ابراهيم عليه السلام هو خليل الرحمن ومعنى الخله هى المحبه وفى قصته الكثير من المواقف وفى هذه القصه الكثير من المصاعب الذى واجهه ابراهيم عليه السلام ونذكر ايضا حياته مع السيده ساره والسيده هاجر ونقدم لكم تفسيرا لمسيرته .
قصه سيدنا ابراهيم
ولد إبراهيم وسط قومٍ كافرين؛ فمنهم من يعبد الأصنام والحجارة، ومنهم من يعبد الشمس والنجوم، ومنهم من يعبد الحكام والملوك. ليس هذا فحسب، بل كان أبو إبراهيم صانعًا للتماثيل التي يعبدها قومه، حيث كان ينحتها ويخرجها لهم ليعبدونها؛ وبذلك كانت أسرة إبراهيم تمتلك مكانة متميزة بين قومه.
كبر إبراهيم وسط تلك الأجواء المفعمة بعبادة آلهة غريبة، تتمثل في مجموعة حجارة لا تعقل، وأصبح إبراهيم مشغول البال يفكر كثيرًا، ويستعجب أشد العجب على قومه. كان يفكر كيف أن أبيه يصنع من الحجارة تمثالًا، ثم يقوم الناس بعبادة تلك التماثيل ويعتبرونها إلهة، رغم أنها مصنوعة من الحجارة لا تملك عقلًا ولا تتكلم، وليس بها أي روح أو حياة.
لابد أن الأمر ليس كذلك، الإله هو من يخلق الناس، وليست الناس هي من تصنع الإله، إذًا هذه الأصنام ليست آلهة إنها لا تنفع ولا تضر، أين الله يا تُرى ؟!! هكذا كان يفكر إبراهيم في خلواته مع نفسه.
رحله ابراهيم عن فى البحث عن الله
ذات ليلة كان إبراهيم جالسًا يتفكر ويتساءل من هو الله؟ وأين يوجد يا تُرى؟ وبينما هو على ذلك الحال إذ رأى كوكبًا يلمع في السماء وسط ظلمات الليل، فصاح إبراهيم ها قد وجدت الله، هذا الكوكب اللامع لم يصنعه البشر، كما أنه لا يتحطم كتماثيل الحجارة. فرح إبراهيم لظنه أنه قد اهتدى للأمر الصواب، وأخذ يصلى لذلك الكوكب طوال الليلة، وأخبر قومه أنه وجد الله، وأنه الكوكب اللامع في السماء، ولكن في الصباح الباكر نظر إبراهيم إلى السماء فلم يجد الكوكب!!
أدرك إبراهيم أن الكوكب ليس إله فهو يغيب أما الإله لا يغيب أبدًا، “فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ” لم ييأس إبراهيم واستمر في رحلة بحثه عن الله، وذات ليلة لمح إبراهيم القمر مكتملًا ينير السماء، قال هذا ربي كيف لم أدركه من قبل؟! ولكن للأسف خاب أمل إبراهيم عندما استيقظ ووجد القمر غائبًا لا يظهر في السماء، حزن إبراهيم أشد الحزن وقال ” لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ “.
وذات يوم جلس إبراهيم تحت ضوء الشمس، فنظر إليها ورآها كبيرة تنير الكون بأكمله، وتشبه الكرة الضخمة الملتهبة، فصاح إبراهيم ها قد وجدت الله، فهذه الشمس هي إله الكون. ولكن لم تطل آماله كثيرًا؛ فبعد ساعات مالت الشمس إلى الغروب؛ فأدرك إبراهيم أنها ليست إله الكون كما كان يظن.
أخيرًا أدرك إبراهيم أن الكواكب والقمر والشمس ليسوا إلهة، وأن الله موجود ولكنه لا يستطيع رؤيته، هو الله خالق الكون بأكمله، بما فيه الشمس والقمر والنجوم والكواكب. آمن إبراهيم بالله سبحانه وتعالى، وأسلم وجهه له ولم يكن من المشركين، وأصر أن يذهب لأبيه ويتحدث معه، فلما ذهب إليه وجد أبيه يتعبد للأصنام التي صنعها، فانتظره إبراهيم حتى انتهى ثم بدأ حديثه مع أبيه.
