مفهوم الحب فى الاسلام والحياة

مفهوم الحب فى الاسلام والحياة نقدم لكم مفهوم الحب على موقع لحظات معني الحب  والحب فى الاسلام والمزيد عن مقالات حول الحب على موقع لحظات مفهوم الحب , تفسيرات الحب , ادعاء الحب , معني الحب , مفهوم مع8ني الحب , معني الحب فى الاسلام

الحب في الله، والبغض في الله؛ أوثق عرى الإيمان؛ وفي هذا الدرس بيان أقسام الحب, وذكر نماذج من أولئك الأخيار الذين قدموا حب الله على حب غيره, ونماذج أخر من أولئك الذين قدموا محبة غير الله على محبة الله, فإن الحب والبغض عقيدة تستقر في القلب وتترجم على الأعضاء والأركان, وليست مجرد دعوى يدعيها صاحبها.

( مفهوم الحب في الإسلام )
للشيخ : ( عائض القرني )

الحب في الله، والبغض في الله؛ أوثق عرى الإيمان؛ وفي هذا الدرس بيان أقسام الحب, وذكر نماذج من أولئك الأخيار الذين قدموا حب الله على حب غيره, ونماذج أخر من أولئك الذين قدموا محبة غير الله على محبة الله, فإن الحب والبغض عقيدة تستقر في القلب وتترجم على الأعضاء والأركان, وليست مجرد دعوى يدعيها صاحبها.

 

مفهوم الحب فى الاسلام

الحب في الله، والبغض في الله؛ أوثق عرى الإيمان؛ وفي هذا الدرس بيان أقسام الحب, وذكر نماذج من أولئك الأخيار الذين قدموا حب الله على حب غيره, ونماذج أخر من أولئك الذين قدموا محبة غير الله على محبة الله, فإن الحب والبغض عقيدة تستقر في القلب وتترجم على الأعضاء والأركان, وليست مجرد دعوى يدعيها صاحبها.
أقسام الحب

إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم صل وسلم على من بعثته هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً بإذن الله وسراجاً منيراً.

أمَّا بَعْد:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وإن كان من شكر فإني أشكر الله تبارك وتعالى على أن أجلسني بين أساتذة وطلبة علم ودعاة، ثم أشكر لأهل الفضل فضلهم: (ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله تبارك وتعالى) فأشكر عميد هذه الكلية وهيئة التدريس، والأساتذة الدارسين، وأبدأ معكم موضوعي الذي هو: مفهوم الحب في الإسلام.

لقد جاء الإسلام فقنن وحدد العقائد والأفكار والتصورات والأخلاق، وضبطها ووجهها ولم يجعلها هملاً، وإنما هي موجهة من الواحد الأحد، فمن هذا المنطلق سوف نتكلم عن الحب وكيف وجهه الإسلام والرسول عليه الصلاة والسلام ولم يتركه، لأن كثيراً من الناس ظنوا أنهم يحبوا من شاءوا وفي أي وقت شاءوا وهذا خطأ، وهل العقيدة والعبادة إلا حب؟!

وهذه المحاضرة تدور على ست مسائل:

أولها: المحبـوبات عند الناس في القـرآن الكريم

ثانيها: حب الكـافر لغـير الله عز وجل.

ثالثها: ادعاء الحـب, ومن ادعى الحب وكذب فيه.

رابعهاً: محبة الله عز وجل ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم أعلى المطالب وأغلى المقاصد.

خامسها: علامة حب الله عز وجل والفاصل بين الذين يحبونه ولا يحبونه.

سادسها: هو الحب الرخيص الحقير التافـه الذي هو شؤم وأذى ولعنة ومقت على أصحابه، وسوف نقف مع أهل الحب الرخيص الفنانين والفنانات، والمغنيين والمغنيات، وأين صرفوا حبهم؟! وماذا فعلوا بحبهم؟! وما هو جزاؤهم عند الله إن لم يتوبوا؟!.

ذكر الإمام البخاري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على المنبر فتكلم -وهو يتكلم للناس في العقائد والعبادات- فلما انتصف صلى الله عليه وسلم في حديثه وإذا بأعرابي يقاطعه فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم وقال: مالك؟ قال: متى الساعة؟ فسكت عليه الصلاة والسلام فلما انتهى قال: ماذا أعددت للساعة؟ قال: يا رسول الله! والله ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة, ولكني أحب الله ورسوله, فقال عليه الصلاة والسلام: المرء يحشر مع من أحب) قال الحسن البصري معلقاً على الحديث: لا يخدعنكم الحب فحسب, فوالله الذي لا إله إلا هو لقد أحب قوم عيسى بن مريم حتى تألهوه فأدخلهم حبه النار، فهو حب بلا عمل.

وروى الغزالي في الإحياء عن ابن عمر أنه قال: [[والله, لو أنفقت أموالي غلقاً غلقاً في سبيل الله، وصمت النهار لا أفطره، وقمت الليل لا أنامه ثم لقيت الله، وأنا لا أحب أهل الطاعة، ولا أكره أهل المعصية، لخشيت أن يكبني الله على وجهي في النار]] فمن هذا المنطلق جعل الرسول عليه الصلاة والسلام الحب عقيدة، ففي سنن أبي داود بسند صحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله؛ فقد استكمل الإيمان) فهذه عقيدة وتصور وميول فمن صرفه لغير الله فقد أساء وتعدى وظلم.

والحب على قسميـن:

الأول: فطري جبـلي.

الثاني: كسـبي سبـبـي.

فأما الفطري الجبلي: هو حب جُبِل عليه العبد في ذلك، منها: حب الرجل الطعام، وحبه الماء، وحبه لابنه وزوجته.

أما الكسبي السبـبـي: فهو الإرادي الذي يحاسب الله عليه العبد إذا صرفه لغير مرضاة الله تبارك وتعالى.

ونقف قليلاً مع سؤال وجه لشيخ الإسلام ابن تيمية وذكره ابن القيم في روضة المحبين.

قال السائل: لماذا يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأنفال:45] كيف يأمرهم بذكره وقت الأزمات، أما هناك وقت للذكر إلا وقت مصارعة الأعداء والمقاتلة؟ قال ابن تيمية: إن المحبين يتشرفون بذكر محبوبيهم وقت الأزمات، أما سمعت لقول عنترة لما يقول لمحبوبته:

ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم

فكان الجاهليون يتمادحون لأنهم يذكرون محبيهم وقت القتال, فأراد الله أن يحول هذا المعتقد الآثم إلى ذكره في وقت الأزمات، ولذلك أفضل الذكر يوم يذكر العبد ربه وقت ملاقاته لقرنه أو مصارعه أو مبارزه.

مفهو الحب فى القرأن

المحبوبات في القرآن

يقول الله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14] فكل محبوبات الناس تدور على هذا، ولكن عند الله خير من هذا، ومن أحب هذا الشيء الذي ذكره الله، وأفنى حبه فيه وعبده، فليس له عند الله من خلاق، لأن الحب عبادة وإذا اجتمع مع الذل فهو كمال العبادة، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة) والحديث عند البخاري في كتاب الجهاد ونصه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدرهم, تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش) وإنما سماه عليه الصلاة والسلام عبداً؛ لأنه صرف حبه لهذه الأمور حتى غلبها على حب الله، ومن الناس من يحب زوجته أكثر من حب ربه تبارك وتعالى! وعلامة ذلك أن يقدم مطلوبها -ولو كان معصيته- على مطلوب الله سبحانه وتبارك.

من الذي أخرج حنظلة الغسيل من بيته وهو في أول يوم من عرسه إلى لقاء الله, وأتى إلى أحد وكسر جفن سيفه على ركبته، وقال: [[اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى]] إلا حب الله، وفي الأخير قال عليه الصلاة والسلام: (سلوا أهل حنظلة عن حنظلة ماله، فسألوهم، قالوا: خرج جنباً ولم يغتسل، قال: رأيت الملائكة بين السماء والأرض تغسله في صحاف الذهب بماء المزن) من الذي جعله في هذه الدرجة إلا حين غلب محبوب الله على محبوبه النفسي؛ ولذلك ترك كل شيء وخرج إلى لقاء الله، وسوف نمر بنماذج في العنصر الخامس إن شاء الله.

يقول الله سبحانه: وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً [الفجر:20] وهذا يدخل فيه نوعي الحب: سبـبـي كسبي، وفطري جبلي.

أما الفطري الجبلي: وهو أن الإنسان يحب المال بلا شك، وهو مفطور على ذلك، وأما الكسبي: فهو الذي يصل به إلى درجة العبودية للدرهم والدينار, فيسبح بحمده صباح مساء، ويجعله مقصده في الحياة ومطلوبه، فيكون كما قال الله تعالى: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً [الفرقان:43].

فمن جعل شيئاً أعظم من الله في قلبه وأحبه كان إلهه وكان مشركاً بالله.

ولذلك ذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ذلك: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة:165].
لا تقدم ملاذ الدنيا وحبها على حب الله ورسوله

وقد ذكر الله جل وعلا ملاذ الدنيا، فإن ملاذ الدنيا وشهواتها لا تخرج عن ثمانية أصناف ذكرها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة التوبة: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ [التوبة:24] من قدم شيئاً من هذه الثمان على حب الله، فلينتظر الموت ولينتظر اللعنة والغضب، ومن قدم هذه الأمور على الجهاد في سبيل الله وعلى طاعة الله فمعناه: أنه صرف الحب لغير الله، واستحق اللعنة والغضب من الله تبارك وتعالى، فهذه ملاذ الدنيا فمن قدمها على حب الله؛ فقد باء بغضب الله، يوم تأتي مصارعة حب الأب مع حب الله تبارك وتعالى، الأب يدعوك إلى المعصية، والله يدعوك إلى المغفرة وإلى جنة عرضها السماوات والأرض, وتعصي أباك حينها تكون محباً لله.

ومن أجلّ الصور قصة أبي عبيدة ولو أن في إسنادها نظر، لكن هي من قصص السير ولا بأس بإيرادها.

وقف أبو عبيدة عامر بن الجراح -أحد العشرة المشهود لهم بالجنة- يوم بدر فعرض له أبوه مراراً فجنح عنه بالسيف، فلما رآه معترضاً له وعلم أنه يدعوه إلى النار وعلم أنه يحارب الله؛ ضربه بالسيف فكان كأمس الدابر فقتله، فما كان من الله إلا أن جازاه في الحب حباً، وبالصدق صدقاً، وبالإقدام ثواباً وأجراً.

يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران:188] فهذا حب الجاه والشهرة, من أحب ذلك وقدمه على حب الله، فلا تحسبنه بمفازة من العذاب أبداً وله عذاب أليم.

يذهل الإنسان يوم يجد أهل الكفر والضلالة يستميتون من أجل مبادئهم ويحبون أصنامهم وطواغيتهم أكثر من حب أهل الإسلام لربهم تبارك وتعالى, يسهرون الليالي في إنتاج الخطط في محاربة الإسلام, يقدسون عظماءهم, ويقبلون صور عظمائهم، ثم نعجب حين نجد الإنسان لا يشعر بحرارة النخوة وعقيدته مع الله تبارك وتعالى.

يقول شاعر الضلالة والإلحاد الخوري:

هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم

بلادك قدمها على كل ملة ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم

يعني: يتخذ من دون الله أولياء ثم يموت في هذا الولاء ويحيا فيه؛ فما جعل الشيوعي، واليهودي والنصراني يستميت ويقاتل ويذبح إلا من أجل عقيدته، ولذلك يقول: هبوا لي ديناً: لا يهمني أي دين إلا دين يجمع العرب، فلا حيّ الله ذاك الوجه ولا بياه وعليه لعنة الله.

هبوا لي ديناً يجعل العرب ملة وسيروا بجثماني على دين برهم

برهم: المجرم الهندوكي السفاك. فيقول هذا: فأتوني بدين ولو كان على دينه، ثم يقول: لاتنظر إلى الأديان، بل بلادك الطين والتراب، فهذه عقيدته وهذا حبه وهو يلقى الله عز وجل:

بلادك قدمها على كل ملة ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم

أحد الناس الذين صرفوا حبهم لغير الله من الفسقة -ابن هانئ الشاعر- يقف أمام سلطان لا يملك ضراً ولا نفعاً، ولا حياة ولا نشوراً، ولا حكمة ولا تصريفاً.. ويقول لهذا الحشرة:

ما شئتَ لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهـار

سبحان الله! من هو الواحد القهار إلا الله, من هو الذي يحيي ويميت إلا الله، من الذي يغني ويفقر إلا الله!

