مظاهر واسباب بيع وزرع الاعضاء البشريه

مظاهر واسباب بيع وزرع الاعضاء البشريه هي نقل عضو كامل أو جزء من عضو من شخص إلى آخر يعاني من تلف هذا العضو أو فشله، ويدخل فيه نقل جزء من عضو من مكان معيّن في الجسم إلى مكان آخر في الجسم ذاته.

مفهوم العضو البشري

في اللغة : فإن العضو بالضم والكسر هو واحد الأعضاء من الشاة وغيرها ، وقيل هو كل عظم وافر اللحم ويطلق لفظ العضو أيضاً ويراد به أطراف الإنسان (ابن منظور ، 1408هـ :264 ).

والعضو عند الأطباء هو : مجموعة أنسجة تعمل مع بعضها البعض كي تؤدي وظيفة معينة كالكبد والكلية والدماغ والأعضاء التناسلية والقلب وغيرها ، والأنسجة التي يتكون منها العضو هي : مجموعة الخلايا التي تعمل مع بعضها البعض لتؤدي وظيفة معينة ، والخلية هي أصغر وحدة في المواد الحية (الشيخلي ، 2005 : 6 ) .

ويضاف إلى ذلك بأن العضو في جسم الإنسان هو كل لحم خالص أو يتجوفه عظم وه جزء من أي جهاز في الجسم كالجهاز البصري أو التناسلي أو الهضمي ، كما أن الدم هو الآخر أحد أعضاء جسم الإنسان إذ أنه يؤدي وظيفة أساسية في حياة الإنسان ، وتنقسم الأعضاء البشرية إلى الأنواع التالية :

1-من حيث القابلية للزرع : أي إمكانية نقلة من جسم لآخر كالكلى مثلا وبعكس العمود الفقري ، المثانة والمعدة .

2-من حيث القابلية للتجدد مثل الكبد والجلد عكس فصل جزء من الرئة .

3-من حيث الظهور : فهناك أعضاء ظاهرة للعيان كالأذن وأعضاء باطنه كالقلب .

4-من حيث التأثير : هناك أعضاء تؤدي للوفاة إذا فصلت كالقلب وثمة أعضاء لا تؤدي إلى ذلك كاليدين والرجلين

إباحة نقل الأعضاء

يذهب رأي العلماء إلى ضرورة إباحة نقل الأعضاء البشرية من الأحياء وذلك لخدمة البشرية ولكن في ظل القيود التالية :

القيد الأول : وجوب أن يكون التنازل عن العضو بدون مقابل فإذا إقترن التنازل بمبلغ مالي وجب عده غير مباحا .

القيد الثاني : وجوب رضاء المتنازل رضاء حرا ومن ثم يمكن إستبعاد المرضى العقليين أو ناقصي الأهلية .

القيد الثالث : أن يكون التنازل مقصوراًلمصلحة القريب ذي الرحم

جواز التبرع

تنص بعض القوانين الوضعية وتلك المستمده من الشريعة الإسلامية على جواز نقل وزراعة الأعضاء البشرية على أن للشخص كامل الأهلية قانوناً أن يتبرع أو يوصي بأحد أعضاء جسمه أو أكثر من عضو ، ويكون التبرع أو الوصية بإقرار كتابي يشهد عليه شاهدان كاملا الأهلية .

كما تجيز بعض القوانين إعطاء بعض الأنسجة أو الأعضاء على سبيل الهبة المجانية غير المشروطة ، ويجوز أخذ العضو من الميت بناءاً على وصيته ، ولا يستثنى من ذلك سوى الأعضاء التي أثبت العلم أن لها دخلاً في الأنساب .

بينما لا يجوز التبرع بأي عضو يتوقف عليه إستمرار الحياة لأنه إنتحار ، وهو من أعظم الكبائر ( ياسين ، 1998 : 61 ) .

مراحل عملية زرع الأعضاء :

تعرف عملية نقل العضو أو زرعة بأنها نقل عضو سليم أو مجموعة من الأنسجة من متبرع إلى مستقبل ليقوم مقام العضو أو النسيج التالف .