مواجهة إبراهيم ونقاشه مع أبيه
ترك إبراهيم أبيه وتوجه إلى قومه ليدعوهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى وترك عبادة تلك الأصنام، وبدأ بالتحدث إلى الملك والذي كان يسمى النمرود ومن حوله يتواجد أتباعه وخدمه، أخبر إبراهيم النمرود أن التماثيل التي يعبدونها لا تضر ولا تنفع؛ فهي من صنع أيديهم، فكيف تكون آلهة؟ فلما أجابه النمرود أن ذلك ما وجدوا عليه آبائهم وأجدادهم القدماء، رد عليه إبراهيم أن تلك العادات التي ورثوها من آبائهم وأجدادهم ما هي إلا ضلال مبين.
غضب قوم إبراهيم وصاحوا به أنه يسخر منهم ومن آلهتهم ويلعب بهم، فرد عليهم إبراهيم قائلًا ” قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ”. قال إبراهيم لقومه أن الله هو من بيده إحياء الناس وإماتتهم، فقال النمرود أنه قادر على إحياء الناس وقتلهم؛ وأمر بالإتيان برجلين من المدينة، فلما حضرا أمامه أمر بقتل أحدهم وترك الآخر حيًا لم يمسسه ثم توجه إلى إبراهيم وقال أرأيت؟ لقد أمت واحدًا وأحييت واحدًا آخر.
ظن النمرود أنه عندما أمر رجاله أن يقتلوا شخصًا ويعفوا عن الآخر، فبذلك يكون أمات واحدًا وأحيي الآخر، ولم يدرك أن ذلك كان بمشيئة الله أولًا، ولولا أن الله شاء بذلك لم يكن ليحدث. حينها قال إبراهيم للنمرود إن الله هو القادر على إتيان الشمس من المشرق، وغروبها من المغرب، وتحدى إبراهيم النمرود إذا كان على حق، فليفعل هو ذلك، فبُهتت حجة النمرود، ولم يستطع الرد على إبراهيم.
ذكر الله سبحانه وتعالي قصة النمرود في قرآنه الكريم بقوله عز وجل “أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ”.
فلما صد النمرود وأتباعه رسالة الله إليه ولم يتبعوا إبراهيم وسخروا منه وأذوه أمر الله بإهلاكهم فأرسل عليهم الذباب والبعوض كجيوش انتشرت سريعًا حتى حجبت عنهم ضوء الشمس وبدأت تأكل في لحومهم وتصيبهم بالمرض. كما سلط الله ذبابة دخلت في أنف النمرود، فعذبته عذابًا شديدًا لفترة طويلة حتى مات؛ وبذلك يخبر الله أن النمرود غير قادر حتى على إنقاذ نفسه من ذبابة، فها هو النمرود الذي كان يدعي الإلوهية، وإحياء الموتى لم يستطع إنقاذ نفسه من الهلاك.
ابراهيم يحطم الاصنام
خطط إبراهيم أمرًا في نفسه وعزم على تنفيذه، حيث كان هناك احتفالًا يقام في مكان ما بالمدينة التي يعيش بها قوم إبراهيم. انتظر إبراهيم حتى تجمع قومه وذهبوا إلى الاحتفال، ثم توجه إلى المعابد التي توجد بها التماثيل والأصنام. نظر إبراهيم إلى التماثيل المصنوعة من الحجارة، ونظر إلى القربان والطعام الموضع أمامها، وبدأ في توجيه حديثه إليها وقال ساخرًا: ما لكم لا تأكلون!! وما لكم لا تنطقون!!
ثم حمل فأسه وأخذ يكسر تلك الأصنام وحولها إلى قطع أحجار صغيرة، ما عدا كبير الأصنام حيث تركه سليمًا، لعل ذلك يُرجع قومه إلى صوابهم، ويجعلهم يدركون أنهم في ضلال كبير بعبادتهم لتلك الأصنام التي لا حياة بها.