قل للطبيب تخطفته يد الردى من ياطبيب بطبه أرداكا

قل للمريض نجا وعوفي بعد ما عجزت فنون الطب من عافاكا

والنحل قل للنحل يا طير البوادي من ذا الذي بالشهد قد حلاكا

وإذا ترى الثعبان ينفث سُمَّهُ فاسأله من ذا بالسموم حشاكا

واسأله: كيف تعيشُ يا ثعبانُ أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا

ستجيب بلسان حالها: اللـه.

فهذا صرف معتقده ونسي نفسه وخلع حبه يوم دخل على هذا السلطان:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار

فما كان جزاؤه؟

والله قد يعجل بالجزاء ليجعل بعض الناس عبرة للمعتبرين، فهذا الشاعر أتاه مرض عضال فأخذ ينبح كما ينبح الكلب على فراشه، وتذكر تلك الكلمة الخاسئة الحقيرة التي صرف الحب فيها لغير الله فقال:

أبعين مفتقر إليك نظرتني فأهنتني وقذفتني من حالق

لست الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق

فخر على وجهه فوقع على أرض سحيقة لأنه أشرك بالله.

وهذا المتنبي الشاعر يقول لـعضد الدولة:

أروح وقد ختمت على فؤادي بحبك أن يحل به سواكا

فضيعه الله في الدنيا والآخرة، فلا حصل على حب الناس في الدنيا أو على مكانة فيها وضيعه في الآخرة كذلك، والأمر عند الله؛ لأن أعماله شهدت له بمقال أنه صرف حبه لغير الله تبارك وتعالى.

وبعض الناس يجعل الرياضة إلهاً من دون الله فيحبها حباً شديداً، يسبح بحمدها, فيصبح عليها ويمسي عليها، ويوالي على فريقه ويعادي عليه, وهل العبادة إلا الحب والبغض؟!

وهل العبادة إلا الولاء والبراء؟!

وهل العبادة إلا الميول؟!

ولذلك يغضب حين يجد إنساناً يناوئه على فريقه أو على نصر منتخبه، فهل هذه أمة تريد بحبها وجه الله؟!

وهل هذه أمة رسالة؟!

قد رأينا جميعاً بعض الناس يوالون على مغنيين، ومغنيات, وما جنين وماجنات, أحياء وأموات، فيتعصب لهؤلاء وهم أرخص الناس ثمناً وأقلهم سعراً في الأسواق، وهؤلاء لا عقل ولا دين كمثل أحد الصوفية كان يقرأ قوله تعالى: فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ [النحل:26]: (فخر عليهم السقف من تحتهم) لأن الأصل أن السقف من فوق، لكن لا عقل ولا دين:

ولـو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان

لهان عليّ ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني

بطلان ادعاء الحب

الدعوى سهلة, يقول أحد الصالحين: لا تعرضوا حب الله على الألسن فتدعيه، وادعاء حب الله سهل عند الناس جميعاً, فتارك صلاة الجماعة وهو يصلي -رغم قوته- في بيته كالعجوز، تقول له: لماذا لا تصلي في المسجد؟ قال: الله يعلم أني أحبه. وكذب لعمر الله! لو كان يحب الله ما تأخر عن الصلاة في المسجد:

يقول محمد إقبال معبراً عن حبه لمولاه:

نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا

جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا في مسمع الروح الأمين فكبرا

المحبة تستلزم الطاعة

ثابت بن عامر بن عبد الله بن الزبير، قال: يا رب! أمتني ميتة حسنة, قالوا: وما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد، فطالت به الحياة وعلم الله أنه صادق: فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ [محمد:21].. وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] وأتت إليه منيته في وقت صلاة المغرب، فإنه لما كان في حالة الموت فسمع: حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح، قال: احملوني إلى المسجد، قالوا: أدركك الموت, قال: أسمع حي على الصلاة حي على الفلاح ولا أقوم, لا والله! فنقلوه فلما أصبح في السجدة الأخيرة قبض الله روحه.

فهذه هي الميتة الحسنة.

فأهل الحب هم أهل الإيمان والحب والطموح.

قال أبو الحسن الندوي في معرض كتابه مسيرة الحياة: عين بلا إيمان مقلة عمياء، وأمة بلا إيمان قطيع من ظأن وغنم، ونحن نقول: كتاب بلا إيمان كلام مصفف، وقصيدة بلا إيمان كلام ملفف، وعقل بلا إيمان ضلال وضياع وخسار ودمار وعار، لينتبه كل منتبه أن العقل لا يأتي بالدعوى, يقول ابن القيم في مدارج السالكين، وهو يتلطف مع المحبين، ويتكلم عمن يدعي حب الله عز وجل ثم يكذب، أقواله في واد وادعاؤه في واد آخر:

أصحيح أن من يحب الله عز وجل يتدثر في فراشه وصلاة الفجر ينادى إليها؟ كذبٌ والله! إن هذا لم يحب الله، ولو أحب الله لأتى بيت الله، ولصلى مع المسلمين, ولتشرف بوضع جبهته في الأرض، فإن الذي لا يضع جبهته في الأرض لله يضعها لغير الله، والذي لا يمد يده سائلاً الله, يمدها لغير الله, وهذه قاعدة.

فلا بد للإنسان من إله: الله أو غيره, لذلك يقول ابن تيمية: الإنسان همام حارث -كما في الحديث الصحيح- لا بد لقلبه أن يهم ولا بد له أن يزاول شيئاً، فلا بد له من إله يألهه وهو الله تبارك وتعالى، واسم “الله” معناه الذي تألهه القلوب وتحبه، ولا يركن القلب ولا يرتاح القلب إلا مع الله.

وقد ذكر عن سيبويه النحوي: أنه رئي في المنام فقالوا: ماذا فعل الله بك؟ -سيبويه توفي وعمره (32 سنة) وقد ألف في النحو، ولو كان في الكتب معجزة -غير كتاب الله وسنة المصطفى- لكان هذا الكتاب، ولكن كتاب الله هو المعجز ونستغفر الله, لكن قالها أبو حيان المصري النحوي- فلما رئي في المنام، قالوا: ماذا فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قالوا: بماذا؟ قال: قلت في باب المعرفة: الله أعرف المعارف.

فهو عندما أتى إلى اسم الجلالة ليعرفه للنحاة لم يعرفه بل قال: الله أعرف المعارف وسكت، ثم أخذ في الكلام، وهذا كلام عجيب، وهو أعرف المعارف سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] وابن القيم يتحدث عن ادعاء الحب فيقول: تقول امرأة لرجل يدعي حبها:

ولما ادعيت الحب قالت كذبتني أليس أرى الأعضاء منك كواسيا

تقول: لو كنت صادقاً لنحل جسمك من الحب، ولظهر عليك علامات الحب، أما أن تتظاهر بالحب وأنت تنام الليل، وتأكل ما اشتهيت، وأنت سمين، فأين آثار الحب عليك؟

ولذلك يقول ابن المبارك:

تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع

لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع

فيقول: كذب من ادعى المحبة، وفي أثر إسرائيلي: كذب من ادعى محبتي، فإذا ضمه الليل نام عني ولم يقم يناجيني, أو كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, وهذا من أحاديث الإسرائيليات نرويها باعتبار: {حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج}.

فالحب ادعاه قوم كثير وهو في المسلمين كثير وكثير، حتى من الفسقة الفجار ممن يحمل الكأس، ويعيش للمرأة، ويسمع الأغنية، ويعاصر الخلاعة، فإذا قلت له في ذلك ادعى حب الله، وهذا أكبر ادعاء وبهتان في الأرض وهو إفك وبهتان وزور مبين.
محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلى المطالب وأعظم المقاصد

ومحبة الله عز وجل ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم أعلى المطالب وأعظم المقاصد، فآخر ما تصل إليه من درجة العبودية أن تحب الله أكثر من نفسك وأهلك ومالك، ومن الناس أجمعين، وتحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الحب.

في صحيح البخاري قال عمر: (يا رسول الله! والله إنك أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال عليه الصلاة والسلام: لا يا عمر! حتى أكون أحب إليك حتى من نفسك، فانتظر قليلاً ثم قال: والله -يا رسول الله- إنك أحب إلي من نفسي) فهذا هو منتهى الحب.

وفي الصحيحين عن أنس يقول عليه الصلاة والسلام: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار) فمن وجد هذه الثلاث وجد حلاوة الإيمان ومنتهاه وأصله فهنيئاً له، ومن لم يجد ذلك فليبكِ على نفسه.

وحب الله من أعظم المقاصد والمطالب، يقول ابن القيم في الفوائد في قوله تعالى: يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54] ليس العجب من قوله: (يُحِبُّونَه) فإن من أطعمك وكساك ومن خلقك ورزقك تحبه جبلةً وأصلاً، ولكن العجب من قوله: (يُحِبُّهُمْ) فالله خلقهم ورزقهم، وأعطاهم الأسماع والأبصار، ثم يحبهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وأعطاهم النفوس ثم اشتراها منهم وأعطاهم الجنة ثمناً فكان الربح لهم.

أتى جبريل بصك أملاه الواحد الأحد ووقع فيه محمد: السلعة الجنة، والثمن أرواح المؤمنين، فتقدم من يشتري تلك السلعة فقدموا أرواحهم في بدر وأحد وارتفعت أرواحهم إلى الحي القيوم، فكلمهم الله كفاحاً بلا ترجمان: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111].
صور من محبة الصحابة لله

قال ابن القيم في زاد المعاد وهو يتحدث عن بيع جمل جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري أبوه أتى إلى يوم أحد فلبس أكفانه, ومعنى لبس الأكفان: أنها ساعة الخطر والصفر, فلا عودة إلى الحياة، ولا محاب إلا محبة الله، لا زوجة ولا ولداً ولا داراً ولا مالاً:

ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى

أم من رمى نار المجوس فأُطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا

ومن الألى دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا

أتى إلى المعركة فأخذ غمد سيفه وكسره على ركبته -وهذا في أحد وحديثه في الصحيح- وقال: [[اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى]] فقتل، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام لـجابر: {ابك أو لا تبك والذي نفسي بيده, ما زالت الملائكة تظل أباك بأجنحتها حتى رفعته} وفي حديث حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {يا جابر! والذي نفسي بيده, لقد كلم الله أباك كفاحاً بلا ترجمان، فقال: تمن يا عبدي , قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، قال: كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فأتمنى أن ترضى عني, قال: فإني قد رضيت عنك، فأحل الله عليه رضوانه وعلى إخوانه من الشهداء, وجعل أرواحهم في حواصل طير ترد الجنة فتأكل من ثمارها، وتشرب من مائها، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش حتى يرث الله الأرض ومن عليها} وأنزل الله قوله: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:169-171].

جابر أتى بجمله يضربه في غزوة لأن الجمل تحير عليه, فأتى عليه الصلاة والسلام فأخذ العصا فضرب الجمل -والحديث في الصحيحين – فتحرك الجمل حتى قال جابر: كنت أحبسه لا يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ صلى الله عليه وسلم يداعبه بكلام الأحباب بالسحر، فقال له وهم يمشون في آخر الليل: {يا جابر! أتزوجت؟ قال: نعم. قال: بكراً أم ثيباً؟ قال: ثيباً، قال: هلا بكراً تداعبها وتداعبك؟ قال: إن لي أخوات وقد قتل أبي – يعني: في أحد – وترك عندي سبع أخوات فأردت امرأة تقوم على شئونهن, فسكت عليه الصلاة والسلام، ثم قال: يا جابر! أتبيعني جملك؟ قال: ما ترى يا رسول الله! فشراه بأوقية، فلما ذهب اشترط جابر حملانه إلى المدينة، قال: فدخلت المسجد فصليت ركعتين -وفي لفظ: قال له صلى الله عليه وسلم: صلِّ ركعتين- فلما أتى قال لـبلال: انقده الثمن, فأعطاه الأوقية, فولى جابر فأخذ الثمن وترك الجمل، قال: يا جابر! تعال خذ الجمل والثمن، فساق الجمل والثمن} قال ابن القيم: كأنه يشير إلى قصة أبيه عبد الله يوم أعطاه الله روحه ثم أخذ روحه وأعطاه الجنة، فهو الذي أعطى في الأولى والثانية: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111]. فهذا هو حب الصحابة لله تبارك وتعالى.