وعملية النقل أو الزرع تمر بعدة مراحل :

1-تشخيص حالة المريض وإجراء التحاليل والفحوصات الطبية لكل من الشخص المستقبل للعضو والمتبرع به أو المأخوذ منه للتأكد من خلوة من الموانع الطبية .

2-إستئصال العضو السليم من المتبرع أو جثة الميت ثم يتم حفظ العضو المأخوذ إلى حين إجراء العملية .

3-إستئصال العضو التالف من جسد المريض وبعدها يزرع العضو السليم مكان التالف.

4-يستمر الأطباء في متابعة حالة كل من المستقبل للعضو والفاقد له وبخاصة الشخص المستقبل للعضو فلا يترك حتى يتم التأكد من إستقرار حالته وقبول الجسم للعضو الغريب وتحسن حالته

تاريخ ونشأة زراعة الأعضاء

يفيد إستقراء الندوات العلمية حول نقل الأعضاء البشرية أنها تعتبر حديثة بالمقارنة مع نظام الرق والعبودية الذي يرجع إلى القوانين القديمة ، وهناك الكثير من الدول التي أصدرت قوانين وتشريعات خاصة بنقل الأعضاء وزراعتها بالإضافة إلى إنشاء بنوك للعيون وذلك للإستفادة منها في زراعة قرنية العين.

وتجدر الإشارة إلى أن زراعة القرنية بدأت قبل زراعة الكلى وأن زراعة القلب والكبد والبنكرياس تعد حديثة بالمقارنة بالقرنية والكلى ، وأول من زرع القلب البشري سنة 1968 ، ود . مايكل ديفي الذي ولد في لبنان سنة 1953 وهاجر مع عائلته عام 1908 إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث قام بإصلاح ثقب بالقلب سنة 1953 ، وزرع أول قلب صناعي سنة 1966 ، وأجرى حوالي ستون ألف عملية في القلب ، أما أول التجارب العلمية في مجال زراعة الأعضاء فقد بدأت منذ بداية القرن العشرين في عام 1902 عندما أثبت الدكتور أولمان من فيينا إمكانية زرع الكلية عندما إستأصل كلية كلب من مكانها الأصلي وأعاد زراعتها في الأوعية الدموية لرقبة الكلب ، وفي العام نفسه نقل كلية كلب وزرعها في ماعز ، وعملت الكلية لفترة قصيرة ، وفي الفترة نفسها تمكن كارل في فرنسا من إتقان توصيل الأوعية الدموية و إعادة زرع الكل في القطط والكلاب بنجاح ، وكان أستاذ كارل ، كابولي ، قام للمرة الأولى سنة 1906 بنقل كلية من خنزير إلى إنسان وأعاد التجربة بنقل كلية من ماعز إلى إنسان وفي كلتا التجربتين عملت الكلية نحو ساعة فقط ، وعلى الرغم من الإتقان الجراحي في التجارب السابقة إلا أنه كان من الطبيعي فشل هذه العمليات لعدم الدراية في تلك الفترة بدور جهاز المناعة في الجسم في رفض العضو المزروع ، وبعد ازدياد معرفة الأطباء بعلم المناعة برز الاهتمام بزراعة الكلى مرة أخرى في بداية الستينات ، تم اكتشاف الأدوية المثبطة للمناعة وفي عام 1967 أجرى “توم ستارزل” أول عملية زرع كبد في الولايات المتحدة ، وكريستيان برنارد أول عملية زرع قلب في جنوب أفريقا ، وفي عام 1971 أجرى برنارد زراعة قلب ورئة للمريض نفسه ، وفي عام 1967 جاء العقار المثبط للمناعة ليرفع نسبة نجاح عمليات النجاح لزراعة الأعضاء ، الأمر الذي أدى إلى تحسين النتائج في عمليات زراعة زرع الكلى والتوسع في زرع أعضاء أخرى

الأسباب الفسيولوجية التي تبرز الحاجة إلى زرع أو الأعضاء

1-العيوب الخلقية : كأن يولد طفل مصابا بعيب خلقي يستلزم تغيير العنصر التالف .