جاء قوم إبراهيم، ورأوا ما حدث لأصنامهم فأعمى الضلال والكفر قلوبهم؛ فلم يتساءلوا كيف أنها آلهة ولم تدافع عن نفسها؟! وكيف أن كبير تلك الآلهة لم يدافع عنهم وهو في نظرهم إله؟! غضب قوم إبراهيم أشد الغضب وأخذوا يتساءلون، من الذي تجرأ على آلهتهم؟ من الذي فعل بها هذا؟ حينها تذكروا ما كان إبراهيم يدعوهم إليه، فأدركوا أن ذلك من صنع إبراهيم؛ فطلبوا استدعائه فورًا.
سأل قوم إبراهيم، هل هو من فعل ذلك الفعل الشنيع لآلهتهم، فأجابهم إبراهيم، أن من فعل هو كبير الأصنام بدليل أنه ما زال سليمًا، وطلب من قومه أن يسألوا كبير الأصنام عما حدث إن كان قادرا على الكلام والنطق ” قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ “، رد عليه القوم قائلين، كيف نسأله وهو تمثال لا ينطق ولا يتكلم، حينئذ قال إبراهيم أرأيتم تلك التماثيل التي لا تنطق، أنتم تعبدونها فأين عقولكم! حينها تراجع قوم إبراهيم قليلاً وأدركوا ضلالهم وعنادهم. ولكن سرعان ما عاد كبريائهم فأمر القوم بإحراق إبراهيم ” قَالُواْ حَرّقُوهُ وَانصُرُوَاْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ “، فأمر حاكم المدينة بإلقاء القبض على إبراهيم، وإحضاره ليتم حرقه جزاءًا لما فعله بآلهتهم من دمار وتخريب.
محاولة القوم إحراق إبراهيم وقتله
دأ الاستعداد لحرق إبراهيم، وتجمع الناس من جميع البلاد المجاورة؛ لمشاهدة عقاب من تجرأ وتطاول على الآلهة وسخر منها، وبدأ قوم إبراهيم بحفر حفرة واسعة جدًا، ثم أخذوا يملئونها بالأخشاب والوقود؛ حتى تكون النار هائلة. ومن شدة حرارة النيران لم يستطيع القوم أن يقتربوا منها لإلقاء إبراهيم فيها فأحضروا آلة كبيرة جدا تسمى المنجنيق، ووضعوا إبراهيم فيها استعدادًا لإلقائه في حفرة النار، وحينها ظهر جبريل على إبراهيم وسأله إذا كان يطلب شيئًا فرد عليه إبراهيم بأنه لا يطلب شيئًا.
ألقي قوم إبراهيم به في النار وصاح الناس ساخرين به، فهو الذي كان يحذرهم من دخول النار بسبب كفرهم وضلالهم ها هو من يدخل النار بنفسه، ولكن جلالة وقدرة الله فوق كل شئ، فقد أمر الله النار أن تكون باردة على إبراهيم ” يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ”. حينها أًبحت أصبحت النار لطيفة على إبراهيم فهي تبدو من الخارج مشتعلة، وذات ألسنة لهب مخيفة، بينما هي في الداخل كالجنة، يسبح فيها إبراهيم ربه ويذكره ويحمده.
انتظر قوم إبراهيم طويلًا حتى تنطفئ النار، حتى ظنوا أنها لن تنطفئ بسبب طول المدة، وحينما انطفأت أخيرًا صُعق قوم إبراهيم من هول المفاجأة، عندما وجدوه يخرج سليمًا منها. حينها خاف قوم إبراهيم منه، وظنوا أنه شيطانًا لا تحرقه النار ولا تؤثر به وفروا بعيدًا عنه، ولكن الله ألحقهم بالعذاب والهلاك الشديد، فهلكوا إلا إبراهيم الذي نجاه الله من القوم الكافرين.
