الدموع من عيني وانحنى أبي ليقّبل جبهتي فأمسكت يده بيدي الضعيفة وقّبلتها
بعد يومان كنت محمولاً فوق نقّالة إلى الطائرة وحيداً بلا رفيق ، وفي مطار لندن كانت هناك نقَالة أخرى تنتظرني لتحملني إلى المستشفى ، وبين جدران المستشفي عشت خمسون يوماً لا أرى غير الطبيب وجدران الغرفة ، وشاءت إرادة ربي الذي يحيي العظام وهي رميم أن أشفى وأنجو من الموت ، فغادرت المستشفى بعد تلك المدة الطويلة إلى المطار مباشرة ، وفي مطار القاهرة كان أبي وأمي وإخوتي وزوجتي ينتظرونني ومعهم الكرسي المتحرك ، وتفاجئ الجميع بي أذهب إليهم سائراً على قدمي ، وكانت فرحتهم وفرحتي بعودتي إليهم طاغية ، لكن متاعبي الصحية لم تنته عند هذا الحد ، فقد طلب مني الطبيب المعالج أن أعود إليه بعد 4 شهور لسد الفتحة الصناعية في البطن ، وعدت بالفعل إلى لندن مرة أخرى وأمضيت فيها 12 يوماً لم أر خلالها الشارع كما حدث في المرة الأولى ، وتم سد الفتحة وعدت طبيعياً كما كنت قبل المرض واستقرت حالتي الصحية بعدها فعدت إلى عملي ودراستي التي أهملتها ، ورزقني المولى عز وجل طفلة أخرى وحصلت على البكالوريوس وقررت ألا أنتظر الوظيفة وعملت بالتجارة وانفصلت عن أبي واستقللت بعملي لكي أعول أسرتي الصغيرة ، وخلال سنوات قليلة من الكفاح المستمر حققت قدراً كبيراً من النجاح مع زوجتي سميحة التي وقفت بجانبي في المحنة والألم ، وبدأت الحياة تبتسم لي من جديد فإذا بالمرض يعاودني من جديد ، فاضطررت لبيع الشقة ودخلت أحد المستشفيات الكبرى وأجريت الجراحة التي لم تنجح بكل أسف !
واضطررت لبيع كل ما أملك وسافرت إلى طبيبي المُعالج في لندن ودخلت المستشف هناك وتم علاجي لكن بغير عودة إلى الحياة الطبيعية إلى الأبد ، إذ سأظل بالفتحة الصناعية ما بقي لي من عمر ورضيت بذلك وقلت لنفسي أنه قضاء أرحم من قضاء ، كما بقي في جسمي جزء من القولون لم يستأصل بعد ويسبب لي آلاماً لا يحتملها بشر ! عدت إلى حياتي من جديد أعمل وأكسب وأعاني من الآلام والحقن المُسكنة التي أعيش عليها !…. عندما جاء شهر رمضان الكريم نويت الصيام قربى لله تعالى وشكراً له واستطعت بفضل الله أن أصوم منذ خمسة سنوات .
هكذا مضت أيام حياتي بأفراحها وأتراحها واحمد الله تعالى علي نعمه التي لا تُعد ولا تُحصى .. صاحبي إسماعيل عانى كثيراً من الآلام ورغم ذلك كان راضياً سعيداً ، وهو هنا صادق في مشاعره لأن منْ عانى الألم ازداد تذوقه لنسائم الحياة الطيبة حين ترّق له .
أعظم عِبرة في قصة صاحبي أنه تمّسك بالصبر والإيمان للتغلب على آلامه وأحزانه … تغّلب على ظمأ الدنيا بشراب التقوى والإيمان واليقين في رحمة الله ، وتلك هي سُنة الحياة حين تمنح وتحرم وتسخو وتبخل وتعطي وتمنع فتتساوى الأقدار في النهاية ، كما هو حال الدنيا التي لم ترو ظمأ أحد أبداً !! ولا ننكر أبداً موقف أبيه الرائع عندما أصرّ علي سفره للعلاج بالخارج على نفقته ، فليس هناك أغلى من ( الضنى) على حد قوله ! هنيئاً لصاحبي إسماعيل نجاحه المُشّرف في امتحان الابتلاء ، وحفظه الله من كل شر وسوء فالله خير حافظ وهو أرحم الراحمين .
قصه واقعيه “انكسارات الحياه”
ليست مجرد قصة!
الحياة بأحزانها وآلامها وانكساراتها يجب علينا مواجهتها بروح عالية لا تنال منها الأحزان والانكسارات ولا تطبعها بطابع المرارة والسوداوية والأحقاد ، فمهما كانت كئيبة وسوداء فسوف نجد فيها زاوية مضيئة تعادل الأحزان والآلام ، ونعم الله علينا كثيرة لا تُعد ولا تُحصى والوعي بهذه النعم نعمة كبرى وفضل كبير من الله سبحانه وتعالى علي عباده كي يعينهم على مواجهة صدمات الحياة وأحزانها .
إحسان سيدة حامدة شاكرة لربها على نعمه التي لا تعد ولا تحصى ، واجهت أقدارها بكثرة الحمد والتسبيح ، تقول إحسان :
أنا ببساطة ممن ينظرون إلى نصف الكوب المملوء ولا يركزون أنظارهم على نصفه الخالي فتثور لديهم أسباب السخط وعدم الرضا ، كما أنني أيضاً ممن يحمدون الله دائماً على أي حال ما دام قد رضيه لي وأراد أن يختبرني به ، فحين كنت أعاني من قسوة زوجي حسن واهاناته الشديدة لي كنت أنظر إلى أبنائي وأنا في غمرة الضيق فأجدني في نعمة كبيرة حُرم منها غيري ، وحين كان أهل زوجي يتمادون في استفزازي وإهانتي كنت أحمد الله على صديقاتي المخلصات التي امتدت صلتي بهن من أيام الدراسة واستمرت قوية دافئة حتى الآن فأشعر أن الدنيا ما زالت بخير ، وحين قرر زوجي أن ينهي دوري في حياته مع انتهاء عمله خارج البلاد وعودتنا إلي بلادنا وأنا ما زلت في الثلاثين من عمري ؛ عدت أنظر إلى أولادي أتحدى بهم واقعي المؤلم !