وفي السير عند ابن هشام وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم: {وقف قبل معركة أحد يعلن الحرب على أبي سفيان على المنبر، ويتحدث للناس ويشاورهم: أنقاتل في المدينة أم نخرج خارج المدينة؟ فقال كبار الناس: يا رسول الله! دعنا نقاتل هنا, فقام شاب من بني سالم، ققال: يا رسول الله! لا تحرمني دخول الجنة، فوالله الذي لا إله إلا هو! لأدخلن الجنة, فقال عليه الصلاة والسلام وهو يتبسم: بم تدخل الجنة؟ -هل يحلف على الله أحد؟! هل يقسم على الله فرد من الناس،ومن يدر بأحكام الله تبارك وتعالى؟!- قال: بخصلتين، قال: ما هما؟ قال: إني أحب الله ورسوله ولا أفر يوم الزحف، قال عليه الصلاة والسلام: إن تصدق الله يصدقك، وبدأت المعركة يوم السبت ودارت رحاها وأتى الصادق -يوم يوف الله الصادقين بصدقهم- فصدق الله فقتل، ومرّ عليه الصلاة والسلام على البواسل من الجنود فوجد هذا فأخذ يمسح التراب عن جبينه وتدمع عيناه صلى الله عليه وسلم ويقول: صدقت الله فصدقك الله} يقول محمد إقبال:

أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا

لم نخش طاغوتاً يحاربنا ولو نصب المنايا حولنا أسوارا

وكأن ظل السيف ظل حديقة خضراء تنبت حولنا الأزهارا

إلى أن يقول:

كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا

لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا

عبدة الدينار, عبدة الحلي, عبدة المناصب، عبدة الوظائف -نعوذ بالله أن نكون منهم- لأنهم أحبوا هذا أكثر من حب الله، وعلامة ذلك: ذكرهم لها في المجالس والولاء البراء والحب والبغض من أجلها والانقياد لها أكثر من الحب لوجه الله عز وجل.

جعفر بن أبي طالب من الذي أخرجه فترك أهله وماله وولده وأحبابه؟ وقبل المعركة ماذا فعل؟ كسر غمده، وكسر الغمد عند العرب ليس بالأمر السهل، إذا كسر الرجل غمده على ركبته فهذا يعني: ساعة الصفر وأنه لن يعود أبداً، من الذي جعله يكسر غمده؟ إنه حب الله فيقـول:

يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها

والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها

عليّ إن لاقيتها ضرابها

فقاتل حتى الظهر فقطعت يمينه, ولو كان يقاتل لغير الله فأتته نخسة برمح والله لا يثبت في المعركة, والروس يفرون الآن من أفغانستان , حتى إنهم رفعوا أصابع النصر يوم انسحبوا مهزومين، لماذا؟ لأنهم يقاتلون للطواغيت ولا يقاتلون لله، يحبون الحياة:

فروا على نغم البازوك في غسق فقهقهت بالكلاشنكوف نيرانُ

والذي يقاتل لله لا يفر ولا ينسحب, فقطعت يده اليسرى فضم الراية بعضديه, فكسرت الرماح في صدره فهوى شهيداً وأبدله الله بجناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء, وهذا أعلى الحب.

عمير بن الحمام في بدر يقول له صلى الله عليه وسلم وللناس: {والذي نفسي بيده! ما بينكم وبين الجنة، إلا أن يقتلكم هؤلاء، فيقول الأنصاري عمير بن الحمام -الذي لا يملك إلا الرمح, ولا يملك إلا الثياب البالية, ولا يملك إلا حفن التمر في يده-: يا رسول الله! أسألك بالله ما بيننا وبين هؤلاء إلا أن يقتلنا هؤلاء؟ قال: إيه والذي نفسي بيده, قال: والله إنها لحياة طويلة إذا بقيت إلى أن آكل هذه التمرات، ثم رمى التمرات فقاتل حتى قتل -وفي لفظ في السيرة- وخلع درعه من على جنبه}.

وفي الحديث: {ويعجب ربك من الرجل يلقى العدو حاسراً} ولذلك يقول الأول فيه وفي أمثاله:

ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أعقابنا تقطر الدما

تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما

أنس بن النضر:

من الذي جعله يزحف حتى يقول سعد: [[هون عليك رويداً رويداً؟ قال: إليك يا سعد! والذي نفسي بيده! إني لأجد ريح الجنة من دون أحد، فقاتل حتى قتل]] فما عرف إلا ببنانه، ووجدوا فيه بضعاً وثمانين ضربة؛ لماذا هذا؟ إنه حب الله عز وجل، والمطلوب منا نحن ليس أن نسفك دماءنا، فالحمد لله ليس عندنا سفك دماء، بل أكل خبز وشرب ماء، وصلاة في الجماعة في الصف الأخير! ثم إذا صلينا نظرنا إلى الفسقة الذين هم أسفل منا في الدين, وقلنا: نحن كالصحابة نصلي خمس صلوات في المسجد، وهذا هو حال المتخلف يوم ينظر إلى الأقل منه، لكننا ما نظرنا في الدنيا إلى الذين هم أقل بل نظرنا إلى من فوقنا، فكلما تواصينا بالزهد؛ قلنا: نحن على خير ونحن أفضل من كثير من الناس, أوما رأيت إلى أولئك وأولئك كم عندهم من الدور والقصور والسيارات! فرضينا في الدين بالهون والدنية، ولم نرض في الدنيا إلا بأعلى شيء وقمته، وهو ليس بقمة وليس بأعلى.

فمحبة الله عز وجل هي أعلى المطالب وأعلى ما يطمح إليه المؤمن بلغني الله وإياكم محبته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

علامات محبة الله

علامات محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

كل يدعي المحبة لكن هناك علامات وإذا لم يأت الإنسان بشهود فهو كاذب:

والدعاوى إذا لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء

ولو أعطي الناس بدعواهم لادعى الخلي حرقة الشجي، وحديث ابن عباس: (لو أعطي الناس بدعواهم, لادعى أناس دماء أناس وأموال أناس).

ولو كان كل إنسان يسلم له بدعواه لأخر أناس صادقون وقدم قوم كاذبون.
بيع النفس لله

أما أعظم علامة من علامات حب الله عز وجل: هي بيع النفس.

وبيع النفس هي أول خطوة من خطوات الهجرة, أن تبيعها من الله الواحد الأحد فتغضب لله وترضى لله وتقدم لله، وتعطي لله، وتحب وتبغض لله، وقد ذكرت نماذج من الذين باعوا أنفسهم حقيقة: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111].
الإقبال على الطاعات

ومن علامات حب الله عز وجل: الإقبال على الطاعات, والانتهاء عن المخالفات. من سمع الأذان ولم يأت إلى المسجد بلا عذر فإنه لم يحب الله.

من هجر القرآن فلم يقرأ فيه, وقدم قراءة المجلة الخليعة والجريدة التافهة على كتاب الله فما أحب الله.

من جلس مع رفقاء السوء وهجر الصالحين وما جالسهم فما أحب الله.

من تخلف عن النوافل وعنده بسطة في الجسم وسعة في الوقت فما أحب الله.

من أغلق قلبه عن الذكر فما ذكر الله وما تلذذ بذكره وما أحب ذكره فما أحب الله.

فهذه علامات تظهر، وعلامات المحبين بيع النفس:

يجود بالنفس إن ظن البخيل بها والجود بالنفس أغلى غاية الجود

ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين؛ منزلة المحبة, ويذكر ابن القيم عشرة أسباب للمحبة نذكر منها:
قراءة القرآن

قراءة القرآن بتدبر، فإذا رأيت الإنسان يحب المصحف ويتلذذ بالقراءة بالمصحف فاعرف أنه من أحباب الله.
كثرة ذكر الله

ومن العلامات كثرة الذكر:

إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس

أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].. فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152].. {سيروا هذا جمدان سبق المفردون، قالوا: يا رسول الله! وما المفردون؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات} وفي الترمذي عن عبد الله بن بسر: {أن رجلاً أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ فأخبرني عن شيء أتشبث به, قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} فإنسان لا يذكر الله كثيراً فشك فيه، يقول الله في المنافقين: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً [النساء:142] سبحان الله! منافق يذكر الله! ولكن ليس عنده ذكر إلا قليل, وأنت تعرف الناس بتصنيفات، فإن الناس على محبوباتهم الذي يبيع الغنم يريد أن يتكلم الناس في الظأن والماعز كما قال الغزالي، فتجد حبه في الكلام على الغنم، والبنّاء لا يتكلم إلا في البناء, والنساج والنجار وغيرهم.

أما أولياء الله إذا جلسوا في مجلس لهجو بلا إله إلا الله والله أكبر ليذكروا الله:

إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس

تجده دائماً يريد أن يتحدث في الله عز وجل, وهذا أعظم شيء للإنسان في الحياة، فتجده يقول -مثلاً-: هل سمعتم ما قيل في هذه المسألة؟ لأنه يحمل الإيمان والحب والطموح، أما التافه فهو يتكلم في التافهات، يسميها ابن تيمية في المجلد العاشر (مجريات الحياة): وبعضهم ما يريد مجريات الحياة، وليس له هم إلا أن يتكلم في الدنيا، ويجمع من أخبارها، ثم تذهب وتسحق: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد:17] ولذلك تأتي بضاعتهم يوم القيامة مزجاة ولا يقبل ذاك اليوم إلا بضاعة خرجت وعليها ختم محمد صلى الله عليه وسلم من طيبة، أما الختوم الأخرى فإنها لا تقبل عند الله.

ومن علامات حب الله:
تعظيم الشعائر

وذُكر عن بشر الحافي في شبابه أنه وجد صحيفة على الأرض مكتوب فيها: الله -هل تعلم له سمياً؟ هل تعلم أعظم من الله؟- فقال: يا رب! سبحانك تباركت وتعاليت يداس اسمك! والله لأطيبن اسمك, فأخذ الصحيفة وطيبها وعلقها, فسمع قائلاً وكأنه في المنام: يا من طيب اسم الله! ليطيبن الله اسمك، فرفع الله اسمه، فهو من العباد الكبار الذين تطيب بذكرهم المجالس؛ لأنه طيب اسم الله.

يقول أحد الصالحين -وقد ذكر هذا الذهبي عن الإبيوردي -: ما نمت في غرفة فيها مصحف، وذلك تعظيماً لشعائر الله.

الإمام أحمد – وهذا في ترجمة إبراهيم بن طهمان الراوية في الصحيحين، فهو راوية البخاري ومسلم – ذكروا عنده إبراهيم بن طهمان فقال: أجلسوني, فأجلوسه -في سكرات الموت- قالوا: كيف وأنت مريض؟ قال: نذكر الصالحين ونحن على جنب ولا نقعد! لا والله، وهذا من تعظيم شعائر الله.

قالوا لـسعيد بن المسيب: نريد أن تحدثنا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أجلسوني، قالوا: أنت مريض، قال: أيذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ممدود مضطجع؟! فأجلسوه فتكلم.

وسئل الإمام مالك وهو يمشي, قال: الحديث لا يسأل عنه والإنسان يمشي.

ويقول ابن المبارك: كنت مع الإمام مالك في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام فلدغته عقرب, فأخذ يتغير وجهه, فلما انتهى قلت: مالك؟ قال: لدغني عقرب فكشف عن ساقه فإذا لدغ العقرب عليها واضح، فقلت: ولم لم تقطع الحديث؟ قال: أأقطع حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم في لدغ عقرب؟! ثم نفث في يده وقرأ ورقى رجله فكأنما بها قلبة.