2-الأمراض والإصابات : كأن يتعرض العضو إلى مرض أو إصابة غير قابلة للشفاء مثل الفشل الكلوي المزمن أو الفشل الكبدي ،أو عدم قيام البنكرياس بوظائفه ، أو التعرض للإصابة ببعض الأمراض كالسرطان ، إضافة إلى تعرض الشخص لإصابة أو حادث ستلزم إستئصال العضو التالف وزرع عضو بديل .

وقد سجل الاتحاد الأوروبي للغسيل الكلوي وزراعته عام 1975 م (41232) حالة فشل كلوي تم إجراء غسيل كلوي لها وزراعة (11650) كلية وأعتمد في الزراعة على مصادر كلى من متوفين فيما يقرب 95% من الحالات ومن متطوعين أحياء 4%

أسباب ومواطن إنتشار الظاهرة

1-كان للتطور العلمي أثره الواضح في الحد من النتائج السلبية التي تصاحب عملية التبرع بالأعضاء أو بيعها لزراعتها .

2-إصدار التشريعات المنظمة لنقل الأعضاء البشرية

3-تقنين وإشهار الجمعيات التي تهدف إلى تشجيع الجماهير على التبرع بالأعضاء والحصول على موافقتهم لتعويض إنسان في حاجة إليها سواء أثناء الحياة أو بعد الموات ، فكانت أول جمعية من نوعها في مصر والعالم لتشجيع التبرع وزراعة الأعضاء البشرية في 13/02/1994

4-زيادة الوعي والمعرفة بين الشعوب بعد إنتشار وسهولة الاتصال بشبكة المعلومات العالمية (الانترنت )

5-الضغوط النفسية والأدبية التي يتعرض لها المتبرع خصوصاً إذا كان المريض قريباً خاصة من الدرجة الأولى

6-الفتاوى الشرعية الصادرة عن أئمة الفقهاء وعلماء الدين حول مفهوم العمل الصالح والتضحية .

7-الدعاية الإعلامية وأثرها في ترتيب وتهيئة المناخ الاجتماعي حول أهمية تبرع المواطنين بأعضائهم خاصة تلك الأجهزة ذات الصلة بالتنشئة الاجتماعية

8-إجازة بعض التشريعات إمكانية نقل الأعضاء من المتوفين بدون موافقتهم أو موافقة ذويهم

9-المزايا الاجتماعية التي تمنح للمتبرع

وبالنظر إلى التقدم المذهل الذي بلغته التكنولوجيا الطبية ، فقد أصبح إنقاذ بعض المرضى أمراً متاحاً وهنا من الضرورة العملية التمييز بين حالات ثلاث من هذا الإنقاذ :

1-حالة تلف عضو من أعضاء الجسم لدى المريض و إمكان معالجته ذاتيا عن طريق الاستعانة بأعضاء أخرى في الجسم ذاته كنقل شرايين الساق إلى شرايين القلب التالفة .

2-حالة تلف عضو في جسم الإنسان وإستعداد أحد أفراد الأسرة أو العائلة أو غيرهم للتبرع بهذا العضو كالتبرع بإحدى الكليتين .

3-حالة تلف عضو في الجسم وليس ثمة من يتبرع بهذا الشأن ، وهي حالة ترتبت عليها ظاهرة الاتجار بالأعضاء البشرية وهي تجارة تمس الطبيعية الإنسانية شأنها شأن أدوات السيارة وغيرها من المكائن والآلات مما جعل هذه التجارة السوداء تزدهر .

ومن هنا يمكن الانطلاق في توضيح كيفية تجريم الاتجار في الأعضاء البشرية؟

حيث أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد وإنما نشأت عصابات تدير جرائم منظمة تقوم بأعمال تخالف الضمير الإنساني مثال ذلك :

1-إختطاف الأطفال وكذلك المشردين والمجانين والضعاف كي تقتلهم العصابات وتبيع أجسامهم بمبالغ طائلة .