وخلال رحلة العذاب بين أروقة المحاكم بحثاً عن حقوق أبنائي وحقوقي علي زوجي الظالم الذي لم يتق الله فينا ولم يحفظ عِشرة السنين ؛ كان بصري يتعلق بالسماء دائماً أملاً ورجاء في رحمة الله .. ورغم أن زوجي كان ينتصر دائماً بأساليبه الملتوية لإثبات عوزه وإعساره حتى يتنصل من مسئولياته المادية ؛ كنت أسجد لله شكراً لأنه أنعم علىّ بنعمة الرضا والقناعة واليقين بصره لي في النهاية .. وكلما استسلمت للذكريات المؤلمة والأحزان أفقت من هذه الأفكار السوداء والمحزنة على ابتسامة أطفالي الذين وهبهم الله لي وهم يتحركون حولي في مرح وسعادة فأرضى بنصيبي من الدنيا وأحمد الله على كل حال .، واتخذت قراري النهائي بالتفرغ التام لأولادي ورفضت الزواج مرة ثانية وشغلت نفسي بزيادة قدراتي واتجهت لتعلم الكمبيوتر ودراسة اللغات ، وانشغلت كلياً بمطالب أطفالي الصغيرة وحكاياتهم اللذيذة وشواغلهم الممتعة ، فوجدت كل الذكريات الحزينة تنحسر من ذاكرتي تدريجياً .
ذات يوم التقيت بزوج شقيقة طليقي التي أسهمت فعلياً بالنصيب الأكبر في هدم بيتي وتشتيت أبنائي ، فوجئت به يبدي لي أسفه على ما كان من زوجته وأسرتها معي ، فقلت له أن هذا قدري وأنني أحمد الله على كل حال وتركته ومضيت في طريقي ، ساعتها فكرت فيما قاله لي وحمدت الله أن أظهر ظلمهم لي حتى لأقرب الناس إليهم ! وظننت أن الأمر قد انتهى عند هذا الحد إلا أنني فوجئت به يطاردني في كل مكان أذهب إليه ويصارحني بأنه يحبني ولا يستطيع الحياة بدوني ، واعترف لي بأن زوجته كانت قد استشعرت هذه العاطفة القوية لديه تجاهي حين كنت زوجة لأخيها فدفعها ذلك لتدمير حياتي وافتعال المشاكل بيني وبين أخيها ، وقال لي أيضاً ‘نني زهرة يجب أن تُروى بالماء وإلا جفت وذبلت وماتت خاصة إنني في الثانية والثلاثين من عمري ، ساعتها وجدتني وبغير أن أشعر انفجر فيه وأقول له أنني لست ممن يهدمن البيوت على أصحابها ، وتركته ورجعت إلي بيتي حزينة متألمة مما قاله ، ولكني فكرت في حديثه قليلاً وعذرت زوجته أنها فعلت مثل أي زوجة تخشى على زوجها وحياتها ، وتساءلت لماذا لم
تصارحني بهواجسها ؟.. ولو كانت قد فعلت لكنت أعنتها على استعادة زوجها واحتفظت في نفس الوقت بزوجي وأولادي !
إنني والحمد لله رفضت الغدر بشقيقة زوجي بالرغم مما فعلته بي وانتصرت على انكسار النفس وصدمات الحياة بقوة إيماني ويقيني بالله سبحانه وتعالي ومازلت أواصل مشوار الحياة لرعاية أولادي واثقة في عدالة السماء ومشيئة الله .. هكذا انتصرت إحسان على نفسها وجاهدت الجهاد الأكبر الذي أوصانا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ها هي قد تصالحت مع نفسها وظروفها فتمتعت بالسلام النفسي بأن تقبلت أقدارها ورضيت بكل ما حملته لها أمواج الحياة .
تلك هي الحياة يوم حلو ويوم مُر وليست نزهة خلوية في بحر هادئ الأمواج ، وإنما هي دائماً أفراح وأتراح ونجاحات وإخفاقات وانتصارات وانكسارات ، وأنه كما يحق لنا أن نسعد بأوقات الانتصار فإن من واجبنا كذلك أن نتقبل هزائمنا وانكساراتنا !
أكثر ما أعجبني في إيمان وكفاح إحسان هو وعيها السليم بالنعمة الكبرى في حياتها وهي أولادها ورضاها الدائم عن المقدر والمكتوب ، هكذا قال إمام المتقين على بن أبي طالب كرم الله وجهه معزياً رجلاً حزيناً في أمر شق عليه احتماله : ( منَ رضي بقضاء الله جرى عليه القضاء وكان له أجر ، ومنَ لم يرض به جرى عليه القضاء وحبط عمله ) .
أما ما فعلته شقيقة زوجها وأسرته بها فتفسيرنا له أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله ، ولقد كان الإمام جعفر الصادق يقول : ( وأفوّض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ) .. وقال عز وجل في كتابه الكريم ( فوقاه الله سيئات ما مكروا) ولنتذكر دائماً وأبداً قول المولى سبحانه وتعالى ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا ) والحمد لله على نعمه التي لا تُعد ولا تُحصى .
قصه واقعيه “الوصيه “
ليست مجرد قصة !
وصية الأعزاء الراحلين ينبغي ألا تتعلق بمعصية ، وقطع الرحم معصية مؤكدة حتى ولو كانت رحم من عقنا وبادرنا بالقطيعة من قبل .. يقول الله عز وجل في كتابه الكريم : ( ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم ) 224/ البقرة ـ وقد قال المفسرون أن الآية السابقة نزلت في عبد الله بن رواحة حين أقسم ألا يكلم زوج أخته وألا يصلح بينهما ، فنزلت الآية بما هو خير وأقوم للحياة الإنسانية والعلاقات العائلية ..والقسم بالله أعلى شأناً من الوصية الشفوية ، فإذا كنا قد أُمرنا بألا نجعل الله عرضة لأيماننا ألا نصنع الخير ، فإن من الأولي أن نكفر عن يميننا ونصنع من الخير ما كنا قد حلفنا ألا نصنعه .