وهذا عباد تصيبه الأسهم وهو يقرأ سورة الكهف فما قطع الصلاة، قال له أخوه وزميله: لماذا لم تقطع الصلاة، قال: أقرأ كلام ربي وأقطعه من أجل هذا؟! لا والله، ثم يقول: لولا مخافتي أن يظهر العدو علينا، لبقيت حتى أتم السورة.
الحب الرخيص

الحب الرخيص التافه حب المرأة والكأس، وحب الماجنين والماجنات، والمغنين والمغنيات، والفنانين والفنانات الأحياء منهم والأموات.

والفنان في لغة العرب هو: الحمار المخطط -الحمار الوحشي المخطط- وأكله حلال لكن أكل الحمار الإنسي حرام.

أما الفنان الوحشي المخطط فأكله حلال؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يوم خيبر أذن به وحديثه صحيح عن أبي قتادة وغيره، أما الإنسي فلا يؤكل.

فهؤلاء صرفوا الأمة وصرفوا القلوب عن باريها وهم أعداء الأمة في مسألة الحب، واسمع إلى بعض النماذج، يقول أحدهم -وهو يصرف قلوب الناس إلى غيرالواحد الأحد-:

يا من هواه أعزه وأذلني كيف السبيل إلى وصالك دلني

السبيل إلى النار خذها على يسارك ولك مقعد في النار إذا لم تتب، فالوصول إنما هو إلى الله الواحد الأحد.

يا من هواه أعزه وأذلني

نعم. لأنك ذللت لغير الله فأذلك الله، فهم في ذلة في الحياة الدنيا، والعجيب أنهم لا يخجلون لكن دعاة الحق يخجلون، فيخجل الإنسان أن يتكلم في الدعوة وأن يخطب فيها، وأن يكون إماماً في الدعوة، يقول: أنا لا أستطيع أن أخطب في جماعتي وأن أصلي بهم، والفنان أمام الملايين لا يخجل فيذل نفسه وعقيدته ويتكلم أمام الملايين، أتدرون من المخاطب فيها؟ إنها امرأة ماجنة, امرأة حرام وليست في الحلال.
حديث: (من عشق فعف …. ) حديث باطل

وبعضهم يستدل ويتنطع بحديث: {من حب فعف فكتم فمات؛ مات شهيداً} هذه شهادة نابليون وهتلر، وهؤلاء الأقزام الحقراء الكلاب، وليست شهادة تدخل الجنة؛ لأنه مات من أجل امرأة, وهذا لا يوجد في العالم, فليس هناك رجلاً حب فعشق فكتم فمات فهو شهيد، لا يوجد هذا من يوم خلق السماوات والأرض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لم يوجد هذا الصنف، ما وجد أن واحداً يحب ويعف ويكتم حتى يأتي بفاحشة، وهذا الحديث أورده ابن خلكان وسكت عنه لأنه يوافق مشربه, وابن خلكان كان يسكت عن الأشعار وهو عنده حديث، حتى يقول الذهبي: سكت عن ابن الراوندي كأن الكلب ما أكل له عجيناً، لماذا لا يتحمس, ويعلق على هذه الأحاديث؟

فلذلك قال ابن القيم في زاد المعاد: والله الذي لا إله إلا هو لو كان سند هذا الحديث كالشمس لكان باطلاً ولم يقله النبي صلى الله عليه وسلم، لو كان سنده سفيان الثوري ومالك وأحمد والشافعي لكان الحديث باطلاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يقول هذا للناس: من عشق وعف وكتم ومات مات شهيداً.

فهل صحيح أن شخصاً يحب امرأة ويعشقها حراماً، ويكتم حبها ثم يموت فيدخله الله مع جعفر وسعد بن معاذ، وأنس بن النضر؟! قطعاً لا يدخل الجنة من هذه الطريق إلا أن يكون له حسنات غير ذلك.

والثاني يقول:

هل رأى الحب سكارى مثلنا

وهذه منقولة، ورأيت أحد المفكرين ينقلها عما يسمونه كوكب الشرق وهي ظلام الشرق، تلك التي فتنت الأجيال والجماهير ووقفت تصد الشباب عن الله، وميراج إسرائيل يغطي ضوء الشمس عن الأرض ويقصف بالطائرات.

شاعر اليمن البردوني وهو أعمى القلب والبصر:

فأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارها الخطب

يقول: أسقطنا الطائرات بالخطب, وشاعر آخر يقول:

شجباً ونكراً وتنديداً بغارتها الله كم نددوا يوماً وكم شجبوا

كيف انهزمنا وما تلك بعادتنا سيسأل السيف عنا والقنا السلب

لكن انهزمنا لما سمعنا لكوكب الشرق وظلامه وخسارته, وإسرائيل لا تعرف الغناء والمجون والرفاهية للجيش, وتقصف أرضنا وتأخذ حدودنا ومقدساتنا وتقتل نساءنا وأطفالنا ونحن مع المغنين والمغنيات والماجنين والماجنات.
من أمثلة الحب الرخيص

هذا هو الحب الرخيص الذي صرف لغير مرضاة الله عز وجل, والحب الرخيص موجود من القرون الأولى يقول أحدهم:

حج الناس في عفاف وطهر محرمين لوجه الواحد الأحد

فهذا الحاج لا يحب الله كثيراً، فهو يبحث -انظروا في أعظم المواقف- في الحرم الذي هو بيت الله عز وجل الذي جعله مثابة للناس وأمناً, فينسى الله وينسى حبه الوقوف بين يديه، فينظر إلى امرأة أتت من الطواف إلى البيت تريد الباب فنسي كل شيء وأخذ يتغنى في الحرم، فهذا شاعر ماجن:

قف بالطواف ترى الغزال المحرما حج الحجيج وأراد يقصد زمزما

لو أن بيت الله كلم عاشقاً من قبل هذا كاد أن يتـكلما

فهذا هو الحب الحقير الذي يحاسبه الله بما قال وبما اقترف، ولي مقطوعة أرد عليه:

قف في الحياة تر الجمال تبسما والطل من ثغر الخمائل قد همى

والمؤمن اطلع الوجود مسلماً أهلاً بمن حاز الجمال وسلما

لا والذي جمع الخلائق في منى وبدا فأعطى من أحل وأحرما

ما في جميع الأرض أجمل منظر من مؤمن لله جد ويمما

فهذا هو الجمال وهذا هو الحب، أما من يتغزل بهذه الأمور ويصرف هذا إلى غير الله فقد كذب على الله.

أحد الصالحين خرج من بيته، فلما أصبح في الصحراء رفع طرفه إلى السماء ورفع أصبعه، وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بكى وقال:

وإني لأستغشي وما بي غشوة لعل خيالاً منك يلقى خياليا

وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس في السر خالياً

{ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه} وأصل هذا البيت لـمجنون ليلى يقول:

ومحبوبة يخلو في الخلاء لعل طيفاً يلقاه منها

ويستغشي وما به غشوة ويغمى عليه وما به إغماء، لعله أن يراها في المنام، فهذا سُلب إرادته وحبه وطموحه.

وهذا المتنبي شعره شعر قوي في القمة، لكنه أساء كل الإساءة يوم صرفه لمخلوق، يقول:

فومن أحب لأعصينك في الهوى

فهو أقسم بمحبوبه وهي امرأة، نعوذ بالله من الخذلان والحرمان.

يقول ابن القيم في بدائع الفوائد عمن صرف حبه لغير الله وهو أبو فراس الحمداني الشاعر:

وأبو فراس سجن في سجن في أرض الروم, فأرسل لابن عمه سيف الدولة رسالة يقول فيها:

فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب

إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب

وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب

قال: أحسن كل الإحسان في نظم الأبيات, وأساء كل الإساءة يوم صرفها لمخلوق.

وخلاصة الباب:

إن الحب عقيدة، ومن صرفه لغير الله فقد أشرك وأخطأ, وأعني به الحب الكسبي السببـي لا الجبلي الفطري.

فإن الإنسان لازال يحب الطعام إذا جاع، والماء إذا ظمئ, ويحب زوجته، ويحب السكنى واللباس، لكن هذا فطري جبلي لا يلام عليه, يشترك فيه المسلم والكافر، ولكن الحب الكسبي السببـي هو عقيدة وعبادة، من صرفه لغير الله لقي الله لا حجة له -مقطوع الحجة- أو أصابه الخذلان والحرمان نعوذ بالله من ذلك.

إخوتي في الله! الخلاصة:

أدعوكم ونفسي إلى حب الله تبارك وتعالى وإلى حب رسوله صلى الله عليه وسلم، وإلى إقامة البينات على هذه الدعوة من محافظة على فرائض, ومن تزود بنوافل, وتدبر لكتاب الله، وكثرة ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن حب المصطفى, وحضور مجالس الخير، وحب العلماء والصالحين.

يا أمة الإسلام! مفهوم الحب هو أن يصرف لمرضاة الله عز وجل، وأن يحب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وألا يحب غيره الحب الكسبي السببـي.

يا من وقفتم أمام الأجيال رواداً: أدعوكم أن تلقنوا شباب الإسلام وأجياله وأبناءه، الإيمان بالله تعالى والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، والحب لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكتاب الله.

واعلم أنك إذا أحببت شيئاً في الله فكأنك أحببت الله، وأنت مأجور على ذلك، فحبك للصالحين لأنهم أطاعوا الله أنت مأجور عليه، وحبك للمسجد لأنه بيت الله، فأنت مأجور.

وأدعوكم أن تعلموا الأمة الطموح، فنحن حين تركنا الطموح خسرنا -والله- وانهزمنا, خسرنا حين أخذ جيلنا وطلابنا ينبت الواحد منهم وهو يستمع الأغنية الماجنة، وتعرض عليه على أن القمم والعباقرة هم هؤلاء المغنون ويسمون في بعض الصحف: الصاعدون، وهم الصاعدون إلى الحضيض، قيل لـأبي علي الروذاباري: غلاة الصوفية -أهل الحلول- وصلوا, قال: نعم وصلوا، ولكن إلى سقر، لا تبقي ولا تذر!

فمنهم من يعجب بالكافر ويظن أنه ما خلق في الأرض إلا هذا الرجل. يأتي بعض الشباب من أمريكا وبريطانيا حتى أن أحدهم يقول لأحد العلماء -عالم يشرح في الروض المربع، وهو أحد المتطورين الذين وقفوا على الجليد لا داخل الحلبة ولا خارج الحلبة- قال: يا شيخ! أنت تشرح في الروض المربع والناس قد صعدوا على سطح القمر، فقال له: أنت ما صعدت على سطح القمر ولا جلست على الأرض معنا تقرأ الروض المربع، فهو ما صنع لنا صاروخاً ولا طائرة ولا ثلاجة ولكن أخذ السيجارة والعود من الغرب:

منهم أخذنا العود والسيجارة وما عرفنا ننتج السيـارة

أما المساوئ فنقلت للشرق، لكن ما سمعنا بأن أحداً صنع لنا ثلاجة أو سبورة ولا قدم مروحة أو سخانة أو برادة، وإنما أخذوا مخلفات الغرب وقدموها لنا، ثم يضحكون على الدعاة والعلماء وقالوا: إنهم خلف الركب، هم المتخلفون.. المتدهورون.. المتقهقرون وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227].

إخوتي في الله: في الختام أدعوكم إلى الحب والإيمان والطموح، وكذلك أدعوكم إلى علو الهمة, وأن يكون حبنا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولكتاب الله، وحينها نرتفع وليس لي زيادة كلام, وإن كان هناك من أسئلة فسوف نستمع إليها.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين.