2-سرقة الجثث سواء كانت جثث المحكوم عليهم بالإعدام و لا يوجد من يستلمها أو سرقة الجثث بعد دفنها في المقبرة .

وزبائن تجارة الأعضاء البشرية من الأغنياء في الأغلب الأعم ، لذلك انتبه المشرعون لهذه العمليات ، فقرروا تجريمها وحددوا عقوبات لها وابتدأت الجهات الأمنية بوضع أساليب وآليات لمكافحتها بشكل فعال .

الأعضاء البشرية بين التبرع والبيع والمتاجرة

ولكن وبعد التطرق للأسباب الايجابية التي تدفع للتبرع الذي يقوم به الإنسان من أجل الإنقاذ لحياة إنسان آخر لماذا تحولت هذه القضية الإنسانية إلى متاجرة وظاهرة إجرامية ؟؟؟

وللوقوف من أجل التصدي لظاهرة الاتجار بالأعضاء الجسدية خصصت دول العالم يوماً وطنياً للاحتفال باليوم العالمي للتبرع بالأعضاء وزراعتها الذي يصادف في 14/10 من كل عام حيث تخصص الكثير من الدول العديد من الجوائز التشجيعية للمتبرعين من خلال المراكز الرسمية وغير الرسمية والتي يطلق عليها مراكز زراعة الأعضاء أو بنوك الأعضاء كبنوك الدم وبنوك القرنيات والتي تحتوي على تقنيات علمية ومتقدمة لحفظ هذه الأعضاء ومنحها لمستحقيها عند الحاجة وفق أسس طبية وقانونية سليمة ، كما تساهم الدول من خلال العديد من الحملات الإعلامية في التركيز على أهمية التبرع بين جميع أعضاء المجتمع من أجل الحفاظ على المبادئ الاجتماعية الراقية التي تحض على التعاون والمساعدة بين جميع أعضاء المجتمع على المستوى المحلي والعالمي وهذا ما نراه في تنشره بعض الصحف المحلية في بعض دول العالم سواء من ناحية التوضيح لعمليات التبرع والزراعة لبعض الأعضاء من أجل المحافظة على أفراد المجتمع بأفضل صحة وأحسن حال نذكر هنا بعض المقتطفات الصحفية والإعلامية :

“أكدت مصادر طبية مطلعة إقليميا أن زراعة الأعضاء في العالم الإسلامي شهدت تطورا ملحوظا خلال الأعوام الأخيرة لكنها لازالت تعاني من شح في توفر الأعضاء يفوق الطلب، الأمر الذي تحتاج معه تجارب دول المنطقة إلى توظيف طاقات أطراف أخرى لترسيخ وعي المجتمع بأهمية زراعة الأعضاء لإنقاذ حياة الملايين من المصابين بأمراض مستعصية. وأجمع أكثر من مائتين طبيب واستشاري دولي وإقليمي متخصص في زراعة الأعضاء التقوا في مؤتمر عقد حديثا في القاهرة تحت شعار”مقومات النجاح لفترة أطول” إن زراعة الأعضاء في المنطقة تحتاج إلى مساعدة الحكومات ومؤسسات الإرشاد الاجتماعي ورجال الدين، وتفعيل دور مراكز التنسيق وآليات عملها وجهات متابعة محلية وإقليمية لاستثمار مختلف الإمكانيات المتاحة لتطوير هذه التجربة بشكل أسرع وأكثر جدوى.

وكشف الدكتور فيصل شاهين مدير عام المركز السعودي لزراعة الأعضاء أن المؤتمر الذي شارك فيه متحدثون من دول المنطقة وأوروبا وأمريكا، أشار أن عدم استفادة تجارب زراعة الأعضاء في دول العالم الإسلامي، من أعضاء المتوفين تمثل ابرز المصاعب التي تواجهها هذه التجربة في المنطقة. وإن أوراق العمل التي قدمت خلال المؤتمر ركزت على تجارب زراعة الأعضاء في المملكة العربية السعودية وإيران وباكستان وتجارب زراعة الكلى في كل من مصر والكويت”.

