مفهوم الطلاق في الإسلام ان الطلاق من اكثر المواضيع التي تثير الجدل دائما وفي الاوان الاخيره اصبحت ظاهره الطلاق كثيره التكرر ويختلف الانسان لمفهومها في الدين واحكامها ولذلك نقدم لكم مقال عن مفهوم الطلاق في الاسلام.
الطلاق
أيها الأخوة الأكارم… تعودتم أن يطرح في هذا الدرس موضوعات نحن جميعاً في أمسِّ الحاجة إليها، والحقيقة كيف أعرف أنا الموضوعات التي أنتم في أمس الحاجة إليها؟ هناك طريقةٌ تعرف بها هذه الموضوعات، عددُ الأخوة الأكارم الذين يسألونني في موضوعٍ واحد، فكل عشرة أخوة كرام يطرحون عليّ أسئلةً فقهيةً، نصفهم أو أكثر في موضوع الطلاق، لأن كل إنسانٍ لا بد له من زوجة، ولا بد في العلاقة الزوجية من مشادات أحياناً، فحينما يتصرَّف الزوج في هذه المشاحنة، تصرفاً ينقله إلى دائرة الطلاق، عندئذٍ تقع المشكلة الكبيرة التي لا حل لها.
والشيء المؤسف أن إخوةً كرام من طلاب العلم الشرعي، من روَّاد المساجد، في حالة في غضبهم يطلِّقون، فإذا طلقوا صاروا تحت رحمة المفتين، وتحت رحمة من يسألونهم، فتارةً يسألونهم، وتارةً يصدقونهم، وتارةً يشككون في فتاويهم، على كلٍّ هذا الذي يطلِّق من دون أسبابٍ جوهريةٍ، دخل في منطقة الشك، وحالة الشك حالةٌ صعبةٌ جداً، هذا الكلام لمن؟ أولاً للمتزوجين، لمن وقع في مثل هذه الحالات علاجاً، ولمن لم يقع وقايةً، ولمن لم يتزوج تعليماً، الأخ الشاب الذي لم يتزوج هذا تعليم له، والذي تزوج وقاية، والذي وقع هذا علاج.
الطلاق من أدق الموضوعات التي يجب ان نعرفها
الشيء الثابت أن عدد الذين يطرحون عليّ أسئلةً في موضوع الطلاق كثيرون جداً من دون شك، وعدد الذين يطرحون عليّ سؤال الطلاق من بين رواد العلم، وطلاَّب العلم أيضاً كثيرون، معنى ذلك هذا مقياسٌ أعرف به أن موضوع الطلاق من أدق الموضوعات التي نحن في أمس الحاجة إلى معرفتها.
فضلاً عن أن الإنسان أحياناً حينما يتطلع إلى دقائق الشرع، لو لم يكن محتاجاً لهذا الحكم، إن دقائق الشرع وحدها وفي حدّ ذاتها يمكن أن تكون طريقاً له لمعرفة الله عزَّ وجل فأحكام الشرع لها وظيفتان؛ وظيفةٌ تطبيقية، ووظيفةٌ تعريفية، فأحكام الشرع تعرفنا بربنا، وأحكام الشرع تفيدنا في حياتنا.
من بديهيات الأمور أنه عندما يصل الإنسان إلى شيءٍ ثمين، هناك مهمةٌ لا تقل خطورةً عن مهمة الوصول إليه، أنا حينما أصل إلى منصب، إلى أن وصلت بذلت جهداً كثيراً لكن بعد أن أصل هناك جهدٌ من نوعٍ آخر، ما هو هذا الجهد؟ الحفاظ عليه، أنا حينما أنتصر في الحرب، بذلت جهداً كثيراً، ولكن حينما أنتصر هناك جهدٌ آخر، أن أحافظ على هذا النصر، قياساً على هذا، أنا حينما أسعى، وأكد، وأتعب كي أصل إلى زوجة، والزوجة من نعم الله على الإنسان في الدنيا.
(( إِنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ ))
[ النسائي عن عمرو بن العاص ]
فالزوجة نعمة، فمن الكفر بالنعمة عدم المحافظة عليها، ومن عدم المحافظة عليها أن يوقع الإنسان يمين الطلاق لسببٍ وجيه أو لغير وجيه، هذا الذي يطلق لأتفه الأسباب، هذا يكفر بنعمة الله عليه، كانت حلالاً له فأصبحت حراماً عليه، كانت حلالاً له وهو مطمئن فأصبحت حلالاً وهو متشكك، هذا رأي فلان، لكن فلان قال لي: طلقت.
