مرحباً بكم في موقع لحظات الذي يقدم لكم كل جديد وقديم من الشعر وعن الشعراء , واليوم نقدم لكم قصيدة ” يا جهل أَنت برغم العلم والأدبِ ” للشاعر جميل صدقي الزهاوي , ونتمني أن تنال أعجابكم , وتستمروا في متابعتنا .
” يا جهل أَنت برغم العلم والأدبِ “
يا جهل أَنت برغم العلم والأدبِ
ممتع بعلو الجاه والرتبِ
يا جهل يأتيك عفواً ما تحاوله
يا جهل من غير سعي منك أو تعب
لا شيء في الشرق أَعلى منك منزلة
يا جهل حسبك هذا العز من حسب
العلم يعجز عن إدراك بغيته
وأنت تبلغ ما ترجوه من كثب
تأَتي المحافل محفوفاً بتكرمة
والعلم يرجع مطروداً إلى العقب
من أَين للعلم أردان مزخرفة
من أَينَ للعلم أطواق من الذهب
يا جهل قد ساعدتك الحال فاعلُ وتِه
وارفُل كما شئت في أثوابك القشب
قَد أَصبحَ الوطن المحبوب تربته
ألعوبةً في يد الأحداث والنوب
يُملى له الحيف من حزب التقهقر ما
يمليهِ قسراً لسان النار للحطب
الحلم ثبطه عن ثأر واتره
وَما الحليم بمأمونٍ على الغضب
وهل تعوق إذا حيته معدلة
شعاع وتتجن ألواح من الخشب
ما أَنقذ القوم نصحي من غوايتهم
ولا أَفادهمُ شعري ولا خطبي
إذا أَقمتم فإن المال منتزع
وإن رحلتم فإن النار في الطلب
يا باذلاً لولاة السوء ما ملكت
يداه من كل موروث ومكتسب
يرجو بها رتبةً شماءَ راقية
كيما يقال فلان من ذوي الرتب
من ذا يعولك والأيام محوجة
إذا بقيت بلا مال ولا نشب
لا يرحم القوم من بانت مفاقره
فبات في القوم مطوياً على سغب
الدهر خان وكبار البلاد قضوا
ودولة الترك سادت أمة العربِ
والمرء في وصف أمر لا يشاهده
بمنزل بين صدق الظن والكذب
وإنما العقل نبراسٌ لحامله
يضئ ما حوله في سدفة الريب
لا يحدث الشيء من تلقائه عرضا
لكل حادثة لا بر من سبب
العدل كالغيث يحيى الأرض وابله
والظلم في الملك مثل النار في القصب
يا عدل بعدك من للاهفين ومن
للواقفين تجاه الموت والعطب
يا عدل من لمروع بات مرتجفاً
وَصارخ قد دعا بالويل والحرب
من ذا إذا ما اِستَجار الخائفون به
يرد عن ذي حقوق كفَّ مغتصب
يا عدل هل أنت في يوم معاودنا
فبعدك العيش لم يحسن ولم يطب
يا عدل حسنك بعد اللَه نعشقه
حتَّام أنت عن العشاق في حُجُب
لو أسعف العدل لم نحتج إلى حرس
في طلعة البدر ما يغني عن الشهب
وقائل قد حرمت الجاه قلت له
ما الجاه في دولة الأوغاد من أَربي
والجاه ليس بأَلقاب مفخمة
تهدَى لمنغمسٍ في الإثم منتهب
بل إنما الجاه في مجد تطول به
وإنما المجد كل المجد في الأدب
وإنما العز مشروحخلاصتُه
في متن أبيضَ ماضي الغرب ذي شطب
لا تقربنَّ كثيراً من حكومتهم
فإن مكروبها أعدى من الجرب
لقد وضعت يدي والعين باكية
على فؤاد من الأحزان مضطرب
عثرت في جوف ليل للخطوب دجا
بذيل جيش من الأهوال ذي لجب
والأمن قد غاب عن عينيَّ مشهدُه
فليت ما غاب عن عيني لم يغب
إذا لعبت تجدُّ الحادثات وإن
جددت في الأمر فالأحداث تلعب بي
وهكذا أنا بالأحداث مرتهنٌ
أقطِّع العمر بين الجد واللعبِ
أرى ظلاماً أمامي غير منصرف
عني بحال وأني منه في عجب
عميت أم طال ليلي فوق مدتهِ
أم أَخَّر الفجر ما في الجو من سُحب
لو كان قومي أباة ما تهضَّمني
وغدٌ من الترك معزوٌّ لغير أب
ليس الفتى بذليل في قبيلتهِ
لحكم آخر إن كانوا ذوي عصب
فالمرء ما كان محمياً بأسرته
كالليث عرّس في عِيصٍ له أشب
كن يا دعيُّ إلى الأمجاد منتسباً
فإنما المرءُ مأمون على النسب
واذكر لمن لجَّ في الانكار بينةً
فذاك أكشف بين الناس للرِيبَب
لا تنتحل نسباً من غير بينةٍ
فقد يضرُّك أن تعزى إلى الكذب
ماذا عليك وأنت اليوم مقتدرٌ
إذا افتخرت بما أولوك من لقب
وأي نقص لمثرٍ فاته حسب
أليس في المال ما يغني عن الحسب
ألا رعى اللَه أَوطاناً لنا امتهنت
محبوبة السهل والوديان والكثب
فحبَّذا تلك من سهل وأودية
وحبذا هضب الأوطان من هضب
الماء يجري فراتاً في مسائلها
والريح طلقاً على الأغوار والحدب
ومنبت الشيحٍ والحَوذان تربتها
ومغرس النخل والرمان والعنب
قد أَضرم الجور ناراً في مساكنها
وأهلها بين نفاخ ومحتطب
واعصوصب الشر حتى لا ترى أَحداً
إلا يئن من الأرزاء والنوب
ورب حرّ رأَى الأوطار صائرة
إلى الدَّمار بحكم العسف والنكب
يقول قد وجب اليوم النزاع لها
كأنه قبل هذا اليوم لم يجب
أما لقد رقّ شعرٌ كان قائله
يبكي كثيراً على باكٍ ومنتحب
ولا تخالنّ أن الشعر أنقذني
من المصائب والآفات والكُرب
لو ساعدتني الليالي سرت من وطني
إلى مكان بعيد منه منشعب
لا غرو إن فرّ حرٌّ خوف محنته
فكل ذي رهب يأوي إلى هرب
إني على الرغم مني ساكن بلداً
ما إن بها من أَنيسٍ لي سوى كتبي