إسماعيل فتي تعرض لمحنة قاسية صنعها بيديه عندما أصرّ على الزواج من لواحظ رغم اعتراض أبه وأسرته على تلك الزيجة وتحذيرهم له من أنها امرأة سيئة السمعة ذات جمال متوحش مبهر ! لكن الفتى إسماعيل قرر الزواج منها رغم كل شيء واستقر في مدينة الإسكندرية وهجر قريته الصغيرة في أعماق الصعيد وقاطعه كل أهله ! يومها حدثت صدمة هائلة لأبيه بسبب عصيان ابنه البكر له .. بدأ إسماعيل حياته الزوجية منقطع الجذور العائلية من كل أسرته وأهله ، بل وكل معارفه وأصدقاء طفولته ، واستغرق تماماً في حياته الجديدة ووظيفته المرموقة التي كان يشغلها ، تمر الأيام ويكتشف إسماعيل أن كل ما حذره منه أبيه وأمه قبل الزواج قد تحقق وأن توقعاتهما كانت في محلها وتحققت بالحرف الواحد !.. وكأن عيناه وبصيرته كانت عمياء عن كل عيوب لواحظ !
ساعتها قرر إسماعيل طلاقها بعد فضائح كثيرة وبعد أن أنجب منها طفلتين بريئتين !
مرت الأيام وحاول إسماعيل الزواج مرة ثانية لكنه لم يوفق أبداً في الارتباط بأي إنسانة ومعه طفلتاه الصغيرتان ، وعادت طليقته لواحظ تحاول من جديد نصب شباكها حوله وتواصل الاتصال به وبطفلتيها تبدي الندم على أخطائها ! ساعتها وجد إسماعيل نفسه تضعف أمام مغرياتها وتزوجها ثانية ، وما أن دخلت لواحظ حياته مرة أخرى وتملكت منه حتى رجعت إلى سيرتها الأولى ، فطلقها طلقة بائنة لا رجعة فيها واحتفظ ببناته معه .. نظر الرجل حوله فوجد أنه قد مضت 15 سنة منذ قطيعته لأهله وأنه لم يبذل أي محاولة للاعتذار أو الندم خلال تلك السنوات الطويلة … تساءل بينه وبين نفسه : كيف يكون حال أبي الآن ؟!!…
ماذا فعلت بحياتي وماذا جنيته منذ عققت أبواي وقطعت رحمي ؟!! ها هي المرأة التي عققتهما من أجلها قد حوّلت حياتي إلى جحيم وفضائح !! والسعادة التي تخيلت أنني سوف أنهل منها رحيق العسل طوال العمر لم تمض شهور بعد الزواج حتى تبددت وحل الفتور محل سراب الحب الملتهب الذي أعماني عن كل شيء ! ترى كيف يكون حال أبي الآن ، وماذا عساه يفعل معي إذا وجدني أمامه فجأة محني الرأس نادماً ، منكباً علي يده أقبلها وأرجوه أن يصفح عني ويمنحني بركته وغفرانه لكي أستطيع مواصلة الحياة ؟
اشتعل رأس إسماعيل بالأفكار المتضاربة وقرر الذهاب إلى أبيه للاعتذار له ، وذهب إلى قريته وهناك فوجئ أن أباه قد رحل عن الحياة منذ عامين .. رحل وهو غاضب عليه وأوصى من حوله بألا يسمحوا له بوداعه في فراش الموت ولا بالسير في جنازته حين يحمّ القضاء !
كانت الصدمة هائلة على الرجل .. لقد زلزلت كيانه ، وحاول كثيراً مع أمه كي تصفح عنه فوجدها أصلب من الحجر وتأبى إلا تنفذ وصية أبيه ، بل واتهمته بأنه السبب في موت أبيه وخراب البيت ! تلك صورة للعاطفة الوجدانية البائسة التي تغلبت على لغة العقل والحوار الهادئ بين إسماعيل وأمه وسابقاً بين إسماعيل وأبيه ، هو حقيقة نادم على ما فعل وأدرك متأخراً أنه كان يجب ألا يفرط في صلة رحمه بتلك السهولة حتى لو أراد الزواج من إحدى الحور العين ، فليس في الدنيا كلها ما يستحق أن يقطع الإنسان رحمه وما بينه وبين والديه وإخوته وأهله ! لقد استسلم الرجل كلياً لرغباته وأهوائه ودفع الثمن غالياً من حياته وسعادته ، وتغافل عن إننا لا نحيا وحدنا في الحياة وأنه يمكنه هكذا ببساطة الاستغناء عن أهله وأصدقائه من أجل امرأة سيئة السمعة ، فالله وحده جل في علاه هو الغني المستغني بنفسه ولا يحتاج لأحد ، أما نحن البشر الضعفاء فنحتاج إلى الأهل ودفء العلاقات العائلية والإنسانية ومن واجبنا أن نصل أرحامنا حتى ولو قطعها البعض منا .