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

سؤال وجواب حول الحب

الأسئلة

الأخوة في الله وفضلها

السؤال: تكلمت عن الحب في الله, فأرجو التكلم عن الأخوة في الله وفضلها مع إلقاء قصيدة إن أمكن؟

الجواب: الأخوة في الله شق من الحب فيه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فلا يؤاخى في الإسلام إلا في الحب في الله, ولا تؤاخي إلا أحباب الله، والأصل في ذلك: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67] ولذلك أُثر عن علي رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: [[تزودوا من الإخوان فإنهم عون في الدنيا وفي الآخرة, قالوا: أما في الدنيا فصحيح أما في الآخرة.. كيف؟ قال أما يقول الله:الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67]]] والرسول صلى الله عليه وسلم جعل من الأخوة أن تحب في الله وأن تبغض في الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، والإخوان أن تحب الطائع لطاعته والمتقي لتقواه، وعلى ذكر القصائد يقول أبو تمام في الحب في الله:

إن كيد مطرف الإخاء فإننا نغدو ونسري في إخاء تالد

أو يختلف ماء الغمام فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد

أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالـد

وبعض الناس -وهذا كلام من كلام الصوفية – يقول لأخيه:

أنت أصبحت أنا, فمن أنا؟

يقول: دخلت فيّ فأصبحت من حبي لك وحبك لي، أصبحت أنت أنا وأنا أنت فمن أنا, فهو لا شيء, وهذا خطأ, وهو للسعد الشيرازي، وهو شاعر سني إيراني يقول في الحب والأخوة في الله:

قال لي المحبوب لما زرته من ببابي قلت في الباب أنا

قال أخطأت تعريف الهوى حينما فرقت فيه بيننا

ومضى عام فلما جئته أطرق الباب عليه الباب موهنا

قال لي من أنت قلت انظر فما ثمّ إلا أنت في الباب هنا

قال أحسنت تعريف الهوى وعرفت الحب فادخل يا أنا

وهذا خطأ, بل في الإسلام تبقى أنت أنت وأنا أنا, أما هذا الاندماج وتغيير الصور والأشكال فليس بواردٍ, بل يبقى المسلم وولاؤه وبراؤه على حد طاعة ذاك, فليس عندنا انضباط في الولاء والبراء، فنحب الطائع لكثرة طاعته، ونبغض العاصي بنسبة معصيته، فصاحب الكبائر يبغض أكثر من صاحب الصغائر، والطائع الباذل نفسه وجهاده يحب أكثر من الطائع الذي هو دونه: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً [الطلاق:3].
أيهم أفضل قراءة القرآن أم الدعاء أم التسبيح

السؤال: هل الأفضل قراءة القرآن أم التسبيح أم الدعاء؟

الجواب: السؤال فيه جواب عام، وجواب خاص مفصل.

أما الجواب العام: فإن أفضل الذكر كلام الله عز وجل، وكتابه وقراءة كلامه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, وهذا على العموم.

أما على التفصيل: فيختلف باختلاف الأشخاص, وقد تعرض كثير من العلماء لهذه المسألة، فمن وجد رقة وخشوعاً وحضور قلب مع الذكر أكثر من القرآن فهو في نسبته أفضل له أن يذكر ويدعو أكثر مما يقرأ القرآن، وفي الترمذي حديث لكنه ضعيف: {من شغله قراءة القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أكثر مما أعطي السائلين} فعلى العموم القرآن أفضل من أي ذكر آخر، وعلى الخصوص من وجد رقة وخشوعاً وحضوراً في الدعاء والذكر أكثر من القرآن فعليه أن يكثر من الذكر والدعاء.

وأنبه على مسألة: هناك هيئات وأوقات لا يكون فيها إلا الذكر أو الدعاء هو الأفضل.

مثل الركوع: فالذكر فيه أفضل من قراءة القرآن، وفي حديث علي مرفوعاً وهو صحيح: {إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم}.
وجه التحريم في الأغنية

السؤال: ما وجه التحريم في الأغنية؟ هل هي نفس الكلمات في الأغنية، أم في العزف على العود أم كلاهما معاً؟

الجواب: الأغنية من عزف وناي: ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40] والكلمات في حد ذاتها يحلل فيها شيء ويحرم, فما كان في طاعة الله فهو كلام مباح، وما كان فيه بذاءة أو تشبه بامرأة أجنبية أو دعوة الناس إلى فاحشة أو زنا فهو محرم، ولذلك يقول ابن القيم: “الغناء بريد الزنا” وذكر هذا ابن تيمية في أول كتاب الاستقامة وابن القيم يلوم هؤلاء الذين صرفوا آذانهم لسماع الخنى والغناء عن سماع كلام الله، وأخبر في منظومته أن الله يحرمهم الغناء في الجنة, ففي مسند أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن في الجنة جوار يغنين ويقلن: نحن الخالدات فلا نبيد, نحن الناعمات فلا نبأس. طوبى لمن كنا له وكان لنا} [[وإذا اشتهى أهل الجنة -وهذا من كلام ابن عباس – أرسل الله ريحاً تهز ذوائب أغصان الجنة فيجدون غناءً]] أو كما قال.

قال ابن القيم في منظومتـه:

قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصـان

فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ إنسان كالنغمات بالأوزان

يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان

إلى آخر ما قـال.

وأما الغناء -في حد ذاته- الذي يصاحبه الكلام الفاحش فإنه محرم ولو لم يكن عليه موسيقى وعزف، فإذا صاحبه زادت حرمته لحديث أبي مالك الأشعري في صحيح البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم: {ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} واستحلالها إنما يأتي بعد تحريمها.

وورد عند ابن خزيمة بسند جيد عن الزبير قال: قال صلى الله عليه وسلم: {إني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة وصوت عند مصيبة} قالوا: الصوت عند النعمة هو العزف والغناء، وفي لفظ عند: نغمة، وصوت عند المصيبة هو صوت النائحة, وفي سنن أبي داود وفي سنده كلام عن ابن عمر: {أنه سمع زمارة راعٍ, فوضع أصبعيه في أذنيه حتى ولى، قال لمولاه: أتسمع؟ قال: لا. فخلع أصبعيه، وقال: رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت}.

وفي قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ [لقمان:6] قال ابن مسعود: [[أقسم بالله إنه الغناء]] وورد عن بعض المحدثين رفع هذا الحديث، والصحيح أنه موقوف على ابن مسعود.

فالغناء ينبت النفاق في القلب كما بنبت البقل من المطر, وقد أجمع أهل السنة على أنه محرم ولم يخالف في ذلك إلا ابن حزم رحمه الله تعالى، وكان ظناً منه أن الحديث ضعيف والحديث -والحمد لله- في البخاري.
حكم الفنون الشعبية, وحكم المال الذي مصدره الغناء

السؤال: ما حكم الفنون الشعبية؟ وما حكم المال الذي مصدره الغناء أو الطرب إذا كان يتصدق منه ويبنى مساجد؟

الجواب: الغناء والعزف أو ما صاحب الغناء من آلات للرجال محرم، أما الدفوف فالذي أعرفه أنه للنساء لا بأس به في الزواج والمناسبات، لقوله صلى الله عليه وسلم عند أبي داود: {أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف} وهذا الخطاب للنساء, فقد علم بالاستقراء في حياة الصحابة أنه ماكان يزف المرأة إلا النساء, وكن يضربن بالدف, فضرب الدف للنساء، أما للرجال فلا أعلم أن هذه الآلات والغناء الماجن تجوز لهم.

أما مسألة الحفلات بلا دفوف ولا طبول ولا ناي ولا موسيقى فأنا أتوقف فيها ويسأل عنها أهل العلم.

وأما مسألة من يبني مساجد من هذه الأمور فهذا كسب خبيث، فأخذ الأجرة من الغناء والشعر بالمناسبات، قد سمعت فيه من بعض العلماء الثقات من هؤلاء العلماء الموجودين، أنه يقول: توضع في مرافق المسجد في حمامات وفي مصالح عامة كالخطوط إذا تاب أصحابها، ولا توضع في المساجد ولا في شراء الكتب؛ لأنها كسب خبيث فتوضع في خبيث وهذا حقه ومنزلته.
شروط مزاولة الرياضة

السؤال: أنا شاب أحب الرياضة وأزاولها بعض الأوقات، فما حكم هذا؟

الجواب: الرياضة يشترط في إباحتها ثلاثة شـروط:

أولـها: ألا تعارض وقت صلاة، فإذا أخر من أجلها الصلاة أو ضيعت الصلاة فهي حرام وباطلة ولا تحل أبداً.

الثاني: أن يكون من يلعبها بلباس ساتر, وعورة الرجل من السرة إلى الركبة كما أتت بها الأحاديث، فإذا لبس ذلك فهذا هو المطلوب، وإذا انكشف من العورة شيء فقد دخل في التحريم.

الثالث: ألا تصد عن ذكر الله عز وجل, وألا يوالى ويعادى من أجلها، ولا تضيع أوقات طلب العلم والقراءة وإنما تكون ترويحاً.
السبيل إلى ترك الحب

السؤال: أحببت فتاة وأريد أن أتركها لأنني خفت الله، فكيف السبيل إلى تركها؟

الجواب: السبيل إلى تركها أن تتركها، سئل سعيد بن المسيب من هم أهل السنة، قال: الذين ليس لهم اسم إلا أهل السنة، فالسبيل إلى تركها أن تتركها وأن تتوب إلى الواحد الأحد، وأوصيك بأمور, وهذا السؤال قد وجه إلى بعض أهل العلم وهو موجود في كتبهم لمن ابتلي بحب فعشق:

قال: فعلاجه أن يكثر الدعاء في السجود وفي أدبار الصلوات, وأن تدعو مقلب القلوب أن يقلب قلبك على دينه, ومصرف الأبصار أن يصرف قلبك إلى طاعته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

وأدعوك أنك إذا قمت في السحر أن تمد يديك إلى الله أن يعيد في قلبك الإيمان واليقين والثبات والسكينة والطمأنينة.

ومنها: أوصيك بتدبر القرآن، وتدبره يزيل عنك هذه الوساوس والعشق والغرام، ثم كثرة الذكر صباحاً ومساء.

والأمر الرابع: أن تشغل نفسك بالطاعة، وبالجلوس مع الصالحين والأخيار.

والأمر الخامس: أن تقطع جميع الحبال الموصلة إلى هذه الفاحشة مثل استماع الأغنية، والمجلة الخليعة وكل ما يذكرك بالعشق والمعصية، عسى الله أن يحجبك عن النار وأن يتوب الله علينا وعليك.
حكم حب الوظيفة

السؤال: إذا كانت الوظيفة هي مصدر المعيشة للإنسان بعد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, فما حكم حبنا لهذا المصدر الذي يعود علينا بفائدة؟

الجواب: حب الوظيفة -كما أسلفت- حب جبلي فطري, فالإنسان يحب العمل، ويحب الراتب والمعاش، لكن الكسبي السببـي أن يبلغ به هذا المنصب أن يموت فيه ويحيا فيه، وأن يوالي ويعادي فيه، وأن يكون ليله ونهاره عليه، وأن يسبح بحمده صباح مساء، وأن يراه أعظم من كل شيء، ووجد من الناس من إذا تولى شيئاً لا تجده يقرأ القرآن، ولا يتدبر ولا يعرف من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً، ولا يحرص على الدعوة، ولا على نصرة الإسلام في هذا المنصب، وإنما يريد هذا المنصب لهذا المنصب، فإنه يحب المنصب أشد من حب الله، ويبغض من يزاحمه على هذا المنصب أكثر من بغضه للكافر واليهودي والنصراني، فهذا بلغ بحبه سبباً كسبياً فأثم، أما الجبلي الفطري فلا بأس به فكل يحب الوظيفة.
توضيح في حب الجهاد

السؤال: أرجو من فضيلتكم بيان حب الجهاد, وهل يقدم حب الجهاد على حب الوالدين؟

الجواب: حب الجهاد من حب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، والجهاد المطلوب في الإسلام حدده صلى الله عليه وسلم وعرفه, قال أبو موسى: {يا رسول الله! الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية، ويقاتل ليرى مكانه, أي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو سبيل الله}.

فهذا ليس فيه جواب منضبط, فإنه يختلف باختلاف الحالات والأشخاص والأحوال.

فالرسول عليه الصلاة والسلام كان حكيماً لبيباً في الفتيا, وقد روى عبد الله بن بسر في سنن الترمذي أن شيخاً كبيراً هزيلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {دلني على عمل يا رسول الله! قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} وأتاه غيلان الثقفي، وهو يحمل عضلاته وقوة جسم فقال: {دلني على عمل, قال: عليك بالجهاد في سبيل الله} وفي النسائي: {أتاه رجل من أهل اليمن له والدة, فقال: يا رسول الله! دلني على عمل قال: ألك والدة؟ قال: نعم. قال: الزم رجلها, فإن الجنة عند رجلها}.