وذكر موقع صحة الإلكتروني في مجال التبرع بالأعضاء في عدده الصادر بتاريخ 10/10/2005 ما يلي :

“هل يجوز للمسلم أن يتبرع بعضو من جسمه وهو حي؟ بحيث يتصرف فيه بالتبرع أو غيره؟ أو هو وديعة عنده من الله تعالى، فلا يجوز له التصرف فيه إلا بإذنه؟ وكما لا يجوز له أن يتصرف في نفسه حياته بالإزهاق والقتل، فكذلك لا يجوز له أن يتصرف في جزء من بدنه بما يعود عليه بالضرر.

ويمكن النظر هنا بأن الجسم وإن كان وديعة من الله تعالى، فقد مكن الإنسان من الانتفاع به والتصرف فيه، كالمال، فهو مال الله تعالى حقيقة، كما أشار إلى ذلك القرآن بمثل قوله تعالى: (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم)، ولكنه ملك الإنسان هذا المال بتمكينه من الاختصاص به والتصرف فيه.

فكما يجوز للإنسان التبرع بجزء من ماله لمصلحة غيره ممن يحتاج إليه، فكذلك يجوز له التبرع بجزء من بدنه لمن يحتاج إليه.
والفرق بينهما أن الإنسان قد يجوز له التبرع أو التصدق بماله كله، ولكن في البدن لا يجوز التبرع ببدنه كله، بل لا يجوز أن يجود المسلم بنفسه لإنقاذ مريض من تهلكة أو ألم مبرح، أو حياة قاسية؟

وإذا كان يشرع للمسلم أن يلقى بنفسه في اليم لإنقاذ غريق، أو يدخل بين ألسنة النار، لإطفاء حريق، أو إنقاذ مشرف على الغرق، أو الحرق، فلماذا لا يجوز أن يخاطر المسلم بجزء من كيانه المادي لمصلحة الآخرين ممن يحتاجون إليه؟
وفى عصرنا رأينا التبرع بالدم، وهو جزء من جسم الإنسان، يتم في بلاد المسلمين، دون نكير من أحد من العلماء، بل هم يقرون الحث عليه أو يشاركون فيه، فدل هذا الإجماع السكوتي إلى جوار بعض الفتاوى الصادرة في ذلك على أنه مقبول شرعًا.
وفى القواعد الشرعية المقررة: أن الضرر يزال بقدر الإمكان، ومن أجل هذا شرع إغاثة المضطر، وإسعاف الجريح، وإطعام الجائع، وفك الأسير، ومداواة المريض، وإنقاذ كل مشرف على هلاك في النفس أو ما دونها.

ولا يجوز لمسلم أن يرى ضررًا ينزل بفرد أو جماعة، يقدر على إزالته ولا يزيله، أو يسعى في إزالته بحسب وسعه.
ومن هنا نقول: إن السعي في إزالة ضرر يعانيه مسلم من فشل الكلية مثلاً، بأن يتبرع له متبرع بإحدى كليتيه السليمتين، فهذا مشروع، بل محمود ويؤجر عليه من فعله، لأنه رحم من في الأرض، فاستحق رحمة من في السماء.

والإسلام لم يقصر الصدقة على المال، بل جعل كل معروف صدقة. فيدخل فيه التبرع ببعض البدن لنفع الغير، بل هو لا ريب من أعلى أنواع الصدقة وأفضلها، لأن البدن أفضل من المال، والمرء يجود بماله كله لإنقاذ جزء من بدنه، فبذله لله تعالى من أفضل القربات، وأعظم الصدقات.