وصاحبنا إسماعيل قطع صلته بأهله 15 عاماً وهي فترة طويلة جداً تصيب القلوب بالصدأ والجفاء ، وقد قالوا قديماً في الأمثال : البعيد عن العين بعيد عن القلب ، وإسماعيل كان بعيداً عن قلب أبيه وأمه وطبيعي أن يزداد الجفاء وتكون المشاعر باردة ، لقد علمنا فقهاؤنا الأعزاء أن المعصية لو كانت بين العبد وربه فإن شروط التوبة منها ثلاثة هي أن يقلع المرء أولاً عنها ويندم عليها وألا يرجع إليها أبداً ، فإذا كانت تتعلق بحق إنسان آخر أضيف إليها شرط رابع هو أن يبرأ من حق صاحبها ، أي يعيد إليه حقه إذا كان له حق لديه أو يعتذر له عما أساء إليه أو يستسمحه فيما أخطأ به في حقه حتى يصفح ويعفو ، وصاحبنا إسماعيل لم يفعل شيئاً من ذلك وما زالت نظرته للأمور أنانية ، فهو قد فكر باللجوء لأمه لحاجته ‘ليها كي ترى أولاده ، أي أن ندمه لم يكن صادقاً ، لذلك فقد صدته أمه في غلظة وجفاء شديد قائلة له أن تلك وصية أبيه ، ولها كل العذر في ذلك ، فهي لم تر منه أي بادرة على حسن النية والندم الحقيقي على ما فعل ، لكن ورغم كل شيء فإن قلب الأم لا يعرف الكراهية لأحد أولادها على طول الخط ، هي فقط غاضبة مما حدث ومع الأيام سوف تصفو النفوس بعد أن يثبت إسماعيل للجميع صدق نواياه وصفاء توبته .
قصه واقعيه “قصه السنيه اغرب الهوايات”
قصة إسماعيل: الوصية
قصة سنية: أغرب الهوايات
ليست مجرد قصة !
كثيراً ما سمعنا عن هوايات عجيبة لبعض الناس ، لكن أغرب ما قابلته في حياتي هو صاحبي عبد الحميد الذي أدمن هواية واحدة عجيبة هي أن يحمل زوجته سنية بين ذراعيه ويمشي بها داخل الشقة ! إنه لا يشعر برجولته إلا بعد مزاولة هوايته العجيبة تلك !ولنبدأ الحكاية من البداية ، تقول سنية : تزوجت عبد الحميد منذ 15 عاماً عقب تخرجي من الجامعة مباشرة ، وكان وقتها شاب وسيم ممشوق القوام يشغل وظيفة مرموقة ، إلا أنه عقب زواجه مني تكشف لي أمر غريب جدا فيه ، هو أن زوجي العزيز يحب أن يحملني بين ذراعيه ويتجول بي في الشقة لفترات طويلة ، وفي أثناء ذلك يغيّر من أوضاعي كما لو كنت طفلة صغيرة ويغضب إذا ما طلبت منه إنزالي فاضطر للسكوت حتى لا أغضبه !
وإذا ناقشته فيما يفعل أجابني بأنني جزء منه وأنه لا يشعر إنه على بعضه إلا وهو يحملني ! مرت أيامنا على هذا المنوال ورزقنا المولى بولدين ، الأول أحمد الذي قارب الخامسة عشرة من عمره والثاني محمد الذي يصغره بعام واحد ، وظننت أنه بعد أن أنجبنا أن زوجي عبد الحميد سوف يكف عن هذه العادة الغريبة التي أدمنها ، لكنه لم يفعل حتى بعد أن كبر أبنائنا .. كل ما طرأ من تغيير هو أن زوجي بدأ يمارس هوايته في فترة عدم وجود الأولاد بالبيت أو في أوقات يظن فيها أنهم نائمين !
ذات يوم قارص البرودة وحسب عادتي في مثل هذه الأيام أخذت حماماً ساخناً وعقب خروجي من البانيو ارتديت ملابسي ثم فتحت الباب وطلبت من أولادي أن يأتون بالشبشب الذي تركته خارج الباب حتى لا يبتل ، فأخذوا يبحثون عنه لفترة حتى ضقت ذرعاً بهم وانتهرتهم على عبثهم ، ولما لم يجدوه سمعت ابني الأكبر أحمد يقول لأخيه سوف أحل لكم هذه المشكلة ، ثم ما لبث أن اقترب من الكرسي الذي كنت أقف عليه وذهلت عندما وجدت نفسي على كتفه وقد استدار بسرعة وخرج من الحمام واتجه نحو غرفة نومي وهو يحملني إلى أن أدرك السرير فتركني لأجد نفسي جالسة عليه !!
ساعتها أصابني الذهول مما حدث ، لكني تمالكت نفسي وذكرت تلك الواقعة لزوجي عبد الحميد عند عودته للمنزل فلم يبد أي اهتمام وقال لي أن أولادنا ما يزالون أطفالاً ولو أنهم بلغوا سن الشباب لكان له تصرف آخر، وأنه من الأفضل أن أحسم الأمر معهم دون تدخل مني ! مرت الأيام وظننت أن ما حدث هو مجرد حادث عابر لن يتكرر ، ولكنه تكرر مع ولدي الثاني محمد ودون سابق إنذار أو مبرر عندما كنت ذات يوم أؤدي أعمال المطبخ واقترب محمد مني فاعتقدت إنه في حاجة إلى حناني ، فضممته إلى صدري ثم أخذت في استكمال ما بدأت من أعمال ، وإذا بابني محمد يثني ركبتيه ويحيطني بذراعيه ويصل يديه ببعضهما ويحكم قبضته علىّ ثم يرفعني في لحظة ولم أتمكن من النزول إلا بعد ن اجتاز بي طرقة طويلة ويصل إلي الصالة حتى كدت أن انفجر !
تمالكت أعصابي وحاولت أن أفهم سبب هذا التصرف العجيب ، فأجاب ابني الأكبر أحمد أنه يشعر إنه رجل حين يحملني ، أما محمد فقد عبّر عن سعادته فقط بأنه استطاع حملي ، فطلبت منهما عدم تكرار ذلك ، لكنهما طلبا مني أن اسمح لهما بحملي مرة واحدة كل يوم ، واعترتني دهشة كبيرة فوزني يزيد على السبعين كيلو جراماً وأنا أطول منهما بكثير ! ولا أعرف كيف أتصرف معهما ولا مع زوجي عبد الحميد ؟!
