يقدم لكم موقعنا المتميز لحظات موضوع جميل عن كيف التعامل مع الله خالق هذا الكون.تعتبر علاقة الإنسان بربّه جلّ وعلا علاقة بين عبدٍ مخلوق وربّ خالق، فالمخلوق وكما هو معلوم له صفاته التي تدلّ على .
وما سوف يكون من أحداث وغيبيّات،وللمزيد زورو موقعنا لحظات.
علاقة الإنسان مع ربّه
تعتبر علاقة الإنسان بربّه جلّ وعلا علاقة بين عبدٍ مخلوق وربّ خالق، فالمخلوق وكما هو معلوم له صفاته التي تدلّ على افتقاره ونقصانه وضعفه،
كما أنّ لله سبحانه وتعالى صفاته التي تدلّ على ربوبيّته وألوهيّته من قدرةٍ وعلمٍ ومشيئة، فهو سبحانه بيده مقاليد السّموات والأرض،
وبيده مقادير الخلائق جميعها، وعالمٌ بما كان وما هو كائن، وما سوف يكون من أحداث وغيبيّات،
لذلك يحتاج العبد الضّعيف إلى بناء علاقة متينة مع ربّه عزّ وجل، مبنيّة على الإيمان به، والتّسليم بقدرته، ومشيئته،
وما يتبع ذلك من توكّل عليه، ورجاء، ودعاء، واستغفار، وإنابة وخوف، وخشية.
كيف يتعامل الإنسان مع ربّه
ولا شكّ بأنّ تعامل الإنسان مع ربّه عزّ وجلّ له سماتٌ وآداب وأحكام، ومن الأمور التي ينبغي على المسلم أن يراعيها في تعامله مع ربّه:
أن يتحلّى المسلم في دعائه ومناجاته لربّه بالأدب وحسن الخطاب، فالمرء منّا إذا أراد أن يقابل مسؤولًا من النّاس تراه يتجهّز لذلك،
ويعدّ كلماته جيّدًا، حتّى لا ينطق بكلمةٍ تغضب هذا المسؤول، ولله المثل الأعلى، فهو سبحانه الأحقّ بأن يتأدّب الإنسان معه،
لأنّ ربّ الكون هو الخالق المستحقّ للعبادة وحده، وإنّنا نسمع كثيرًا في حياتنا تجاوز بعض النّاس في الحديث عن الله،
أو في اعتراضهم على مشيئته وحكمه، ومثال ذلك من يقول مخاطبًا ربّه جلّ وعلا: ياربّ لماذا يصيبني كذا؟
أو ماذا فعلت حتّى يصيبني كذا وكذا؟ فعلى المسلم أن ينتقي عباراته جيّدًا عندما يخاطب ربّه. أن يدعو الإنسان ربّه بأحبّ الإسماء إليه،
فكما يطيب للإنسان أن يُنادَى بأحبّ الأسماء إليه، فالله عزّ وجل أحقّ بذلك، والأسماء الحسنى ذكرها الله في
كتابه وسنّة نبيّه عليه الصّلاة والسّلام. أن تكون علاقة المسلم مع ربّه وتعامله معه غير مبنيّة على المصلحة والمنفعة،
فإذا مسّه سوءٌ أو ضررٌ أو بلاءٌ يئس من ذلك وقنط، وابتعد عن ربّه ودينه، وإذا أصابته سرّاء ونعيمٌ فرح لذلك، وأقبل على الدّين والعبادة وشكر الله،
بينما يكون المسلم الصّحيحُ ثابتًا على حبّ الله، متمسّكًا بدينه مهما تغيّرت الظّروف والأحوال، وتبدّلت،
وهكذا ينبغي أن تكون العلاقة مع الله دائمًا. أن يتذكّر الإنسان دائمًا ربّه عندما يقترف الذّنوب والمعاصي،
ويسعى إلى التوبة فوراً، فالله يحبّ أن يسمع صوت عبده التّائب إليه من الذّنب، كما يحبّ أن يرى
حال العبد في الخضوع والافتقار إلى رحمته والتّذلّل بين يديّه.