فإذا قيل: إن بر الوالدين أفضل فقد يكون كثير من الناس سمح له والداه بالجهاد فليذهب، أو ليس له والدان على قيد الحياة، وقد يقال للناس: الجهاد أفضل مطلقاً فيتركون طلب العلم، والدعوة وبر الوالدين ويذهبون، ويقال لبعض الناس: الذكر أفضل فيترك الإنفاق في سبيل الله، لكن يُلاحظ في فضل الأعمال أمور:

الأول: الظرف/ مثلاً: أن يكون الناس في وقت جهاد, فالأفضل أن يجاهدوا.

الثاني: الحال: أن تنظر إلى حال المستفتي فتفتيه بما يناسبـه.

الثالث: النفع: نحن نخاطب التجار والأغنياء بالصدقة فلا نقول لهم: قوموا الليل, فهم سوف يقومون الليل، وأسهل شيء على التاجر أن يسمعك تتحدث عن ركعتي الضحى، وأصعب شيء عليه أن يسمعك تتحدث عن البذل والعطاء، والمجاهدون نحدثهم عن الجهاد في سبيل الله.

فهذه أمور قد تكون ضابطة لهذه المسألة.
حكم الجلوس مع المتهاون بالصلاة

السؤال: إنني أحب الصالحين والحمد لله, ولكني أجلس مع بعض الزملاء, فبعضهم لا يصلي مع الجماعة ولا يصلي صلاة الفجر، فهل عليّ إثم في ذلك الجلوس؟

الجواب: إنما الأعمال بالنيات, إن كان قصدك أن تدعوه إلى طاعة الله وتؤثر فيه، فأنت مأجور ولا بد من الجلوس مع هؤلاء، لأن الطبيب إذا لم يجلس مع المرضى فلن يداويهم، والداعية طبيب، فإذا لم يتحمل هؤلاء فمن يعالجهم؟!

والرسول صلى الله عليه وسلم جلس مع المنافقين والكفار ومع المشركين ليقودهم إلى الله.

وأما إن كان جلوسك حباً وولاءً ورضاً بما يفعلون؛ فأنت آثم، وحسابك على الله, وينبغي أن تتوب إلى الله من مجالستهم وأن تقطعهم وتهجرهم؛ لأن هجر العاصي أصل أصيل من أصول أهل السنة والجماعة.

وهناك استدراك وتعقيب من أحد المشايخ, يقول فضيلته: لا خلاف في جواز الدف للنساء في الزواج ولكن بشروط:

أولها: عدم رفع الأصوات.

ثانيها: عدم الاختلاط بالرجال.

ثالثها: عدم اللعب والرقص للنساء؛ لأن الكثير من النساء يضربن بالطبل، وهو محرم ويظنونه أنه دف, ويلعب الناس على التركي والمصري ويقطعن الفلوس وينفشن شعرهن ثم يهيجن، ويملن ذات اليمين وذات الشمال حتى يسقطن على الأرض، فهذا تنبيه, وأنا أشكر لمن قاله, فما نحن إلا إخوة يكمل بعضنا بعضاً.
المعاصي سبب في سوء التحصيل العلمي

السؤال: إني أعاني من سوء التحصيل العلمي، فهل للمعصية دور في ظلمة النفس، وكيف أجد حلاً لهذه المشكلة علماً بأني أحرص على القراءة والأذكار فما هو الحل؟

الجواب: نعم للمعصية دور في سوء هضم العلم، وهو من أعظم الأدوار, والله عز وجل نص على ذلك وقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282] فالواو هنا قيل: استئنافية ومتعلقة بما قبلها وهو الأحسن، وقيل: عاطفة متعلقة بما قبلها أو حالية، والحال أن الله سوف يعلمكم بإذنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فمن اتقى الله علمه الله، والمعاصي ترين على القلب وتطمس الذكاء والنور والإشراق، وتجعل صاحبها متخلفاً، وأعظم ما أتى الناس منه المعاصي، قال مالك للشافعي:

إني أرى لك فهماً فلا تطفئ فهمك بالمعاصي, وقال وكيع للشافعي: لا تطفئ نور فهمك بالمعاصي.

فقال الشافعي:

شـكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشـدني إلى ترك المعـاصي

وقال اعلم بأن العلم نــور ونـور الله لا يهدى لعـاصي

ويحكي الذهبي عن أحد الصالحين: قال: نظرت نظرة لا تحل لي, فقال لي أحد الأولياء: أتنظر إلى حرام؟! والذي نفسي بيده! لتجدنّ غبها ولو بعد حين -أي نتيجتها- قال: فنسيت القرآن بعد أربعين سنة.

وفي ترجمة ابن تيمية قال: إني لتعجم عليّ المسألة -أي: تصعب- فأستغفر الله ألف مرة أو أكثر أو أقل فيفتحها الله عليَّ. ولا يفتح إلا التوبة والاستغفار والعودة إلى الله والطاعة، ولا يطمس الذكاء والمستقبل إلا المعصية.

فهي ظلمة في الوجه، وسواد في القلب، وضيق في الصدر والرزق.

وبالمقابل الطاعة نور في الوجه وبياض في القلب، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، والله ذكر المعصية في بني إسرائيل في جانب العلم: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [المائدة:13].

وقد ذكر ابن تيمية في تحريف الكلام عن مواضعه قسمين: وهم العصاة قال: منهم الفسقة أهل الشهوات: يحرفون الكلم عن مواضعه في الطاعات، وأهل التأويل من أهل الشبهات وهم المبتدعون يحرفونها في الأسماء والصفات، وهذا واقع في الأمة، قال سفيان بن عيينة: من فسد من علمائنا ففيه شبه باليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه بالنصارى، لأن النصارى عبدوا الله بجهل، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا [الحديد:27].

وقال في علماء بني إسرائيل: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف:175-176] وقد يصل ذهن الإنسان إلى مثل ذهن الحمار، ودماغه مثل دماغ الحمار من كثرة المعاصي، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً [الجمعة:5].
رجل يذكر الله ويأتي بكلام عن الحب والعشق

السؤال: ما رأيكم برجل يذكر الله ثم يأتي بكلام عن الحب والعشق والغرام، ولديه أشـرطة كثيرة، ولا يدري كيف يتخلص منها وربما كانت أشرطة غناء؟

الجواب: هذا من الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً, فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل مما يتكلم فيه من هذا, إن كان كلامه من جانب تحليله للناس فقد أخطأ خطأ بيناً، وغلط غلطاً فاحشاً: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ [النحل:116] وأنا سمعت من بعض الجهلة من الذين لا يحفظون الفاتحة ولا يقرءونها قراءة مستقيمة يقول: من الذي حرم الغناء؟ أنتم تحرمون وتحللون وهي ليست بحرام، وهذا لا يتحاكم إلى رأيه، فهذا لا رأي له ولا علم، وإذا ترك الناس لمثل أراء هؤلاء الجهلة فإنها سوف تعارض الشرائع وأحكام الله: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] وبعضهم يستدل ويقول: بأن الغناء لم يذكر بلفظه في القرآن، ومثله شرب الدخان.

والقرآن -يا معشر الإخوة الكرام- ليس معاجم أو قواميس للأسماء، فالقرآن قواعد كلية ثابتة تندرج تحتها مليون قضية: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157] والطيبات ألف مليون طيبة، والخبائث ألف مليون خبيثة، أما أن نأتي بكل شيء جد في العصر ونقول: أخرجوه لنا من القرآن، فهذا لا يوافق العقل ولا النقل. “الميرندا” “الببسي” “التفاح” نريد نخرجه من القرآن، أيصبح القرآن بهذا المستوى؟!

فالقرآن قواعد تسير الحياة والزمن والناس، فهذا يترك لأهل العلم، ولا يترك للجهلة أهل الشهوات: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7] فإذا استنبط أهل الذكر من القرآن تحريماً, نقول: على العين والرأس، أو استنبطوا تحليلاً فنقول: على العين والرأس, أما الجهلة فلا يلتفت إليهم.

أما أشرطة الغناء، فيتخلص منها بأمور: بعض التسجيلات يقبلون هذه الأشرطة, وينسخون عليها مادة إسلامية فعليه أن يذهب بهذه الأشرطة، ويقدمها وينسخون عليها مادة طيبة تنفعه في دار الدنيا والآخرة.

وإذا لم يقبلوه فعليه أن يحرقها من باب إتلاف أدوات اللهو، والخبيث لا يتأسف عليه, واحمد الله على التوبة.

وماذا تفعل بالأشرطة؟! هل توصي بها لورثتك، أو تترك معك في القبر, أو تدفن عند رأسك؟!
حكم الترديد خلف المؤذن في دورة المياه

السؤال: إذا أذن المؤذن وأنا في دورات المياه فهل يحق لي أن أردد معه أم لا؟

الجواب: الذي يظهر من النصوص أنه يحق لك أن تردد بقلبك، أما بلسانك فلا، وهذا من باب تعظيم شعائر الله، وعند أبي داود {أن رجلاً سلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه حتى أتى الحائط فتيمم فرد عليه} فأنت إذا كنت في الدورة فردد بقلبك, فإذا خرجت فلك أن تعيد من باب إعادة النوافل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعاد بعض النوافل، ولذلك تساءل بعض أهل العلم: من نسي الذكر بعد الصلاة أو قام لغرض؟ قالوا: يعيده من باب إعادة النوافل، والأصل: {أن النبي صلى الله عليه وسلم أعاد ركعتي سنة الظهر، وقال: شغلني عنها وفد عبد القيس}.
حكم إطالة الإمام في الصلاة

السؤال: إمام مسجد يطيل الصلاة ونصح ولم يستمع النصيحة، فما الحكم إذا ذهبنا نصلي في مسجد آخر؟

الجواب: الطول والقصر في الصلاة لا يترك لآراء الناس, فإن من الناس من يعد القصر الكثير تطويلاً، ومن الناس من أفحم الناس بالتطويل وشق عليهم، فهو يصلي بالناس فيتبرع الساعات الطوال، ولا يلتفت إلى مريض ولا إلى كبير وعاجز وطفل ويصلي بالناس حتى يتوب الناس من الصلاة وراءه ومن دخول المسجد، فهذا من باب التطويل.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ؟: {أفتان أنت يا معاذ} ويقول عليه الصلاة والسلام: {من صلى بالناس فليخفف فإن فيهم المريض والضعيف والكبير وذا الحاجة -وفي لفظ: الصغير-} ويقول عليه الصلاة والسلام – والحديث عند البخاري -: {إني لأقوم في الصلاة أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهة أن أشق على أمه} وبعض الناس يقصر بالناس لسماع هذه الأحاديث، فيصب تمارين سويدية في المسجد، فلا يسلم الناس إلا وقد قطع صدورهم من الفحمة، وغترهم تشتغل وثيابهم وأقلامهم ومذكراتهم تساقطت، كأنه على سلم يشتغل ويغني، فهذا كذلك يستتاب ويتوب إلى الله.

وحد الطول والقصر صفة صلاته صلى الله عليه وسلم، وهو أن يقرأ الإمام بما كان يقرأ صلى الله عليه وسلم, فيقرأ بقصار المفصل بترتيل في المغرب، وبالوسط في صلاة العشاء، كالضحى, والشمس وضحاها, والليل، وما شابهها، ويطيل في الفجر لأنها بعد راحة ولأنها ركعتان، والظهر يطيل ويتوسط في العصر على نصف صلاة الظهر, ويتمم الركوع والسجود حتى إنه في حديث حذيفة: {يسبح عشراً في الركوع ويسبح عشراً في السجود} وهذا لا يفعله كثير من الناس، فهذا ينصح به الأئمة ويكونون وسطاً بين هؤلاء وهؤلاء ويتحببون إلى المأمومين.
نصيحة للدعاة

السؤال: إن الدعاة مقتصرون في دعوتهم على بعضهم البعض، والشباب يرتكبون المعاصي الكبيرة، والدعاة محاسبون عنهم؛ لأنهم لم يذهبوا إليهم ولم يخرجوا إليهم في أماكنهم, فما رأيكم يا شيخ؟

الجواب: هذا السؤال فيه كثير من الحقيقة والحق, ومن أتى بالحق نقبله من أي رجل تكلم به، سواء كان قاصداً للخير بهذا السؤال أو مغرضاً لتنقيص الدعاة، والدعاة لا يقال فيهم كلمة عامة بالبخس أو بالوفاء، فهم بشر فيهم المحسن وفيهم المقتصد، وفيهم سابق بالخيرات، وفيهم الظالم لنفسه، ولكن خير الناس الدعاة: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] وأعقل الناس الدعاة، وهذا على العموم -الجنس-.