أصبحت نجاة إبراهيم من ألسنة النيران، وعدم إحراق جسده حتى بعد إلقائه بها حديث القوم في كل مكان، واستمر إبراهيم في الدعوة لعبادة الله في جميع الأنحاء ولم يصيبه اليأس، ولكن للأسف لم يستجب له أحدًا، فيما عدا رجل وامرأة. كانت المرأة تسمى سارة، وكان الرجل يُسمى لوطًا، هما اللذان آمنا بإبراهيم وبدعوته إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام والملوك، أما أبيه فلم يستجب له أبدًا بل تبرأ منه وطرده، وها نحن نرى مثالًا آخر لقصة نوح عليه السلام مع ابنه فلم يستطع نوح أن ينقذ ابنه من الكفر والضلال وحاول كثيرًا بدون فائدة حتى أهلك الله ابن نوح في الطوفان، كذلك الأمر مع والد إبراهيم الذي لم يستجب لدعوة ابنه له واستمر على كفره وعصيانه حتى أهلكه الله.
إبراهيم وزوجته سارة
قرر إبراهيم مغادرة بلده والهجرة إلى بلد أخرى، وكان قد تزوج من السيدة سارة فأخذها معه، وسافرا إلى فلسطين ورحل معهما لوط، ذلك الرجل الذي آمن معه من قومه. كان هناك حاكما لمصر في ذلك الوقت، وكان قد سمع عن السيدة سارة والتي اشتهرت بجمالها الشديد، فأمر بإحضارها مع الرجل الذي يصاحبها، ليسأله من يكون إبراهيم، فإذا كان زوجها فسوف يقتله.
عندما علم إبراهيم بذلك، اتفق أن يقول للملك أن السيدة سارة أخته حتى لا يقتله، وعندما عرفت السيدة سارة ما في نية ذلك الحاكم، دعت الله أن يحميها من السوء، فهي آمنت بالله ورسوله، وسألت الله عز وجل ألا يسلط عليها ذلك الحاكم الكافر. وبالفعل استجاب الله لدعائها، وعندما حاول الملك لمسها، أصيب بالشلل وأخذ يصيح، فخافت السيدة سارة من أن يقتلها خدامه وأعوانه، فدعت الله أن يتركه ويرفع عنه العقاب حتى تنجو منه.
لما رفع الله عن الملك البلاء، لم يتب من فعلته الشنيعة بل هجم عليها ثانيةً؛ فأصابه الشلل مرة أخرى، فطلب من السيدة سارة أن تدعو الله ليرفع عنه الشلل؛ فدعت الله أن يرفع عنه العقاب ليتركها وشأنها؛ فاستجاب الله لها.
وللمرة الثالثة عاد الحاكم الكافر للهجوم على السيدة سارة ومحاولة التعدي عليها؛ فنجاها الله تعالى منه بشل جميع أطرافه، فطلب منها الملك أن تفك قيوده، ووعدها أنها ستكون آخر مرة فدعت الله أن يرفع عنه الشلل فاستجاب الله لها. حينها تركها الملك، وقال لأتباعه إنما أتيتموني بشيطانه وليست إنسانة؛ خذوها بعيدًا عني فإني في غنى عنها، وقام بإعطائها خادمة تسمى هاجر والتي تزوجت فيما بعد بسيدنا إبراهيم.
إبراهيم يتزوج هاجر
كانت السيدة سارة عقيم لا تلد، وكان إبراهيم قد كبر في السن، وابيض شعره وأنفق العمر الطويل في الدعوة إلى الله عز وجل؛ ففكرت السيدة سارة في أن تزوج جاريتها هاجر من زوجها إبراهيم، حتى تنجب له ابنًا بدلًا من أن يعيشا وحيدين. لما عرضت سارة على إبراهيم تلك الفكرة قال لها إبراهيم أن الغيرة ستصيبها عندما يتزوج من هاجر، وخاصة إذا أنجبت ولدًا، ولكن السيدة سارة أصرت عليه، وأخبرته أنها ستفرح لذلك ولن تصيبها الغيره
تبشير إبراهيم وسارة بإسحاق
بالفعل تزوج إبراهيم من السيدة هاجر، وذات ليلة كان إبراهيم جالسًا أمام الخيمة التي يسكن فيها مع السيدة سارة، فإذا بثلاثة رجال شباب غرباء قادمين عليه من بعيد، فلما وصلوه له ألقوا عليه السلام؛ رد عليهم إبراهيم السلام وأكرمهم وأمر بذبح عجلًا لهم ليأكلوه فهم ضيوفه وواجب عليه إكرامهم.