كيف تشكل الكون
الكون خلق الله تعالى الكون بطريقةٍ بديعةٍ ومنظمة، فلا يوجد تداخل بين أيٍّ من مكوناته أو سير حياة أجزائه، فلا يمكن أن
تشرق الشمس في غير موعدها أو أن يسبق الليل النهار، ولا يمكن أن تتصادم الكواكب والأجرام السماوية أثناء
دورانها وحركتها، وإلّا لانهار الكون من قديم الزمان، وأمر الله تعالى الإنسان بالتفكر في إبداع هذا الكون الذي يدل على عظمة الخالق ،
فقال الله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [العنكبوت: 19]، وقال عز وجل:
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [العنكبوت:20] ،
فبدأ الإنسان يحاول تفسير نشأة الكون، وكيفية تشكّل الكواكب والأجرام السماوية المختلفة، وسبب اشتراكها في بعض الخصائص،
واختلافها في خصائص أخرى. نشأة الكون استطاع الإنسان التوصل إلى أنَّ عمر الكون يقدّر بـ ١٤ بليون سنة،
ثم توالت الاكتشافات التي قادت إلى تفسير نشأة الكون، وجاءت كلها لتؤيد فكرة الانفجار الأعظم
أو الانفجار العظيم الذي جاء بها العالم البلجيكي جورج لوميتر عام 1927م، حيث أشارت النظرية إلى أنَّ الكون كان عبارة
عن كتلةٍ غازيةٍ عظيمة الكثافة واللمعان والحرارة، ونتيجة هذه الحرارة المرتفعة جداً تعرضت الكتلة الغازية لضغطٍ
هائلٍ سبّب انفجارها، وانتشار أجزائها في أماكن مختلفةٍ من جميع الاتجاهات، ثمّ تشكلت الكواكب والأجرام السماوية المختلفة.
ثم استطاع العالمان باتريس وويلسون عام 1964م من اكتشاف موجات راديو تنبعث من جميع أرجاء الكون،
وتشترك بالصفات الفيزيائية في أي مكانٍ تسجل فيه، حيث أُطلق اسم النور المتحجر عليها، وهو النور القادم من الأزمنة السحيقة،
ومن بقايا الانفجار العظيم الذي حصل في الثواني التي حدث فيها نشأة الكون، وفي عام 1989م أرسلت وكالة الفضاء الأميريكية
(ناسا) قمرها الصناعي حيث استطاع إرسال معلوماتٍ بعد ثلاث سنوات تؤيد نظرية الانفجار العظيم، وتوصل
علماء الفيزياء النظرية والفلكية فيما بعد أنّ الدخان الكوني كان عبارة عن خليطٍ من الغازات الحارة المعتمة،
تتخللها بعض الجسيمات الأولية للمادة وأضداد المادة. نشأة الكون في القرآن الكريم أثبت العلم
على مر العصور ما جاء في القرآن الكريم حول نشأة الكون، فقال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء: 30]، حيث تشير الآية إلى
أنّ الكون كله كان عبارة عن كتلةٍ واحدة ملتصقةً معاً، فالرتق هو الالتصاق، ثم حدث انفجارٌ عظيمٌ
لهذه الكتلة نتج عنه تشكّل المجرات والكواكب والنجوم.
كيف تتعامل مع الله
قرر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز الهدف والغاية التي خلق الناس من أجلها، بقوله سبحانه (وما خلقت الإنس والجن إلاّ ليعبدون )،
والإنسان هو خليفة الله تعالى على الأرض وهو مأمورٌ بعمارتها وإصلاحها وفق المنهج الرّباني الّذي أنزله الله تعالى على رسله،
وإنّ العلاقة بين الإنسان والله سبحانه وتعالى هي علاقة بين ربٍّ وعبده؛ فالله سبحانه هو ربّ العالمين الّذي خلق كلّ شيء،
والإنسان ما هو إلا عبدٌ مخلوق من مخلوقات الله الكثيرة التي ميّزها الله بنعمة العقل والتّكليف وكرّمها
على كثيرٍ ممّن خلق وأسبغ عليها نعمه ظاهرةً وباطنة.