عندما انتهت سنية من قصتها العجيبة ، لاحظت على وجهها الحزن الشديد والاكتئاب ، فهونت عليها الأمر وأقنعتها أن لله في خلقه شئون ، وتفسيري لإصرار زوجها عبد الحميد على أن يحملها لفترات طويلة يومياً هو أن لديه رغبة في الاستحواذ والامتلاك ، أو رغبة دفينة في ممارسة عاطفة الأمومة والطفولة خاصة أن ذريته من الذكور ، ولا بأس في الأمر كله ما يحدث في حدوده الآمنة ، وما دام يسهم في تحقيق الوفاق الزوجي بين الزوجين ، أما عن تصرفات أولادهما ، فواضح أنه تقليد لأبيهما ورغبة في ممارسة تصرف من تصرفات الكبار كما شاهداه بعيونهما ! إنها حقاً حكاية عجيبة ، غريبة والذي يعيش كثيراً يرى أكثر !!
قصة عبد الصبور: طنين الصمت !
الإبتلاء نعمة من الله عزوجل،وليس نقمة كما يعتقد الجاهلون ،والكثير مـــن عباد الله المُخلَصين كان إبتلاؤهم سبب سعادتهم الدنيوية والأخروية ! ولكن ما شعورك بعد أن كنت تنعم بنعمة السمع والكلام والبصر وغيرها مــن الحواس ،وفجأة يسلبك ربك بفقد نعمة واحدة من كل نعمه العديدة التى لا تــُعد ولا تـُحصى ،تخـّيل معى إنك فجأة فقدت نعمة السمع ومعــها نعمـــــــــة الكلام بالطبع! ما هو شعورك وقد أصبحت تعيش فى عالم مجـــــــــهول من الصمت المطبق ؟! ما هو إحساسك وأنت ترى الآخرين يتحدثون إليك وأنت كالــــطير الأخرس لا تستطيع التجاوب معهم ؟!! هذا ما حدث لصاحبى عبد الصبور الذى نشأ فى أسرة بسيطة تتكون من أب موظف صغير لايملك من حطام الدنيا شيئاً ،وأم مسكينة لاحول لها ولا قوة.
كان عبدالصبور هو أول أولادهم ،فتركزت فيه الآمال كى يحقق لنفسه شيئاً ذات قيمة ، ولنترك عبدالصبور يحدثنا عن مأساته :
كنت متفوقاً فى دراستى وحصلت على مجموع كبير فى الثانوية العـــــامة ، لكنه غير كافٍ لإلتحاقى بكلية الطب البشرى ،فإلتحقت بكلية الطب البيطرى على أمل واحد هو أن أستطيع بعد التخرج فيها الدراسة بإحدى كليات الطب البشرى بعد ذلك ، لكن دائماً تأتى الرياح بما لاتشتهى السفن كما يقــولون، فقد بدأت خلال العام الدراسى الثانى من دراستى الجامعية أشــــــعر بطنين خفيف ومتصل فى أذنى ،وحاولت مراراً علاجه بالأسبرين والمسكنات دون فائدة ،ومن حين لآخر كان الطنين يشتد فى أذنى ويستمر بالساعات ،وبــعد أن كان الطنين يزورنى كل بضع ساعات بدأ يلازمنى طوال اليوم ،إنه عذاب رهيب يا أخى ! وبدأت أفقد السمع تدريجياً وأشعر بثقل غامض فى رأســــى ،ثم فقد قدرتى على تدوين المحاضـرات والدروس العـــملية ووقـــــف زملاء الدراسة بجانبى يدونون لى المحاضرات ،وبفضل مساعدتـهم لــى إستطعت بعون الله النجاح فى عامى الجامعى الثانى بل وحصلت على أعــلى التقديرات …
ولكن لم أشعر بطعم النجاح كما شعرت أسرتى الصغيرة فلـــــــقد فقدت السمع نهائياً مع ظهور النتيجة وحّل الصمت القاتل الثقيل محل الطنين الدائم واستمر إحساسى بالصداع والثقل فى رأسى وساءت حالتى أكثر مـــن ذلك فتأثر إتزان حركتى ولم أعد قادراًًعلى المشى بطريــــقة طبـــــــيعية ،بل وضعفت ذراعاى وأصابع يدى فعجزت عن الإمساك بالقلم ودخلت دوامـــــة العلاج بقسم السمعيات بطب عين شمس ،وبعــــد فحص إجراء للمـــــخ بالكمبيوتر تبين وجود ورمين فى مركز السمع بالمخ ونصحنى الأطـــــــــباء بضرورة السفر إلى لندن لإجراء جراحة عاجلة بالمخ ،وتم ذلك بالفعل بعـــد أن فعل أبى المستحيل وحصل على قرار بسفرى للعلاج على نفقة الدولـــــة وأجريت الجراحة فى لندن بنجاح ولكنى عدت إلى وطنى حطام إنسان يعانى من عدم إتزان فى الحركة وشلل عضلات الوجه وضعف الذراعين واليدين ..
وبدأت معى أمى الحنونة رحلة العلاج الطبيعى وثابرت عليه لمدة عام كامــل وقد أثـّر فى نفسيتى كثيراً صبر أبى وأمى فى رحلة علاجى ،لذلك قـــــــررت قبول التحدى مع نفسى وعدت مرة ثانية لإستكمال دراستى بكلية الطـــب البيطرى ،ووقف بجانبى أساتذة الكلية وزملائى الطلاّب وكانوا يتعامــــلون معى بالكتابة والإشارة وينقلون لى المحاضرات ويشرحون لى ما لا أفـــهمه
وفعلوا معى المستحيل حتى إجتزت فترة الدراسة بنجاح بحمد الله وحصـــلت على البكالوريوس بتقديرات عالية ،ثم عملت فى أحد المراكــــز المتخصصة كباحث فى العلوم البيطرية ،وعملت أيضاً أميناً للمكتبة بذات المركز وكــوّنت صداقات كثيرة مع العاملين بالمركز وزوّار المكتبة ، وبدأت رحمــــة ربـــــى تتجلى فى هدايا السماء وجوائز الصابرين والراضين بأقدارهم فوفقنــــى الله سبحانه وتعالى إلى زوجة هادئة ومطيعة تستهدى بقيم الدين علماً وسلوكــاً وخلقاً ،تفهّمت وضعى من البداية فكانت خير عون لى على ظــروف حياتى ..