حينما قدم لهم إبراهيم الطعام، لم يأكل الشبان أي شيئًا من الطعام المُقدم؛ فخاف إبراهيم منهم، وظن أنهم لصوصًا جاءوا لسرقة بيته أو قتله أو إيذاء زوجته، فسألهم عن حقيقتهم ولماذا جاءوا إليه؟ أجاب الضيوف أنهم ملائكة من السماء وقد أمرهم الله سبحانه وتعالى أن يبشروا إبراهيم بغلامٍ، فتعجب إبراهيم منهم، وظن أنهم يسخرون منه، فقال لهم كيف ذلك وقد أصبحت شيخًا كبيرًا في السن؟! قالوا له هذه إرادة الله عز وجل.
فلما سمعت السيدة سارة ذلك الكلام؛ ضحكت وتعجبت من ذلك الحديث، فتوجهوا لها بالكلام، أنها ستلد أيضا غلامًا اسمه إسحاق، صُعقت السيدة سارة وتعجبت قائلة يا ويلتي كيف ألد وأنا عاقر وزوجي رجلٌ كبير في السن، أيُعقل هذا الكلام؟!
أكد الملائكة على إبراهيم وزوجته سارة أن الله سيرزقهما بغلام، رغم العوائق التي يقابلونها وسيكون ذلك الغلام نبيًا ذات يوم، ثم قاموا من مجلسهم، فسألهم إبراهيم إلى أين يذهبون بعد ذلك فأخبروه أنهم ذاهبون إلى قوم لوط.
كان لوط ابن أخي إبراهيم وكان قومه كافرين، فقالت الملائكة لإبراهيم أنهم ذاهبون لإهلاك أولئك الكافرين، وإنقاذ المؤمنين الموحدين بالله تعالي، وسوف يكوم ذلك في الصباح فهو ليس ببعيد.
في ذلك الوقت كانت السيدة هاجر زوجة إبراهيم الثانية حاملًا، ثم وضعت طفلًا سماه إبراهيم إسماعيل؛ فحمله إبراهيم بيديه وأخذه إلى السيدة سارة ليريها الطفل فلما رأته شعرت بالغيرة الشديدة وطلبت من إبراهيم أن يرحل هو وزوجته هاجر بعيدًا عن بيتها؛ فهي لا تتحمل أن تنظر إلى هاجر الجارية، وهي زوجة لإبراهيم وأمًا لابنه.
هاجر وإسماعيل وماء زمزم
خذ إبراهيم زوجته هاجر وابنه الصغير إسماعيل وسار بهما في الصحراء، حتى وصل إلى وادي موجود في الجزيرة العربية ولكن ليس به ماء أو زرع؛ فهو يبدو كالصحراء الجرداء. بدأ إبراهيم بإنشاء الخيام لزوجته ثم ترك لزوجته وابنه قربة ماء وبعض الطعام. سألته هاجر هل سيتركهما في تلك الصحراء ويرحل؟ هل أمره الله بذلك؟ فأجابها إبراهيم نعم بالفعل ذلك أمر الله له، فاستجابت هاجر واثقة أن الله لن يضيعها هي وابنها إسماعيل.
تركهم إبراهيم ودعا ربه قائلًا ” رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ”
عاد إبراهيم إلى داره حيث تسكن زوجته سارة، وبالفعل كما بشرتهم الملائكة، فقد رزقت الله السيدة سارة بولدٍ أسماه إبراهيم إسحاق، وفرحت السيدة سارة بذلك فرحًا شديدًا فقد عوضها الله ورزقها بالذرية الصالحة التي كانت تتمناها.