وإذ قلنا بجواز التبرع من الحي، بعضو من بدنه، فهل هو جواز مطلق أو مقيد؟
والجواب: أنه جواز مقيد، فلا يجوز له أن يتبرع بما يعود عليه بالضرر أو على أحد له حق لازم عليه.من هنا لا يجوز أن يتبرع بعضو وحيد في الجسم كالقلب أو الكبد مثلاً، لأنه لا يعيش بدونه، ولا يجوز له أن يزيل ضرر غيره بضرر نفسه، فالقاعدة الشرعية التي تقول: الضرر يزال، تقيدها قاعدة أخرى تقول: الضرر لا يزال بالضرر، وفسروها بأنه لا يزال بضرر مثله أو أكبر منه.
ولهذا لا يجوز التبرع بالأعضاء الظاهرة في الجسم مثل العين واليد والرجل، لأنه هنا يزيل ضرر غيره بإضرار مؤكد لنفسه، لما وراء ذلك من تعطيل للمنفعة وتشويه للصورة.ومثل ذلك إذا كان العضو من الأعضاء الباطنة المزدوجة، ولكن العضو الآخر عاطل أو مريض، يصبح كعضو وحيد.،
ومثل ذلك: أن يعود الضرر على أحد له حق لازم عليه، كحق الزوجة أو الأولاد، أو الزوج، أو الغرماء وقد سألتني إحدى الزوجات يوما: أنها أرادت أن تتبرع بإحدى كليتيها لأختها، ولكن زوجها أبى، فهل من حقه ذلك؟
وكان جوابي: أن للزوج حقًا في زوجته، وهى إذا تبرعت بإحدى كليتيها فستجرى لها عملية جراحية، وتدخل المستشفى، وتحتاج إلى رعاية خاصة، وكل ذلك يحرم الزوج من بعض الحقوق، ويضيف عليه بعض الأعباء، فينبغي أن يتم ذلك برضاه وإذنه.
والتبرع إنما يجوز من المكلف البالغ العاقل، فلا يجوز للصغير أن يتبرع بمثل ذلك، لأنه لا يعرف تمامًا مصلحة نفسه، وكذلك المجنون.

ولا يجوز أن يتبرع الولي عنهما، بأن يدفعهما للتبرع، وهما غير مدركين، لأنه لا يجوز له التبرع بمالهما، فمن باب أولى لا يجوز التبرع بما هو أعلى وأشرف من المال وهو البدن. بحيث يتصرف فيه بالتبرع أو غيره؟ أو هو وديعة عنده من الله تعالى، فلا يجوز له التصرف فيه إلا بإذنه؟ وكما لا يجوز له أن يتصرف في نفسه حياته بالإزهاق والقتل، فكذلك لا يجوز له أن يتصرف في جزء من بدنه بما يعود عليه بالضرر”.

بيع الأعضاء البشرية

يكون بيع الأعضاء ، كبيع الدم ، الحيوان المنوي ، البويضة ، الكلى ، وقد تعددت الآراء الفقهية القانونية بشأن عملية بيع الأعضاء البشرية ويمكن تقسيمها إلى فريقين ، الأول يجيز عقد بيع الأعضاء البشرية ، والثاني يحرم بيع الأعضاء شرعا وقانونا :

الفريق الأول ويقدم الحجج التالية :

1-لا أثر لوجود الثمن على إنعقاد العقد صحيحا لأن الثمن مقابل العضو ، وبيع العضو المزدوج كالعين والكلية لا يتنافى مع الكرامة الإنسانية ،وإنما هو حماية إنسان لآخر من خطر الموت .

2-إن بيع جزء من الجسد كالدم والجلد ممن هو من الأعضاء المتجددة لا يتنافى مع حرمته فهذا لا يقوده للهلاك.

3-يجب ألا يترتب عن بيع العضو أية عاهة جسدية دائمة كما يجب ألا يكون البيع بدافع الشهرة .

أما الفريق الثاني فقدم الحجج التالية :

1-يحرم عقد بيع الأعضاء البشرية شرعا وقانونا فهو عقد باطل وذلك لأن محله ليس المال وإنما النفس أو الجسد البشري .