أما ما ذكر الأخ السائل فهذا صحيح, فقد وجد أن الدعوة قد انحصرت في بعض الأمكنة والأزمنة وعلى المساجد, فيقوم الداعية بعد الصلاة في أناس ما أتوا إلا ليصلون فيقول لهم: صلوا فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر, اتقوا الله في الصلاة، ولكن المقاهي والنوادي ممتلئة بالفسقة الذين يصدون عن بيوت الله, فهذا خطأ, والرسول صلى الله عليه وسلم دخل إلى الأسواق -سوق عكاظ وذي المجنة – وخطب بالناس ودعاهم، وذهب إلى مجتمعات اليهود، ودخل على المنافقين والمشركين ودعاهم إلى الله، فهذا واجب على الدعاة أن يتنبهوا إليه.

وبعض الناس يتوقف عن استخدام الوسائل في الدعوة, فلا بأس باستخدام الوسائل إذا كانت مصلحتها أعظم من مفسدتها، وهذا يقال في هذا الجانب ولا أحدد أي وسيلة، ولو كان بالكتابة في الصحف الرديئة فإني رأيت بعض الإخوة يحجم عنها ويقول: لا يكتب فيها؛ لأنها بوضع رديء وإذا تركت الكتابة في الصحف والدعوة في الصحف والمجلات أخذها أهل الباطل وسرحوا فيها كلمتهم، ونصروا فيها مبادئهم, وإذا تركت لهم الساحة فإنهم سوف يعيثون فيها فساداً: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ [البقرة:251] فواجب الإخوة الدعاة أن يتصدروا وأن يصنفوا أنفسهم، فلا يصلح كل إنسان إلا لما خلقه الله له، فداعية يصلح للخطابة يوم الجمعة؛ فهذا حقه المنبر، وداعية في البادية وفي القرى لأنه يجيد لغة البوادي والقرى، وداعية يستطيع بفكره وصبره وعلمه أن يدخل النوادي والمقاهي، وداعية يكون صحفياً وأديباً فيكون -من هذا الجانب- كل واحدٍ على ثغرة، والله خلق الناس وكلٌ ميسر لما خلق له، ونوع طاقاتهم لحكمة أرادها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