كيف تتعامل مع الله؟
إنّ العلاقة بين الله تعالى وعباده هي علاقة خاصّة يجب أن يراعي فيها المسلم آداباً ومسائل كثيرة في تعامله مع ربّه جلّ وعلا، وإنّ كيفيّة التّعامل مع الله سبحانه ترتكز على أسسٍ نذكر منها :
إيمان العبد بأنّ الله سبحانه وتعالى هو وحده صاحب الكمال المطلق؛ فهو سبحانه يمتلك من الصّفات العلى ما تجعل الإنسان يطمئن أنّ كلّ ما شرعه الله تعالى وسنّه هو خيرٌ له في الدّنيا والآخرة، وأّنّ صلاح حياته واستقامتها وسعادتها لا تتحقّق إلا باتباع هذا المنهج الرّباني القويم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
البعد عن الأعمال الشّركيّة التي تخدش علاقة العبد بربّه سبحانه؛ فالمسلم حريصٌ على توحيد الله تعالى من خلال أفعاله وأقواله، فلا يعمل عملًا من شأنه أن يخلّ بمعنى التّوحيد مثلما تبتدعه بعض الجماعات والفرق من أعمال التّوسل بقبور الصّالحين والأولياء وغير ذلك،
فالمسلم يتعامل مع ربّه سبحانه على أنّه هو الوحيد المستحقّ للعبادة وهو الوحيد المستحقّ للتّوجه إليه بالرّجاء والدّعاء وتسليم القلب والمناجاة والاستغفار .
إيمان العبد بأنّ الله تعالى قريبٌ من عباده فلا يهلك المرء نفسه بالقلق والتّوتر والخوف من عدم سماع دعائه،
قال رسول الله عليه الصّلاة والسّلام (اربعوا على أنفسكم فإنّكم لا تدعون أصمًّا ولا غائبًا إنّما تدعون سميعًا بصيرًا أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) .
الصّبر في الضّراء والشّكر في السّراء؛
فالمسلم في تعامله مع ربّه سبحانه يصبر على أيّام الشّدة التي تمر عليه ويسأل الله تعالى الفرج، وفي أوقات الفرح والسّراء يشكره سبحانه على ذلك، فالمسلم لا يكون كالعبد السّوء إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط.
دعاء الله تعالى بأحبّ الأسماء إليه؛ فالمسلم يستفتح دعاءه بالثّناء على الله تعالى وذكره بأحبّ الأسماء إليه.
استشعار عظمة الخالق سبحانه في القلوب؛ فالمسلم دائمًا يتذكّر عظمة الله سبحانه وتعالى حين يقف بين يده،
وفي الأثر عن أحد الصّالحين أّنّه كان يصفرّ وجهه حين يقف بين يدي الله، فيقال له لم ذلك فيكون ردّه، أتدرون أمام من أقف؟
جعلنا الله جميعًا ممّن يحسن التّعامل مع ربّه جلّ وعلا.
منهجية التعامل مع الكون
يحتلّ الكون مساحة كبيرة في الثقافة الإسلامية يتناسب مع عظمته وقوّة حضوره في حياة البشر وحياة جميع المخلوقات،
نجد ذكره في القرآن الكريم وفي سنّة الرسول صلى الله عليه وسلّم وسيرته وفي أدبيات المسلمين المختلفة، لكن عصور التخلّف ألقت بظلالها على علاقة المسلم بالكون حتى فهم الناس أنّ بينهما جفاء وسوء تفاهم أو أن لا دخل للكون في
الإسلام ولا دخل للإسلام في شؤون الكون، وأصبح هذا الموضوع شأنا دنيويا بحتا احتكر الاشتغال به الغربيون وحدهم فخسرنا نحن مبدئيا وعمليّا،
وهذا الوضع يقتضي أن نعود إلى تأسيس علاقة صحية طيبة بالكون باعتبار ذلك عبادة لله وزيادة في المعرفة وواحدا من أهمّ طرق الرقيّ الإنساني.
وتكمن نقطة البداية في إرساء أساليب سليمة للتعامل مع الكون المحيط بنا من كلّ جانب،
فكما تعلّم المسلم من دينه حسن التّعامل مع الله بالعبادة ومع الناس بالأخلاق الرّفيعة فقد تعلّم منه حسن التّعامل مع الكون بأنواع من المعاملات.