مكثت هاجر مع ابنها إسماعيل الرضيع في الصحراء عدة أيام، وكان الجو شديد الحرارة، وقد نفذ الماء الذي تركه لهم إبراهيم لهما، كما جف لبن الأم وأصبح إسماعيل الرضيع عطشانًا جائعًا. أخذت هاجر تفكر فيما تفعله، فقررت الخروج في الصحراء للبحث عن مكان للماء لتشرب ولتسق صغيرها فقد كان الجو حارًا والشمس ملتهبة، ولكن لم يكن لدى السيدة هاجر بديلًا، أو حلاً سوى ذلك.
لم تستطع السيدة هاجر الرجوع إلى صغيرها، بدون ماء فأخذت تطوف وتبحث في الصحاري، حتى وصلت إلى الصفا والمروة، وهما جبلان كبيران بينهما وادي. بدأت السيدة هاجر بالصعود إلى جبل الصفا، وأخذت تبحث عن ماء فلم تجد، فنزلت إلى الوادي، ثم صعدت إلى جبل المروة وهي تبحث في كل مكان أعلى الجبل، وهكذا أخذت تصعد ما بين جبل الصفا والمروة سبعة مرات. وهنا ندرك الحكمة من صعود الحجاج وسعيهم في الصفا والمروة سبعة مرات، فهم يفعلون كما فعلت السيدة هاجر من أجل الحصول على ماء لصغيرها الرضيع.
نال منها التعب أقصاه وجف ريقها، ولم تستطع السعي بين الجبلين مرة أخرى، وذهبت إلى خيمتها حيث يكون صغيرها وخشيت أن تعود فتجده ميتًا من الجوع والعطش. وجدت الرضيع الصغير يضرب الأرض برجليه من العطش، وبينما هو يفعل ذلك إذ خرج الماء من الأرض من تحت رجليه، فرحت الأم فرحًا شديدًا وشكرت الله عز وجل وشربت وسقت ابنها الصغير، وصدق ظنها في الله؛ فها هو الله لم يضيعهما، بل أنقذهما في أصعب الأوقات.
انتشرت الأخبار في المناطق المجاورة للسيدة هاجر أن هناك بئرًا في الصحراء فأقبل الناس من جميع الجهات وساد العمران في المكان، وسُمى ذلك البئر بئر زمزم وجعل الله من مائه شفاءًا للأمراض؛ تباركًا بالسيدة هاجر وسيدنا إسماعيل عليه السلام.
وحين جاء إبراهيم إلى المكان ليطمئن على هاجر وابنه إسماعيل لم يستطع التعرف على المكان حيث وجد أناسًا كثيرة وعمران؛ فظن أنه قد ضل الطريق، ولكن عندما أخبره الناس أن هاجر تسكن هنا مع إسماعيل، ذهب إليها وضمها إليه وبكى فرحة لاستجابة دعوته. ثم أصبح إبراهيم يأتي كل عام لزيارة هاجر وإسماعيل، وبدأ إسماعيل يكبر شيئًا فشيئًا، حتى أصيح فتى يافعًا مؤمنًا بالله لا يعبد الأصنام، فقد علمه إبراهيم منذ صغره أن يعبد الله ويصلي له وحده لا شريك له.
الله يأمر إبراهيم بذبح إسماعيل
ذات ليلة كان إبراهيم يحلم أثناء نومه، فسمع هاتفًا في المنام يقول له: إن الله يأمرك أن تذبح ابنك إسماعيل فاستيقظ إبراهيم من نومه، وقال يا رب إن كنت تأمرني بذبح إسماعيل فسوف أطيعك، ثم عاد للنوم.
للمرة الثانية يسمع إبراهيم النداء في المنام، يقول له: إن الله يأمرك بذبح ابنك إسماعيل، فاستيقظ إبراهيم مرة أخرى وقام بصلاة ركعتين لله يسأل الله فيهما أن يدله على الحق ثم عاد للنوم وللمرة الثالثة يسمع نفس النداء.
حينها استيقظ إبراهيم، وعلم أنها رؤية، وأن الله يأمره بذبح ابنه إسماعيل، قرر إبراهيم في قرارة نفسه أن يلبي نداء ربه، أي قلب كهذا؟! أي أب يستطيع أن يذبح ابنه لروية رآها؟! إنه إبراهيم خليل الرحمن الذي لا يعصي الله في أمرٍ أبدًا.