فأنا لا أرى أشد عذاباً من إنسان تورَّط في يمين طلاق، وصار موزعاً مشتتاً بين المفتين، المتشددون طلقت فوراً مع السلامة، لا تغلِّب نفسك، والمتساهلون، يا أخي من أين جاؤوا بهذا المذهب؟ إذا تساهل العلماء معه يشك في فتواهم، وإذا تشددوا يضيق منهم، والله شيء يحير، أليس من الأولى أن تبتعد عن هذه المنطقة كلها؟! أليس من الأولى أن تعيش ناعم البال؟! أليس من الأولى أن تعالج قضايا الزوجية في أية طريقةٍ إلا موضوع الطلاق !.
إذاً نحن في أمس الحاجة لهذا الموضوع، أنا كلما رأيت أخاً راجح العقل، رأيته يبتعد عن موضوع الطلاق، يبتعد عن أن يعالج امرأته بأسلوب الطلاق، هناك آلاف المعالجات؛ لك أن تعظ، لك أن تبيِّن، لك أن تهجر، لك أن تُعَنِّف، لك أن تتغافل، لك أن تُكْرم، لك أن تعرض، استخدم أي طريق إلا طريق الطلاق، لأن هذا الطريق نتائجه ليست في صالحك وليست مريحةٌ.
الزواج عقدٌ مقدس
الطلاق أيها الأخوة… مأخوذٌ من الإطلاق، أطلق صراحه، الطلاق مأخوذٌ من الإطلاق، وهو الإرسال والترك، معناها المرأة مقيدةٌ بك، محبوسةٌ من أجلك، مرتبطةٌ بك، فإذا طلَّقتها فقد أرسلتها، وتركتها، تقول: أطلقت الأسير، إذا حللت قيده وأرسلته، وفي الشرع حلُّ رابطة الزواج، وإنهاء العلاقة الزوجية، أنا لا أبالغ حينما أقول إن أقدس عقدٍ في الحياة الإنسانية هو عقد الزواج، وليس هذا من عندي، ولكن هذا من القرآن الكريم، فالله جلَّ جلاله يقول في سورة النساء في الآية الواحدة والعشرين:
﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً ﴾
[ سورة النساء : 21]
هذا الميثاق الغليظ هو عقد الزواج، ميثاق غليظ، فقد أفضى بعضكم إلى بعض ،يرى الزوج من زوجته ما لا يستطيع أحدٌ على وجه الأرض أن يراه منها، وترى منه ما لا تستطيع امرأةٌ على وجه الأرض أن تراه منه. مشكلة الطلاق
﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً ﴾
[ سورة النساء : 21]
هذا عقدٌ مقدس، ومن لوازم قدسيته المحافظة عليه، ومن لوازم قدسيته أنه يجب أن يكون على التأبيد، لا يصحُّ عقد الزواج إلا إذا كان على التأبيد، هذا رأي الإمام الأوزاعي: ” إن لم يكن عقد الزواج على التأبيد فهو باطل”
زواج، وإنجاب أولاد، شريكة حياة، تربية أولاد، مستقبل أولاد، أنت الآن ستكون سبباً لإنجاب مخلوق من بني البشر، إنسان أكرم مخلوقٍ على الله، فإذا لم تحسن اختيار الزوجة، وأنجبت مولوداً ثم طلَّقت أمه، فضاع بين أمه وأبيه، ضاع بين أمه المطلَّقة وأبيه المبغض، فشوهت شخصيته، وحطمت مكانته، وشعر بالضياع، فأنت السبب.
فقد سألني البارحة أخ وكان مضمون السؤال: أن عنده زوجة وهي جيدة جداً، لكنها لا تعامل ابنته التي من غيرها كما تعامل الأم ابنتها، قلت له: هذا هو الشيء الطبيعي، هذا الذي تفعلّه زوجتك مع ابنتك التي من غيرها شيء طبيعي، ليست ابنتها، قلت له فيما أذكر: هذه هي أحد سلبيات الطلاق، حينما تطلِّق فهذه الفتاة الوديعة سوف تعيش مع امرأةٍ ليست أمها، كلُّ العواطف كلُّ المحبة ليست موجودة عند هذه المرأة.