وبفضلها وفقنى الله فى الحصول على الماجستير ،وزادنى من نعمه وفضلــه بالحصول على فرصة عمل رائعة كأخصائى للتحاليل الطبية فى مستشــــــفى خاص لمدة خمس سنوات كاملة ،وكانت أعظم هدايا السماء أن رزقنـــى المولى عز وجل إبناً جميلاً نسخة مكررة منى فى الشكل والهيئة فذكـــــــرنى بطفولتى ،كما حصلت أيضاً بفضــــل الله وتوفيقه وبفضــــــل إصــــرارى على تحقيق الحلم القديم على درجة الدكتوراه فى تخصصى ودرجة مــدرس باحث بالمعهد الذى أعمل به ،بل وأنشأت مركز طبىخيرى صغير لخدمــــــة البسطاء من الناس ، والآن يا صديقى مرت علىّ عشر سنوات كاملة وأنا فى محنتى (الرائعة) التى كانت السبب المباشر لكل ما أنا فيه اليوم !
وبعد أن قال صاحبى عبدالصبور كل ما عنده قلت له أبشر بجزاء الصــابرين وجوائز السماء التى تمنحهم إياها جزاء صبرهم وإيمــــانهم ويقينهم فى الله جل فى علاه ، فكفاحك يا صديقى وإنتصارك على إعاقتك بمثابة أنشـــــــودة خالدة لبهجة الحياة والأمل فى رحمة الله والرضا بكل ما تحمله لنا المقـــادير ودعوة مخلصة لأن يكتشف كل منّا نفسه ويكتشف الأشياء الجميــــــــلة التى يستطيع أن يحققها لنفسه وحياته إذا إستمسك بالأمل والثقة فى النفس وفــى عدالة ما يسعى إليه من أهداف نبيلة ،وتلك الأهداف ذاتها يمكن تلخيصها فى كلمات قليلة هى السعادة فى الحياة الخاصة والتوفيق فى الحياة العملية .
الحكمة البليغة فى قصتك ياعبدالصبور هى إنك قهرت اليأس فى نفســك ولم تستسلم للعجز ،بل قمت كالطود الشامخ لا يؤثر فى معنوياتك كل المعــــــاناة التى عايشتها وتألمت منها ،وكانت السماء سخية وكريمة معك فعوضك ربك بزوجة صالحة وإبن بار بك يذكّرك بطفولتك البريئة ، وأيضاً حبك لفعل الخير للمساكين والبسطاء من الناس يبرهن لنا على أن النفوس المعاقة فإنمــــــــا إعاقتها تكون جسدية فقط لا تتعدى الإحساس والشعور ،وهذا أيضاً يثــــــبت خطأ القول الشائع( كل ذى عاهة جبار !) بل قد تكون إعاقته سبباً ودافـــــــع قوى لنجاحه فى مدرسة الحياة ،ويكون هو نفسه سبّاقاً دائماً لفعل الخير ولو فى غير موضعه !
قصه واقعيه “سيف الحياه”
( ليست مجرد قصة! )
(الحياء شعبة من شعب الإيمان ) هكذا قال رسولنا الكريم صــلى الله عليه وسلم ،فأنت قد تستحى أن تطالب بحقك الأكيد من أقرب النـــــــــــاس إليك ،وإستحياؤك هذا ليس عن ضعف وإنما هو مراعاة لصلة الــــدم بينكمـــــا وهل هناك صلة أقوى من صلة الدم ؟!
ذلك هو سيف الحياء الذى يشعر به الكثيرون منا ويتألمون فــــى قـــــرارة نفوسهم بحيائهم فى طلب الحق ،ولكنهم فى نفس الوقت يتلذذون بهــــــــذا السيف ويكون كالبلسم على رقابهم ما داموا لن يخسروا ذوى قربـــــــــاهم ،ويكون ذلك الحياء بمثابة القربان لإستمرار صلة الرحم !
هذا ما عايشته فى قصة صاحبى عبدالرحيم الذى نشأ فى أسرة كريمـــــــــة ،وكان أبوه ثرياً يدير أعمالاً وأصولاً كبيرة ،ولم ينجب غير ولـــــــــد وحيد وأخوات بنات ، ذات يوم نصحه المحاسب الذى يتعامل معــــــه بأن ينشىء شركة صورية بين ولده الوحيد عبدالرحيم وكبرى بناته ،على أن يكــــــون معروفاً للجميع أن الشركة صورية وأن الهدف منها تقسيم الأربــــــاح على عدد من الشركاء فتنخفض بالتالى قيمة الضرائب المستحقة عليها .
يقول عبدالرحيم : فجأة انتقل والدى إلى رحمة الله ،وكنت صغير الســــــــن فقمت بإدارة أعمال أبى بوصفى ابنه الذكر الوحيد ،وأقمن شقيقاتى ضـــدى دعوى بعدم أهليتى لإدارة التركة لصغر سنى وقلة خبرتى ،وانتهى الأمـــــر بتعيين حارس قضائى على التركة والثروة ،وحين بلغت الســــــن القانونية أقمت دعوى لرفع الحراسة وباشرت إدارة أموال الأسرة ولكن بعد أن كانت نفسى قد شابتها بعض الشوائب والمرارات تجاه شقيقاتى ،ورحت أديـــــــر العمل وأتعلل بمختلف الأسباب لعدم توزيع التركة عليهن ولا أعطيهن أيضاً من حقوقهن من الإيراد إلا قليلاً وهن لا حيلة لهن معى ولا سبيل أمامــــهن إلا التسليم لى راضيات أو ساخطات ،وحدث بعد ســـنوات أن توفيت والدتى وتركت ميراثاً آخر فرحت أتباطأ أيضاً فى توزيعه عليهن ! ومضت السنون تجر السنون وأنا على هذه الحالة وقد تزوجــــــت وأنجبت البنين والبنات وأعيش أنا وزوجتى وأولادى فــــــــى رغد من العيش بينما شقيقاتى يعشن على الكفاف وشظف العيش ! إلى أن كنت ذات يوم وأنا فى كامل صحتى وعافيتى وحيويتى وإقبالى على الحياة فإذا بى أشعر فجأة بألم كأنه طعنة سكين حادة فى صدرى من الناحية اليسرى وفى ذراعى وفى كتفى ، وكانت محنة أ ُصِبتُ فيها بجــــــــلطة فى القلب وعشت فترة عصيبة بين الحياة والموت ،فبدأت يــــا صاحبى استيقظ لأول مرة من غفوتى بل غفلتى واتنبّه إلى ما أنا فيه من حـــــــال أخشى أن أواجه بها رب العرش العظيم !