ذهب إبراهيم لابنه إسماعيل، وقال له إني رأيت رؤيا يأمرني فيها الله بذبحك، فرد عليه إسماعيل “ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ “.
بدأ إسماعيل إجراءات ذبح ابنه فبدأ في ربط يديه بالحبل خلف ظهره، وجعل عينيه تنظر للأرض حتى لا يرى عيني ابنه وهو يذبحه فيرق قلبه ولا يستطيع إكمال ما أمره الله به. وحينما وضع السكين على رقبة ابنه استعدادا لذبحه وتنفيذًا لأمر الله، جاءه هاتف من الله عز وجل “وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا”. نظر إبراهيم فإذا بملك ينزل من السماء، يحمل كبشًا كبيرًا، وإذا بالملك يأمره ليذبح ذلك الكبش، بدلا من إسماعيل، فقد فدى الله إسماعيل بذلك الكبش، ليعيش ويكون إبراهيم قد نفذ أوامر الله ولم يعصاه.
فرح إبراهيم لذلك كثيرًا وحمد الله وشكره كثيرًا، وقام بفك ابنه من القيود وأطلق سراحه، ثم أمسك بالكبش وقام بذبحه ومن هنا صار ذلك اليوم عيدًا للمسلمين وكانت تضحية عيد الأضحى بالكباش اقتداءًا بما فعله إبراهيم وشكرًا لله على نجاة إسماعيل من الذبح.
قصة إبراهيم وبناء الكعبة
وبعد فترة ليست بالطويلة، أمر الله سبحانه وتعالى إبراهيم ببناء الكعبة بمساعدة ابنه إسماعيل فلم يتكاسل إبراهيم، بل استجاب فورًا لأمر ربه وأخبر ابنه بذلك فأطاع أوامر الله عز وجل، وبدءا معًا في الاستعداد لبناء بيت المسلمين.
أخذ إبراهيم وابنه يؤسسان حجر الكعبة، وكان إبراهيم يبني وابنه إسماعيل يقوم بمساعدته بتوصيل الحجر له، وحينما شعر إبراهيم بالتعب أمر إسماعيل بإحضار حجرًا؛ ليضعه تحته ليستطع إكمال بناء الكعبة. أخذ إسماعيل يبحث حتى وجد حجرًا أسودًا فأخذه لأبيه فوضعه إبراهيم تحته، وأكمل بناء الكعبة حتى أصبحت بيت الله الحرام، وما زال ذاك الحجر الأسود موضوعًا في مكانه حتى اليوم. وقد ذكر القرآن الكريم في آياته، كيف كان إبراهيم يبنى الكعبة “وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ”
وبعد أن انتهى إبراهيم وابنه من بناء البيت الحرام؛ أذن في الناس ليحجوا إلى بيت الله الحرام فأقبلت أفواج الناس من كل مكان، وعلمهم إبراهيم مناسك الحج كما علمه الله وأمره، وأصبح الحج لبيت الله الحرام فريضة على كل مسلم ومسلمة قادرين.
ها نحن ننتهي من قصة إبراهيم مع قصة ابنه إسماعيل، وكيف نجح إبراهيم في اختبار الله له، وكيف نجاه الله وأنقذ ابنه بالكبش، وكيف كان الابن مطيعًا لوالده ولأوامر الله وكان حبه لله فوق أي شئ حتى حياته، وكيف نجح إبراهيم واستعان بالصبر في مواجهة البلاء. لم يترك الله إبراهيم وابنه يتعذبان بل أثابهما لإطاعة أوامره ورفع عنهما البلاء وجعل يوم فداء إسماعيل عيدًا للمسلمين، يحتفلون به كل عام ويذبحون الأضاحي، ويوزعون لحومها على الفقراء والمساكين ويؤدون فريضة الحج.
هوالنبى الذى فداه الله بكبش عظيم نتعلم الكثير من مواقفه الصعبه للمزيدمن الصور والقصص والشعر والابراج تابعونا على موقع لحظات