مرحباً بكم في موقع لحظات الذي يقدم لكم كل جديد وقديم من الشعر وعن الشعراء , واليوم نقدم لكم قصيدة ” مشـــاعر الآبــــاء! ” للشاعر المتألق والمبدع محمود غنيم و ونتمني ان تنال أعجابكم , وتستمروا في متابعتنا .
” مشـــاعر الآبــــاء! “
هُمْ جميعًا في الحبِّ عندي سواءُ
لا امتيازٌ كلاّ، ولا استثناءُ
عِقْدهم كلُّ حبَّة فيه -مهما
كثُر الحبُّ- دُرُّةٌ عصماءُ
ليس عندي وسيمُهم بأَثيرٍ
لا، ولا مَيَّز الذكِيَّ الذكاءُ
وعيون الآباءِ حَوْلاءُ؛ فيها
يستوي الخاملون والنُّبَهَاءُ
غيرَ أن الصغير منهم أثِيرٌ
وأَثيرٌ من بات يَعْرُوه داءُ
وأثيرٌ من بات عنِّي بعيدًا
وكثيرٌ أَولاديَ الغرباءُ
أنا فيهم أرى استقامة ظهري
من جَديد إن آد ظهرِي انْحناءُ
لستُ أدري: بنيتُهم، أم بَنَوْني
أم من الجانِبَيْن كان البناءُ؟
لستُ أدري: أمِنْ حُشَاشة قلبي
قِطعٌ هؤلاء، أَم أبناءُ؟
أبدًا ما أُحسُّ جِسْمِيَ إِلاَّ
أَنهمْ في كيَانه أعْضاءُ
من شَغَافِ القلوب، من حَدَق الأَعْـ
ـيُن صيغ الحَرْفان: هَمْزٌ، وَبَاءُ
***
عاطفٌ، عادلٌ، عزيزٌ، وعزمي
عِصْمَةٌ، عاصمٌ، عِمَادٌ، علاءُ
ما عرفت الحنان والحبَّ إلاَّ
يوم جاءُوا، أنْعِمْ بهم يوم جاءُوا!
لست أبغي منهم على العطف أَجْرًا
لهم الحُسْنى، أحسنوا أَم أَساءُوا
وذنوب الأَبناء للصَّفْح والغُفْـ
ـران؛ مهما جَنوْا فهم أبرياءُ
وعيوب الأبناء غيرُ عيوبٍ
مُقْلةُ الحبِّ مقلةٌ عمياءُ
***
القَمِيءُ الكَظيمُ عند أبيه
فارعُ الطُّول، عينُه حَوْراءُ
رُبَّ شَوْهَاءَ لا ترى الأُم فيها
غيرَ حسناءَ لم تَلِدْها النساءُ
إِنَّ عَطْفي دِثار إذا ما
كَلِبَ البردُ، واستبدَّ الشتاءُ
وإذا مسَّتْهمْ حرارة صيفٍ
فحناني النَّسيمُ، والأَنْدَاءُ
وإذا شَحَّ الزادُ، والماءُ يومًا
فلهمْ مِنْ هَوَايَ: زادٌ، وماءُ
ورضائي عنهم بغير حدود
ولقد ينفع البنينَ الرضاءُ
***
لم يَدعْ حبُّهم مكانًا لحبٍّ
في فؤادي تحتلُّه حسناءُ
ما تمنيت أَن يكون لحيّ
غيْرِ نجلي فوق ارتقائي ارتقاءُ
إِن تنَلْهُم سرَّاءُ، هزَّت كيانِي
من بعيدٍ بخمرها السَّرَّاءُ
أو يُصابوا -ولا أُصيبوا- فَإِنِّي
من قريب لمن أُصيبَ الفداءُ
أنا أخشى عليهمُ الشَّوْكَ في الور
دة، والذّرَّ إذ يَهُبُّ الهواءُ
غير أني أَرُوضُهمْ أَن يُعَانوا
عَنَتَ العيش؛ فالحياةُ عَنَاءُ
***
لا، لعمري، ما كل عيشٍ نسيمٌ
إنما الريحُ: زَعْزَعُ، وَرُخَاءُ
ويكونُ النَّجاحُ حِلْفًا لهمْ في
كلِّ خطو، وهُمْ لهُ حلفاءُ
ليتني أسقيهِمْ تجاربَ عُمْري
في إِنَاء! وأين هذا الإِناءُ؟
أو أُذيبُ العلومَ في كأسِ ماءٍ
وأقول: اشربوا، هنًا، وشِفاءُ
ليتنا كُلَّما نُسَمِّي وليدا
وَهْو في المَهْد تَصْدُق الأسماءُ!
ليتنا نُورتُ البنينَ من الفِطْ
ـنَةِ، والنُّبْل، والنُهَى ما نشاءُ!
***
أنا أرجو ألاَّ يخيبَ لَهُمْ مَسْـ
ـعىً، وألاَّ يطيشَ فيهم رجاءُ
كم سَأَلْتُ السَّماءُ عَطْفًا عليهم
ليت شِعْري: هل تستجيب السماءُ؟
ودعاءُ الآباء أثْمَنُ كنزٍ
حينما يُخْطِئُ البنينَ الثَّراءُ
ليس كلُّ التُّراثِ بَيْتًا وحقْلاً
خير ما وُرِّث البَنُون الدعاءُ
أنا من أجْلهم أُريدُ حياةً
تَغْمُر الكونَ ليس فيها شقاءُ
لم يَشِنْهَا على المتاع صِرَاعٌ
أو تُشَوِّهُ جمالَها الشحناءُ
***
ليس فيها داءٌ يُخَامِرُ جسما
ساغَ، أو مَرَّ في الحُلُوق الدواءُ
لم يكدِّرْ صفاءَها ثُكْل أُمٍّ
ليس فيها على عزيز بكاءُ
تضحياتُ الآباءِ شَتَّى، ولكن
بَسْمَةٌ من طفلٍ عليها جَزَاءُ
لَثَغاتُ الصغير -إن حَاوَل النطـ
ـقَ- نَشيدٌ، موقَّعٌ، وأداءُ
وصياحُ الأطفال -والأَبُ غَافٍ-
نَغَمَاتٌ شجيَّة وغنَاءُ
وخطابٌ يأتيك من نجلك الثَّا
ني قميصٌ جاءَت به البُشَراءُ
***
يُكْسِبُ المرءَ في الحياةِ سُرُورًا
بل غُرُورًا أَبناؤُه النُّجبَاءُ
واهمٌ من يقول: لي بعد أُمي
وأبي مُخْلِصون، أو أصْفِيَاءُ
أصدقُ الأَصدقاء في هذه الدُّنْـ
ـيا همُ الأُمَّهات والآباءُ
وسواءٌ في ذلك الحبِّ: حيٌّ
ناطقٌ، أو بَهيمَةٌ عَجْمَاءُ
هِرَّةُ البيت إِن يَطْفْ بِبَنِيها
طائِفُ السُّوءِ حَيَّةٌ رَقْطَاءُ
ذاك سرُّ البقاء، لولا حنان الـ
أَبِ والأَمِّ ما تسنَّى البقاءُ
ولأَمرٍ مَا يخلُفُ ابنٌ أَباه
كي تدومَ الحياةُ والأحياءُ