والكون هو ما يسمّونه الطبيعة وما فيها من تراب وماء وبحار وجبال ونباتات وحيوانات وطيور وحشرات وأسماك ونحوها،
وهي خلق من خلق الله بل بعضها أمم لها تنظيماتها وسنن تحكم حياتها ومسيرتها وعلاقتها بمحيطها: ”
وما من دابّة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلاّ أمم أمثالكم ” سورة الأنعام 38، وهي تؤدّي حقوق العبوديّة لله عزّ وجلّ بطريقتها الّتي ألهمها الله إيّاها:
” وإن من شيء إلاّ يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ” سورة الإسراء 44.
الإنسان والكون: وضع الخالق سبحانه هذا الكون الفسيح متنوّع العناصر في خدمة الإنسان، وهو ما يسمّيه القرآن الكريم التسخير:
” وسخّر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخّر لكم الأنهار وسخّر لكم الشمس والقمر دائبين وسخّر لكم الليل والنّهار” سورة إبراهيم 32 – 33.
” وسخّر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه ، إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون ” سورة الجاثيّة 13.
وقد كان فضل الإسلام على البشريّة عظيماً حين جاء بحقائق تبيّن أن الكون في خدمتها وليس عدوّاً لها كما تصوّر بعض العقائد،
ولا هو شيء مقدّس تعبده وتخدمه كما في عقائد أخرى، وهذا ما أتاح للعلماء والمستكشفين والمخترعين أن يبحثوا ويتعرّفوا على سنن الكون ويستخرجوا خيراته بدل أن يصارعوه أو يخافوا منه أو يعبدوه، فالعلاقة بالكون تعني الاستكشاف
المعرفي والانتفاع الماديّ متنوّع الأوجه والأشكال كما تعني الاستلهام الجمالي، يقول الله تعالى عن قطعان الحيوانات الأليفة: “
ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون” – سورة النحل 6 ، ويلفت النظر إلى جمال البساتين: “فأنبتنا به حدائق ذات بهجة” – سورة النمل 60، ويدعو إلى الاستمتاع بالنظر إلى الثمار في أغصان الأشجار:
“انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه” – سورة الأنعام 99، وهكذا يجمع بين الإشباع الحسّي والوجداني لحاجات الإنسان ليرتقي به ماديا ونفسيا ويحدث التوازن في شخصيته وحياته.
وبذلك أنهى الإسلام العلاقة المرضيّة بالكون المتمثّلة في اعتزاله أو عبادته أو الصراع معه، وأسّس علاقة صحيّة تعود إلى وحدة
الخلق من ناحية ووحدة الخالق من ناحية أخرى – لأنّ الإنسان جزء من الكون، وهما معا جزء من خلق الله الواحد – وتتيح التّسخير للمنفعة الماديّة والوجدانيّة بتنميّة الرّغبة في الاستكشاف ورهافة الحس الجمالي.
بهذا الانسجام بين البشر والكون يصبح هذا الأخير عاملاً من العوامل الّتي تدلّ على الخالق وتقود إليه:
“إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الّذين يذكرون الله قيّاماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكّرون
في خلق السماوات والأرض ربّنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار” – سورة آل عمران 190.
“سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتّى يتبيّن لهم أنّه الحق ،أولم يكف بربّك أنه على كلّ شيء شهيد ” – سورة فصّلت 53.
فالكون مصدر للمعرفة العلميّة – وهذا ما يسلّم به الجميع – والمعرفة الإيمانيّة – وهو ما يعتقده المسلمون –
باعتباره كتاب الله المجلوّ الّذي تتناغم آياته الصامتة مع آيات الكتاب الناطقة لتسوق الناس إلى ربّهم بملاطفات الإحسان.