وقررت بينى وبين نفسى أن أرد المظالم إلى أصحابها وأعطى كــل ذى حق حقه لأنى لا أريد أن أخسر دنياى وآخرتى ولا أريــــــد أيضاً أن أفقد أواصر القربى بين ذوى الرحم ، وقمت بتنفيذ ما نويت عليه بعـــد أدائى العمرة إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر أشرف الخـلق صلى الله عليه وسلم الذى انسكبت عنده دموع الندم على ظلمى لشقيقاتى ! وبعد عودتى مباشرة اجتمعت مع شقيقاتى وأعطيتهم حقوقهن كاملة وهــن غير مُصدقات ما يجرى أمامهن !! تلك كانت قصة صاحبى عبدالرحيم وقد شكرته كثيراً على قراره الحـــــــكيم وقلت له خيراً فعلت يا أخى لأن ما سُلب أو أ ُخذ بسيف الحياء لا يــدوم ولا تظهر بركته ، وأنت بفعلتك هذه قد طهـــّرت أموالك من شبهة الحرام وإغتصاب حقوق أقرب الناس إليك ، وشقيقاتك فى الواقع غلبهن حيـــائهن منك فى المطالبة بحقوقهن كاملة وفى نفس الوقت كانت قلوبهن تدمــــــــى وتدعى عليك بغير أن تنطق ،فالتعبير الواقعى الظاهر لظلمك لهـــــــــن كان واضحاً ، وحتى لا يخسروك وتنمو بذور الخِــــــــلاف والضغينة بينكم آثرن السكوت القهرى على ظلمك لهن ، وتأكد يا صاحبى أن المولى راض ٍ عنك لإنتباهك من غفلتك قبل فوات الأوان يوم لا ينفع الندم ، ولله دُر القائل : من يرحم الخلق فالرحمن يرحمه ويـــرفع عنه الضــــر والبـــاســا ففى صحيح البخارى ورد مفصّلاً لا يرحم الله من لا يرحم النــاسـا !!
قصه الفردوس “شهامة البخيل”
(ليست مجرد قصة!)
آفة البخل آفة خطيرة ومـــــــــــــرض عضال نعوذ بالله أن يبتلينا بالبخلاء وأشباههم ،فالبخيل فى أقصى درجات شهامته يكون مثل فاقد الشىء الذى لا يعطيه أبداً ،وفى مقابل البخل نجد السخاء ، والسخاء بمــــعنى أن تعطى الآخرين بدون عمل عمليات حسابية كبرى وصغرى للمكسب والخسارة ! أى أن يكون العطاء خالصاً لوجه الله فالمال مـــــــــــــال الله ،وصدق الإمام الشافعى رحمه الله حينما قال أن السخاء غطاء لكل عيب ،ولكــــــــنه غطاء مكلف لدى البخلاء ،فالبخيل حين يعطى مـــــــــن ماله فكأنما يعطى من نور بصره!
فماذا تفعل الزوجة عندما تجد زوجها المليونير بخيلاً ؟! عندئذ ستكـــــــون حياتها معه صعبة وعسيرة جداً بلا شك ،فالمرأة تكره الرجل البــــــــــــخيل كراهيتها للعمى ومعها حق فى ذلك فإن البخيل يحرمها متع الحياة ويخجلها هى وأولادها أمام الناس ويشعرها أن المـــــــــــــال القليل أغلى منها بكثير ،والطامة الكبرى أن البخيل بماله بخيل بعواطفه أيضاً لأنه يخشى أن يقول لأمرأته كلمة حلوة فتطمع منه فى مال !!
وهذا ما حدث مع بطلة قصتنا السيدة المسكينة فردوس التى كــــــــــان من نصيبها أن تتزوج من رجل بخيل ،ولنترك فردوس تقص علينا قصتها مــن البداية : حين كنت طالبة جامعية لفتت زميلاتى بالكلية نظرى إلــــــى طالب هادىء ووسيم لاحظوا جميعاً أنه يتابعنى دائماً بنظراته ويحبنــى فى صمت ،فبدأت أشعر بوجوده لأول مرة مع أنه لم يحاول أبداص التعرف علــىّ أو الإقتراب منى كما يفعل بقية الزملاء ،ولاحظت أيضاً أنه يبدو دائماً حزيناً ومهمــوماً وشيئاً فشيئاً بدأت أفكر فيه وأنشغلت بــــــه،وترقبت اللحظة المناسبة التى سيفتعل فيها أى سبب للحديث معى ،فلم تأت هذه اللحظة أبداً !
وفهمت بينى وبين نفسى أنه يرانى أمل بعيد المنال بالنسبة له وذلك بسبب جمالى الذى يغرى بى من هم أفضل منه وأيضاً لثراء أبى .