2-جسد الإنسان ليس محلا للتجارة ولا محلا للبيع بالتجزئة ، فالقيم الإنسانية تسمو على المال وبما أن المحبة أسمى القيم فيمكن أن يتبرع إنسان لآخر عن جزء من جسده بدافع المحبة لا المال .

زرع الأعضاء في الخارج

لمكافحة الاتجار في الأعضاء البشرية ترتفع أصوات تنادي بتحرير هذه العملية من أي ضوابط قانونية أو أخلاقية، كالفيلسوفة والاخصائية في مجال القضايا الأخلاقية التي تثيرها البحوث البيولوجية البريطانية جانات رادكليف ريشارد، والتي تدعو إلى تحرير تجارة الأعضاء من أجل حسن السيطرة عليها، ومن أجل تقديم المساعدة الطبية الضرورية لمانحي الأعضاء.

هذه الدعوة تجد معارضة شديدة من فيرمونت- مانغولد التي تعتقد إنها فكرة خطيرة، وبالنسبة إليها: “الأشخاص الذين يبعون كِلاَهم إنما يفعلون ذلك بدافع الفقر والفاقة، وحتى لو وجدت خدمة صحية خاصة بهؤلاء في البلدان الفقيرة، لن يستفيد من ذلك إلا عدد قليل منهم”. وذلك لأن هؤلاء الأشخاص الذين يقدمون على بيع أحد أعضائهم عادة يوجدون في أوضاع اجتماعية مزرية، وليس لديهم حتى القدرة على الانتقال لتلقي العلاج.

هذا الوضع الصعب يستغله أشخاص من الدول المتقدمة والغنية للحصول على الأعضاء البشرية. لان الحصول على هذه الاعضاء بطرق غير مشروعة غير ممكن في هذه الدول، لذلك يذهب هؤلاء الأشخاص إلى بلدان بعيدة للقيام بعمليات زراعة أعضاء.

وكشفت دراسة معمّقة أجرتها المؤسسة السويسرية لزراعة الأعضاء أخيرا على حد قول فرانز إيماّر أنه “لا يوجد أي سويسري قد عبر حدود سويسرا، خاصة إلى الصين، من أجل الحصول على زراعة أعضاء، لكن هذا لا يعني أن هذا النوع من الحالات منعدم بتاتا”.

فقد بينّ استقصاء حول الاتجار في الأعضاء نظّم في عام 2004 بواسطة اللجنة المديرة لأخلاقيات علم الأحياء واللجنة الأوروبية للصحة في العديد من البلدان الأوروبية وجود اشخاص يسافرون إلى خارج بلدانهم لإجراء عمليات زراعة اعضاء. بعض الفرنسيين على سبيل المثال يسافرون إلى إفريقيا، وإلى الصين والهند أو حتى إلى تركيا . بل إن بلجيكا نفسها تعتبر كمركز رئيسي للاتجار بالأعضاء.

والمانحين الملداف الذين لاقتهم فيرمونت- مانغولد خلال إنجازها لتقريرها كانوا قد باعوا كِلاهم في تركيا. في البداية تلقوا وعودا بالحصول على عمل في هذا البلد الذي يعتبر نقطة عبور بين قارتيْ آسيا وأوروبا. ولكنهم فوجئوا عند وصولهم إلى هذا البلد أن ذلك كان مجرد سرابا. لكن في المقابل للتعويض عن تكاليف سفرهم عُرض عليهم بيع إحدى كِلاهم بسعر يتراوح بين 2700 و4000 فرنك سويسري.

ولم يكن أمامهم من خيار إلا القبول. وبعد خمسة أيام غادروا المستشفى، وامتطوا حافلة أعادتهم إلى بلدهم الأصلي، وفي رصيدهم قليل من المال مقابل فقدان أحد أعضائهم، وختمت الباحثة تقول: “رأيت أحدهم في وقت لاحق، فأخبرني بأنه بفضل ذلك المبلغ من المال اشترى بيتا صغيرا لعائلته، لكن وضعه الصحي يشهد تدهورا خطيرا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top