وكم أجرمت الحضارة الغربيّة في حق الدين والعلم والإنسان حين ألغت الدلالات الغيبيّة لآيات الكون وقصرت التعامل على
المعرفة الماديّة والاستغلال من منطلق الصراع مع الطبيعة وقهرها وإخضاعها للرجل الأبيض، ثم أجرمت مرّة أخرى حين
تقدّمت ركب البشر في الاستغلال الفاحش لثروات الكون الأرضيّة والجوفيّة والجويّة فاختلّ التوازن البيئيّ بشكل ينذر بالوبال
على البشرية كلّها، أمّا الإسلام فقد علّم أتباعه التعامل مع الكون برفق للمحافظة على التوازن بين بقائه إلى ما شاء الله
وبين إشباع حاجات الخلائق كلّها، لذلك ينبغي صوغ منظومة معرفيّة وسلوكيّة قوامها صيانة ثلاثيّة للكون من التلف
والتلوّث والتبديد بالإسراف نجد أصولها في القرآن والسنة ، النهي عن الإسراف والتبذير،النهي عن التبوّل في الماء،
النهي عن إبادة أيّ فصيل من الحيوانات أو الحشرات، الإشادة بأعمال الزرع وغرس الأشجار،الأمر بالاعتدال في الاستهلاك …
كون صديق للإنسان: الثقافة المستقاة من القرآن والسنّة تبني تصوّراً متكاملاً لعلاقة المسلم بالكون نجد فيه أن هذا الكون صّديق للإنسان وكأنّه كائن حيّ له إحساس وشعور:
“ولقد آتينا داود منا فضلاً يا جبال أوّبي معه والطير وألنّا له الحديد” – سورة سبأ 10.
“أحد جبل يحبّنا ونحبّه” – حديث رواه البخاري ومسلم.
فكأن للجبال عواطف نسجت شبكةً من التجاوب بينها وبين عباد الله الصالحين ملؤها الحب والتعاضد في تمجيد الله
تعالى، بل إن جبل أحد اهتزّ هزّة طرب شعر بها من كان عليه، فخاطبه الرسول – صلّى الله عليه وسلّم –: ” أثبت
أحد فإن فوقك نبيّاً وصدّيقاً وشهيدين” –
وتبلغ رعاية الكون للإنسان مداها حين يحتضنه ويرعاه في ظروف قاسية ،
فالنار تحسن معاملة إبراهيم – عليه والسلام – بدل أن تحرقه كما أراد خصوم دعوته : قالوا حرّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ،
قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم – سورة الأنبياء 68-69
والبحر يحتضن موسى – عليه السلام –
وهو رضيع فارق أمّه وأهله ويحفّه بالرعاية حتّى يبلغ مأمنه : وأوحينا إلى أمّ موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليمّ ولا تخافي ولا تحزني إنّا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين – سورة القصص 7
و الكهف الموحش – وهو مظنّة الهلاك – يؤوي الفتية المؤمنين الفارّين بدينهم فيجدون فيه السكينة الّتي افتقدوها في الدور القصور بين أهلهم الكافرين
: وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون من دون الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربّكم من رحمته ويهيّي لكم من أمركم مرفقا – سورة الكهف 16
والريح تسارع بحمل البشرى إلى يعقوب عليه السلام قبل أن يصله قميص يوسف بأنّ ابنه المفقود حيّ يرزق : ولمّا فصلت العير قال أبوهم إنّي لأجد ريح يوسف لولا أن تفنّدون – سورة يوسف94
ويرفق البحر والحوت معا بيونس – عليه السلام – فيخرج من المحنة العجيبة سالما لم يغرقه الماء ولم يأكله
الحوت وإنّما ابتلعه فحسب : وإنّ يونس لمن المرسلين ، إذ أبق إلى الفلك المشحون ، فساهم فكان من المدحضين ،
فالتقمه الحوت وهو مليم ، فلولا أنّه كان من المسبّحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون – سورة الصّفّات 139-144
ويصطفّ الكون مع المسلمين في معركتهم الفاصلة ضدّ اليهود فينادي الشجر والحجر المسلم ويدلّه على مخبأ اليهوديّ ليخلّص الأرض من رجسه وظلمه – (من حديث رواه البخاري ومسلم).
الكون مهدنا ومصدر رزق الله لنا وكتاب مفتوح نقرأ فيه آيات التوحيد ونلمس دلائل القدرة والعظمة
: ” فتبارك الله أحسن الخالقين ” – سورة المؤمنون 14
وما زال في هذا الكون البديع من الأسرار والمنافع والمفاتيح ما يغري المسلمين بالسعي في جنباته واستكشاف
كنهه واستخراج خيراته وسلوك دروبه للوصول إلى الحقائق العلمية والإيمانية التي تزيدنا رفاهية وتزيدنا علما بالله تعالى وقربا منه.