ومرت الأيام وانقطع فؤاد عن حضور الكلية لمدة أسبوع كدت أفقد خــــلاله صوابى ،ثم رجع للدراسة مرة ثانية وفوجئت بــــــــــه هزيلاً كالشبح حزيناً ووجدتنى حين رأيته أسأله بلهفة كأنى أعرفه من زمن طويل عمــــــا شغله عند دراسته خلال الاسبوع الماضى ،فنظر إلى فؤاد ذاهلاً ثم تمتم قائلاً : إن والدته قد رحلت عن الحياة ،وإنه لم يعد له فى الدنيا بعدها ســـــوى شقيقة واحدة متزوجة فى القاهرة ،وتطورت العلاقة الشـــريفة بيننا أثناء الدراسة ،وبعد التخرج طلبت من فؤاد التقدم إلى أبى لطلب يدى وجاء إلــــــــى بيتنا خائفاً متردداً واستقبله أبى بفتور كبير وأفهمه بوضوح أنـــه لايناسب ابنته وطالبه بعدم التفكير نهائياً فى هذا الموضوع ،وغادر فؤاد بيتنا كســــــــــير الخاطر جريح الكرامة !
أما من ناحيتى فقد أقمت النيا ولم أقعدها فى أسرتى من أجل فؤاد ،لكن أبى ـ سامحه الله ـ لم يتزحزح عن موقفه قيد أنملة ،وزاد على ذلك بأن أكّد لى أن عريساً جاهزاً ينتظرنى وتتوافر فيه كل المواصفات المطلوبة من الثراء الكبير والإمكانيات المغرية ،وعندما يأس فؤاد من إقناع أبى بالإرتباط بـــى ابتعد نهائياً عن حياتى واختفى كأن لم يكن !! ولم أجد مفراً من القبول بالعريس الجاهز الذى أخبرنى به أبى ،وتمـــــــــت إجراءات الزواج سريعاً من متولى ، ومضى عامى الأول ولــــــم أجد الجنة التى وعدنى بها أبى ولا الترف الذى أراده لى ،بل لاحظت منـــــذ البداية أن زوجى متولى بالرغم من ثرائه وإمتلاكه الاأراضى الزراعية والعقـــــــارات فإنه بخيل للغاية ولا ينفق قرشاً إلا لأسباب قهرية ،ووجدت نفســــى أعيش معه فى مستوى عادى بل أقل من العادى!
وشكوت لأبى من بخل زوجى متولى فكان يهّون علىّ الأمر ويقول لــــى أنه سيتغير بعد أن يصبح أباً ،ومرت الأيام وأنجبت طفلى الأول فـــــى مستشفى حكومى لأن زوجى استكثر تكاليف الولادة فى مستشفى خاص ،بل أنه بـــعد الولادة رفض أن يدفع تكاليف المتابعة الشهرية للمولود لدى طبيب أطفال! وازداد متولى بخلاً وتقتيراً وأصبحت الحياة معه لا تطاق!! وعندما رزقت بمولودى الثانى هددنى بأنه لن يعطينى مصـــــــروف للبيت تابع قصص شهامة البخيل ……. ولن يتحمل أى نفقات جديدة!!
وصارحت أبى بإستحالة الحياة مع ذلك الزوج البخيل ،وطلبت أن يساعدنى فى الطلاق منه ،وعندما علم متولى برغبتى بدأ يساومنى ويطالبنى بالتنازل عن حقوقى الشرعية ثمناً لطلاقى ،وتم الطلاق بالفعل وفقاً لشروط الـــزوج البخيل !!
وحدث أن تعرض أبى لأزمة طاحنة فى تجارته وأراد أن يستعين بقرض من أحد البنوك ،وقد نصح البعض أبى بالاقتراض مــــن فرع جديد لأحد البنوك مديره متعاون ويتفهم ظروف التجار ،وذهب أبى لمقابلته ،فإذا بذلك المـــدير هو نفسه فؤاد زميل الدراسة الذى رفضه أبى حينما كان فقيراً ،وقــــد أبدى فؤاد استعداده لمساعدة أبى وأنجز له كل أوراق القرض فى أقل مـــــن شهر ،وارتبك أبى كثيراً عندما اكتشف أن مدير البنك هو نفسه الشاب المـــــكافح المسكين الذى تقدم لطلب يد ابنته ورفضه بكل كبرياء وتعسف !!
وعرفت من أمى كل شىء وعرفت أيضاً أن أبى نادماً أشد الندم على إحراج فؤاد عندما تقدم لطلب يدى ،وعرفت كذلك أن فؤاد قد تزوج وتوفيت زوجته بعد أن رزقه المولى منها طفلين جميلين !
وطلبت منى أمى أن أفتعل أى شىء للذهاب إلى البنك ومقابلة فؤاد لـــــــــعل وعسى يرجع الود القديم ،ولكنى رفضت وقلت لأمى أن من حقى على أبى أن يصحّح الخطأ الذى وقع فيه وأساء لى فى إختيار زوج المستقبل ،بل وأطالب أبى بأن يذهب إلى فتاى القديم فؤاد ويعرضنى عليه دون خــجل فإذا رفضنى فلا لوم عليه وقد سبق لأبى أن رفضه ، ولكن ماحدث كان العكس تماماً فقــد صارحنى فؤاد بأن حبه لى ما زال كما هو ،وكانت ليلة سعيدة يوم حضر إلينا فؤاد وشاهد كل أفرؤاد الأسرة فتى القلب القديم وقد جـــــــــــــاء ليجدد طلبه بالإرتباط بى بعد 17عاماً من رفضه !! وبـــــــــعد أن أنجب طفلين وأنجبت طفلين ،وبعد ثلاثة شهور من هذه الزيارة تزوجنا فــــــــــــــى إحتفال عائلى صغير،والآن نحن نعيش معاً كأسرة يرفرف الحب عليها تضم 4 أبناء !! وتلك هى مشيئة الله تتجسد لنا واقعاً حياً فى قصة السيدة فردوس ،فبعـــض البشر قد تترفق بهم أقدراهم فتأذن لهم ببلوغ شاطىء السعادة بعد أن تكون سفينة الحياة قد جنحت بهم لفترة من الزمن ، وهذا هـــــــو جزاء الصابرين وتلك هى حوادث الدنيا نتعلم منها الكثير ولله الأمر من قبل ومن بعد .وللمزيد زوروا موقعنا “لحظات”