تفسيرات مفهوم الحب

1- بأي لغة يمكن الحديث عن الحب ؟
إن الغاية من هذا الحديث ،حول ما جاء من لغة عن معنى الحب ( سواء تعلق الأمر بلغة علماء : البيولوجيا أم الاجتماعية … أم غير ذلك من اللغات ) لا يكمن الهدف منه ،في مدى قدرتنا على كشف الدلالة الأصح لهذا المفهوم فقط وإنما أيضاً ،في مدى حرصنا على إبراز الأثر الذي من الممكن أن تحدثه ،كل لغة من هذه اللغات -التي نحن الآن بصدد التمهيد لها- عل سيكولوجية المحب .وبمعنى آخر ،حول ما قد تعكسه – لا شعورياً – كل لغة من هذه اللغات على سيكولوجية المحب ؛ لأن الناس ،لو لم يكن قد سمعوا عن الحب ،لما قدر للكثيرين منهم بأن يقعوا صرعى لما أصبح يسمى باسم الحب[1].بالتالي ،فأمعن نظرك أيها المحب ،فيما يلي من لغة حول معنى الحب ،فلعلك تهتدي إلى فهم نفسك بنفسك .
1) الحب لغة بيولوجية :
اللغة البيولوجية عن الحب ،إنما هي لغة علماء الفسيولوجيا ، والذين يرجعون هذه الوظيفة السيكولوجية إلى مجموعة من الغدد والإفرازات ،فهم يعتبرون الحب ،مجرد وظيفة بيولوجية ؛لأن الظواهر الفسيولوجية تتكفل بتفسير شتى الظواهر النفسية للموجود البشري ، بما فيها : الحب ،والكراهية والطموح … وهذا ما ذهب إليه «فرويد » نفسه ،حينما اعتبر الحب مجرد ظاهرة جنسية محضة ،وكأنما هو نتيجة توتر كيماوي يحدث في الجسم فيتطلب نوعا من التفريغ ،أو إطلاق الطاقة ،من أجل إزالة الألم الناجم عن هذا التوتر . فليس الحب في نظر «فرويد » سوى رغبة جنسية .وليست الرغبة الجنسية سوى حاجة عضوية ،لا بد من العمل على إشباعها ، مثلها في ذلك .مثل الجوع أو العطش[2] . وتبعاً لذلك، فإن الرغبة الجنسية ، في نظر « فرويد » لا تخرج عن كونها توتراً عضوياً أليماً . يستلزم موضوعاً جنسياً يعمل على إزالته أو التخفيف من حدته ،وكأنما هي مجرد تهيج موضعي يأتي الإشباع الجنسي فيقضي عليه[3] . لكن أيها المحب ، أ تعتقد حقاً بأن الحب هو مجرد لغة بيولوجية ؟
كإجابة عن هذا السؤال ما الذي تتوقعه ؟ بل ألا يمكن أن يكون هنالك قصور في معنى الحب ،بل وحتى في قيمه وأفكاره ،لو أننا فقط اكتفينا باللغة البيولوجية ؟ بل ، ألا تعتقد بأن الإنسان من الممكن ،أن يكون شبيهاً بالحيوان لو أننا فقط اكتفينا بهذه اللغة ؟
إن الخطأ الأكبر الذي يقع فيه أصحاب هذه اللغة ،هو : أنهم يخلطون بين الحب والجنس، في حين أن التجربة البشرية ،تشهد بأنه قد يكون هنالك حب بدون جنس . كما قد يكون هنالك جنس بدون حب[4]؛ لأنه لو صح ما قاله « فرويد » لكانت العادة السرية هي المثل الأعلى لكل إشباع جنسي .بالتالي ، فإن « فرويد » يتوهم بأن الحب ثمرة للإشباع الجنسي . وكما عبر عن ذلك « زكرياء إبراهيم» من خلال كتابه « مشكلة الحب » حيث قال : ( الحب ليس مجرد وظيفة بيولوجية كل بتفسيرها الغريزة الجنسية بل هو ظاهرة إنسانية معقدة تتداخل فيها اعتبارات القيمة والحاجة إلى التغلب عن الانعزال النفسي ، والنزوع إلى الخروج من الأنانية أو النرجسية ، إلى الرغبة في التلاقي مع الآخر والاتحاد معه ، مع الإبقاء في الوقت نفسه على دوام هذه الثنائية )[5] . بالتالي ، ألا يمكن في نظرك أيها الحب ، التعالي عن اللغة البيولوجية للحب ؟ بل ، ألا يمكن أن يكون الحب – إلى جانب هذه اللغة – لغة اجتماعية ؟ وإن أمكن ،فكيف ذلك ؟
كإجابة عن هذا السؤال ، سأنتقل بك ، أيها المحب إلى لغة علماء الاجتماع عن الحب . بالتالي ، فما المعني ، والقيم ، والأفكار التي ينطوي عليها هذا المفهوم عند لغة علماء الاجتماع ؟
2) الحب لغة اجتماعية :
اللغة الاجتماعية في الحديث عن الحب ، هي لغة أولئك الذين لا يرون في الحب . سوى سلوك اجتماعي ، يطلع به حيوان مدني ، لا يملك إلا أن يعيش في جماعة . فالحب في نظر أهل الاجتماع ، ليس ظاهرة حيوية أو سيكولوجية يتكفل بتفسيرها علماء الأحياء أو علم النفس ، وإنما هو أولاً ، وبالذات : سلوك اجتماعي يخضع فيه الفرد لأنماط جمعية يحددها العقل الاجتماعي[6].
وتبعاً لذلك ،فإن الناطقين باللغة الاجتماعية أمثال ،« أوغست كونت » مؤسس الفيزياء الاجتماعية و « إميل دوركايم » الذي صار على نهجه … لا يجدون أدنى صعوبة في ربط الحب بالزواج ، والنسب ، والوراثة ، والبيئة ، والمحارم ، والعائلة ، وصلة الأرحام . واستمرار العلاقة بين السلف والخلف …[7] وهكذا ؛ إذ نجدهم حريصين على فهم الحب بوصفه وظيفة اجتماعية الهدف منها : هو تقوية التلاحم والتناصر فيما بين الأفراد والشعوب بغية تأسيس مجتمع قوي وفعال . قادر على تحقيق المصلحة العامة . فهؤلاء العلماء قلما يفصلون دراستهم للحب عن مباحثهم والزواج .والأسرة ، والنظام العائلي ،والتراث الثقافي … ونحن لا ننكر بطبيعة الحالة بان لغة أهل الاجتماع في الحديث عن الحب هي لغة مشروعة يبررها العلم . كما تؤيدها النزعة الموضوعية . لكن ، في نظرك ، أيها المحب ، تعتقد بأن لغة علم الاجتماع ، تكفي وحدها لضبط المعاني والقيم والأفكار التي يتضمنها هذا المفهوم ؟
إن النزعة الوضعية لأهل الاجتماع من الممكن أن تفسر الحب بوصفه ظاهرة اجتماعية يستلزمها العمران البشري ،إلا أنها لا تستطيع الإحاطة بكل ما يتضمنه هذا المفهوم من معاني ، وقيم ، وأفكار ، بدليل أن «أوغست كونت » نفسه ، لم يلبث أن تخلى عنها ، حين ما استولى على مجامع قلبه حب « كلوتيلدCLOTILDE » فإن فتح أمامه أفق جديد لميمكن قد عرفه في عهده الوضعي .كما أن كثيرا من حالات لم تفضي إلى الزواج أو لم تأذي إلى إنجاب النسل ، أو لم تلقي أي تبادل عاطفي . فهل نحكم على مثل هذه الحالات بأنها ليست من الحب في شيء ؟ ألا يدلنا شعورنا الذاتي – كما يقول المفكر الروسي «سولوفيف» – على أن الحب ليس أداة أو وسيلة في خدمة البشري . بل هو خير مستقل ، تنحصر قيمته الخاصة المطلقة في نطاق حياتنا الشخصية ؟ بالتالي فإن لم يكن هذا هو الحب ، فأي معنى يمكن الحديث عنه ؟
3) الحب لغة صوفية :
اللغة الصوفية في حديثها عن الحب هي لغة القضاء على الذات الفردية ، والسعي وراء تحرر من أصر الشخصية ، وذلك ، من اجل تحقيق الاندماج في حقيقة تستوعب كل الموجودات أو من أجل الفناء في الذات الإلهية نفسها . ومن مزاياها أنها لغة أو طاقة موحدة. . إلا أن أصحاب هذه اللغة يتصورون الحب على أنه إنكار تام للذات أو تحطيم مطلق للشخصية ، فهم يتناسون ، أن من شروط الحب توافر التجانس والتبادل والتوافق بين المحب والمحبوب من جهة وقيام ضرب من تنوع أو التعدد أو الاختلاف في السمات الشخصية بينهما من جهة أخرى ، بحيث يكمل كل واحد منهما الآخر .ويتكون من اتحادها تكامل إنساني حقيقي .
كما أن موضوع الحب في اللغة الصوفية لا يلبث أن يفضي في خاتمة المطاف ، إلا حالة من اللامبالاة أو عدم الاكتراث المطلق ، والذي يكون من شأنها أن تستوعب الفردية الإنسانية بأكملها ، وهنا لا يكون من شأن الحب ،أن يلغي الأنانية .كما يلغى النوم العميق شعورنا بذواتنا ، فيكون الاستغراق الفرضي في الحب الصوفي كاستغراق النائم في وسن عميق . بالتالي فإننا نجد في الحب الصوفي موضوعاً للحب لكننا لا نجد ذاتاً تحب ؛ فماذا من الذات قد اختفت ، وفقدت أنانيتها ، وكأنما استغرقت في نوم عميق لأثر الأحلام فيه . إلا أن هذه الذات حينما تعود إلى نفسها ، فإن موضوع حبها هو الذي يكون قد اختفى ، عند ئد يحل محل اللامبالاة أو عدم الاكتراث المطلق : شعور الأليم بما في الحياة الواقعية من تعدد، مع أنانية شخصية تمتزج بضرب من الكبرياء بالتالي ، ألا يمكن للحب الصوفي أن يؤدي بصاحبه إلى وضع حد لحياته ؟
4) الحب في لغة أخرى :
وهنا فقط ، تكفي الإشارة إلى نوعين منهما ، ألا وهما : اللغة الأخلاقية ، وأيضاً اللغة الشعرية . فما معنى الحب في كل واحدة منهما ؟
الحديث عن الحب في ك« اللغة الأخلاقية » إنما هو لغة : الحلال والحرام / المباح وغير المباح / الخطيئة والعقاب / الفساد والانحلال / الغريزة والجسد … هذا هو السبب ، في أن الحب عند أصحاب هذه اللغة .إنما ينصب على موضوع ، وليس على شخص . فهم ينسون بأن الحب ، ليس مجرد وسيلة تهدف من وراءها إلى غاية معينة ، بل ، هو أيضا ، وظيفة سيكولوجية تعدوا بكثير حدود تكاثر التناسل .
أما الحب في « اللغة الشعرية » فقد خلقت من عذابه سحرا عذبا ، طالما نعمت بمذاقه أفئدة القلوب ؛ إذا هو مزج بين الحقيقة والخيال . كما أن فيه شيئا من كل شيء : ففيه شيء من الروح ، وفيه شيء من العقل ، وفيه شيء من القلب ، وفيه شيء من الجسد ، ولكن الحب ، ليس مزيجاً من كل هذه الأشياء ، بل هو مركب إبداعي يحمل طابع ذلك الموجود الإنساني ، الذي لن يكون إنسان بحق ، اللهم إلا إذا كان شيءً أكثر من مجرد إنسان .
لكن ، إذا كانت خبرتنا الشخصية تظهر بأن الحياة لا تبدوا لنا جميلة إلا من خلال عيني الحب ،فما الذي سيحدث لو ارتفع عنا الحب ؟ ألن نحس حينها بأن أحلامنا ،وأفكارنا ، وآمالنا ومقاصدها ، وغاياتها .قد أصبحت جميعاً خلواً من أي معنى ،صفراً من كل قيمة ؟ بل ، ألن يحق لنا القول بأن الحب هو مركز الحياة والمعنى .ومنبع السعادة والقيمة ؟ وبمعنى آخر أ فليس الحب جواب على إشكال الوجود السيكولوجي للإنسان ؟ وإن كان الأمر كذلك أفلا يمكن الحديث عن الحب ك « لغة سيكولوجية » ؟
5) الحب لغة سيكولوجية :
إذا كانت الطبيعة ،قد منحتنا الحب ،على صورة حيوان فسيولوجي صرف ،فإنه بهذا المعنى ،قد يكون الحب ضرباً من الجنون ،إذ هو حليف الشذوذ والإغراء . والخروج عن المألوف . وما دام الأمر كذلك ،فإن لغة علماء النفس عن الحب ،إنما هي لغة «عقدة الحب».؛ لأن هذا الأخير .يعتبر المصدر الأول لأكثر العوارض النفسية العصابية . والذهانية ،والاضطرابات الشخصية ،كتلك الناشئة عن التطرف في حب الذات ، والتي تنبع أساساً من الخضوع المطلق لرغبات النفس وأهوائها وفقدان السيطرة عليها ؛وإذ يبقى من أهم أعراضها : الكبر ،والأنانية ،والتبجح ،والادعاء … وغير ذلك .مما هو مصاحب لها. وما دام الأمر كذلك ،فإنه . بهذا المعنى ،يكون الحب نوعاً من الفساد يصيب النفس ، فيخرج بها عن حد الاعتدال والتوازن ،فيفسد بذلك إدراكها ،كما يلتبس عليها الحق بالباطل، وتضعف إرادتها .وتنفر ميولها .
وبمعنى آخر ،فإذا تحدثنا عن الحب في اللغة السيكولوجية ،انطلاقاً من كل عنصر أو مكون أساسي من مكونات البنية النفسية للشخص ( الهو ،الأنا ،الأنا الأعلى ) واستندنا في ذلك ،على أهم تلك اللغات التي سبق وأن تناولنا من خلال هذا المفهوم ( كاللغة :البيولوجية، الاجتماعية ،والصوفية … )، وربطنا ذلك كله .بأهم اكتشاف قدَّمه « فرويد » في التحليل النفسي ؛ألا وهو اكتشافه « للاشعور » .فإنه بناءاً على كل ذلك كله ،يمكن قول : بأن العنصر الأول ،من هذه البنية النفسية ؛والذي هو : « الهو » نجده يمثل تلك « اللغة البيولوجية » والتي هي لغة الأهواء والغرائز – كما سلف الذكر – ، وما دام الأمر كذلك، فإن الحب هنا ،يكون مقروناً بتلك الرغبة الجنسية . وبمعنى آخر ، فإذا كانت الرغبة هي تحويل الحاجة إلى ميل نحو شيء ما يفتقده الإنسان ويسعى إلى تحصيله ،فإن هذه الرغبة ، عندما تقترن بالحب الجسدي وتجعل من شخص ما موضوعاً لها ، فإنها بذلك ، تتحول إلى نزعة تدميرية ؛ لأن المحب في هذه الحالة ،لا يعامل محبوبه كغاية في ذاته ،وإنما فقط كوسيلة لتحقيق غاية معينة . ولما كانت الذات – كذات المحبوب مثلاً – تعلم بأن الأغيار لا ينظرون إليها إلا باعتبارها موضوعاً لتحقيق غاية معينة – كالإشباع الجنسي مثلاً – فإنها كثيرا ما تجد لذة كبرى في أن تردَّ لهم الجميل بمثله ، والواقع أننا قلَّ ما نعمل بنصيحة «كانط» فنعامل الآخرين ك « غاية في ذاتهم » لا ك « وسائل » .لكن فيما يكمن الخلل هنا ؟
السبب في هذا الخلل ، يعود إلى الإنسان نفسه ؛ فعلى الرغم من توفر هذا الأخير على عقل ،فإنه ومع ذلك ،لا يقوى وحده على كبح جماع تلك الغرائز ، كما أن المحب ، عندما يحب .يكون أضعف عقلاً وأقل وعباً – كم سلف الذكر – خصوصاً إذا ما علمنا بأن الشخص ،خاضع لإكراهات لا شعورية هي التي تحدد مصيره ؛فعلى الرغم من توفر سيكولوجية الفرد ،على « أنا واعية » والتي تمثل العنصر الثاني من مكونات جهازه النفسي .فإنه ومع ذلك ،يبقى هذا « الأنا » ليس سيداً على نفسه ،ولا هو بمنزله الخاص، وإنما محكوم عليه بحتمية لا شعورية . الشيء الذي يجعل من النفس البشرية أمارة بالسوء؛ لأنه لو عدنا للتاريخ البشري .لوجدنا بأن هذا التاريخ ،من الممكن أن يكتب بأسره ب « لغة الحب والكراهية » خصوصاً ،وقد اقترن الحب عند الإنسان بالحرب ،فكان الحب منذ البدء، معركة لها قتلاها و جرحاها ،أ فليس من الحب قتلة ومجرمين ؟
ولما كان الأمر كذلك ،فإن هذا الخطر الذي يهدد الإنسانية ،يتطلب منا العمل على الحد أو التخفيف من حدته ،ومن هنا فقط ،يمكن الحديث عن الدور الهام الذي يلعبه المكون الثالث من مكونات الجهاز النفسي للشخص والذي يبقى هو : « الأنا الأعلى » . وبما أن هذا الأخير ،يمثل عنصر السلطة في البيئة النفسية للشخص ،فإنه يمكن الحديث عنه ، انطلاقا من لغة كل من أهل : الاجتماع ،والأخلاق والتصوف ،التي هي لغة التعالي عن حب الجسد ،والسعي وراء التحرر من قبضة أهوائه وغرائزه – كما سلف الذكر – ولما كان الأمر كذلك ،أفلا نقع ضحية تنظيم مطلق لشخصية الفرد ؟ بل ،ألن نجعل من الفرد سجين منظومة من القيم و العلاقات التي تحد من آفاقه وتطلعاته الشخصية ؟ بل ،ألن تفقد هذه الذات هويتها ؟
وكيف لا يكون لا ،ونحن نجعل من الفرد إشكالا ً عنيفاً ملتبس ،بصميم وجود مشكلة الحب ،التي هي أول مشكلات ذلك الكائن الهجين والذي يتعانق عن النور والظلام ،وتمتزج في قلبه عواطف النور والسلام. بالتالي ،فهل من سبيل للخلاص من هذه الاضطرابات النفسية التي تشل حركيته ،وتمضي به في « عقدة الحب » دون مأوى و اطمئنان وسلام ؟
إذا كان من مقومات الصحة النفسية للشخص ،الاعتدال والاتزان النفسيين ،الناتجين عن التمتع بقدر من الثبات الانفعالي الذي يميز الشخصية ،والذي يتجلى في شعور الفرد بالطمأنينة ،والأمان ،والرضا عن الذات ،وأيضا ،في القدرة على التكيف مع الواقع .والعمل على مشكلاته ،مع الحرص التام على امتلاك مهارات التفاعل الاجتماعي .فإنه بهذا المعنى، يمكن القول ،بأن الحب الحقيقي إنما هو : ثمرة لوعي الفرد بقيمة الحياة ،وإدراكه لحقيقة المصير .ومجاهدته لنوازع النفس الأمارة بالسوء ،والارتقاء بها إلى مستوى الفضائل والكمالات ؛شرط أن يكون في هذا الحب توافق لدى الفرد بين الحاجات الحيوية والمشاعر الوجدانية التي تدعوا لها لغته البيولوجية من جهة ،وبين تلك القيم والفضائل ،التي تدعوا لها لغة أخرى من أهل الاجتماع والأخلاق والتصوف ، من جهة أخرى . بالتالي ،فإن الحب الحقيقي ،إنما هو ذلك الذي يخلص الأنا من عبادة الذات .ويسعى إلى أن لا يخلط فيما بينهما وبين الحب الحقيقي .لأن هذا الأخير ،إنما هو تلك العلاقة التي تنبني على التبادل والتجاوب بين طرفين اثنين ؛إذ تنشأ بينهما علاقة أخذ و عطاء .فيحيا كل واحد منهما بحياة الآخر بغية تحقيق الكمال والاستقرار النفسي .
وبناءاًعليه ،فإنه لا ينبغي أن نخلط بين الحب و الأنانية ؛لأن الحب ،ليس مجرد نقطة تلاف تتقابل عندها أنانيتان شجاعتان ،فتخدم الواحدة منهما ،نفسها عندما تخدم نفسها عندما تخدم الأخرى . ولا شك أن مثل هذا الحب ،لا بد أن يستحيل إلى أداة اتصال وانفصال معاً، ما دام هذان المتحابان لا يلتقيان ،إلا لكي يعمل كل واحد منهما على زيادة حظه من الإشباع المادي ،القائم على تحصيل المتعة الحسية . وهنا فقط يكون هذا التلاقي مجرد ذريعة أو مناسبة بين الطرفين تسمح لكل واحد منهما من أن يزيد من حدة شعوره بما يملك . أما الحب الحقيقي ،فما هو كذلك ،وإنما هو علاقة شخصية يراد من وراءها الانتصار على شتى دروب الانفصال من أجل تحقيق الوصال الحقيقي مع الآخر. إذ هو ميثاق تراضي وترابط بين ذكر وأنثى على وجه الدوام ،غايته الإحصان و العفاف .
________________________________________
[1]«مشكلة الحب» ص 14.
[2]نفس المصدر ص 29و30 .
[3]نفس المصدر ص 30 .
[4]« مشكلةالحب » ص30.
[5]نفس المصدر ص 30 .
[6]نفس المصدر ص 31.
[7]نفس المصدر ص 31.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top