كلّ عقد زواجٍ لا يُلمح فيه التأبيد هو عقدٌ باطل
لذلك إن لم يكن عقد الزواج على التأبيد، فهو عند الإمام الأوزاعي عقدٌ باطل على التأبيد، لك أن تطلق ولكن بعد أن بدا لك شيءٌ جديد، أما حينما تعقد عقد الزواج، إن أردت أن تعقد هذا العقد وفي نيتك أن تطلق، فلن تنجو من عذاب الله، لكن تنجو من البشر، العلامات كلّها صحيحة، ماذا يفعل القاضي معك؟ جئت القاضي وقلت: تزوجت فلانة، وقبلت وهي قبلت بك زوجاً، فتوافر الإيجاب والقبول ووليٌ وشاهدا عدلٍ، هذه هي أركان عقد الزواج أما من الذي يتطلع على قلب الإنسان؟ الله جلَّ جلاله، لذلك الفقهاء يحكمون على ذلك العقد بأنه صحيح، ولو أنك تنوي التوقيت، هذا لا يعلمه الفقهاء، ولا يعلمه القاضي الشرعي، ولكن الله يعلمه، الله وحده يعلم ما إذا كنت ناوياً التأبيد أم ناوياً التوقيت.
على كلٍّ أنا أميل إلى رأي الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى، في أن كلَّ عقد زواجٍ لا يُلمح فيه التأبيد فهو عقدٌ باطل، لماذا؟ لأنه أقدس عقدٍ في الحياة الإنسانية، عقد اقتران رجل بإمرأة لإنجاب أولاد، من يربيهم؟ من يعنى بهم؟ من يهتم بشؤونهم؟
هذه الزوجة تمر بأطوار، في الطور الأول مقبولة جداً ومرغوبة جداً، أما هناك طور آخر كما قالت هذه المرأة التي اشتكت إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وكانت قد اشتكت إلى الله، وقد سمع الله شكواها من فوق سبع سموات، اشتكت وقالت: ” إن زوجي تزوجني وأنا شابة ذات أهلٍ ومال، فلما كبرت سني، ونثر بطني، وتفرَّق أهلي، وذهب مالي، قال: أنت عليَّ كظهر أمي، ولي منه أولاد، إن تركتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليَّ جاعوا”
فبكى النبي عليه الصلاة والسلام، هذه وهي شابة مرغوب فيها، بعد أن استمتعت بشبابها تطلّقها وقد زوى جمالها، الآن أصبحت أم أولاد، أصبح لها مكانة أخرى في الأسرة؛ مكانة الموجهة، مكانة المرأة الحكيمة، المرأة الحصيفة، توجِّه بناتها، تهديهم، ترعاهم، فلذلك أنا وقفت هذه الوقفة لأبين لكم أن عقد الزواج يجب أن يكون على التأبيد.
أيّ سلوكٍ يباعد بين الزوجين سلوك محرم
الآن أي سلوكٍ من شأنه أن يفصم هذه العلاقة، أو أن يباعد بين الزوجين، أو أن يفرِّق بينهما، أو أن يلقي بينهما العداوة والبغضاء، أي سلوك، هذا سلوك محرم في الإسلام، ما الدليل ؟ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ ))
[رواه أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]
معنى خبب أي أفسد، وهذا الحديث وحده أيها الأخوة يمكن أن تنعقد عليه مجلدات، آلاف الكلمات، آلاف التعليقات، آلاف المواقف، يمكن أن تفسد العلاقة بين الزوج وزوجته، وأنتم لا يخفى عليكم ذلك.
أي إذا قالت لها إنسانة خبيثة شيطانة: والله يليق فيك إنسان أحسن من هذا، ماذا قلنا؟ هذه الزوجة كانت غافلة، والله أنا مرغوبة، وهذا الذي أنا تزوجته غير راكز، أصبح في إعراض، أو يقول أحد للزوج ولتكن أمه أحياناً اتركها وسنخطب لك أجمل منها.
أي سلوكٍ يفعله رجلٌ أو امرأة من شأنه أن يفسد زوجةً على زوجها أو زوجاً على زوجته، هذا سلوك يبغضه الله عزَّ وجل، فانتبه إلى كثير من الكلمات والتعليقات، البيت صغير يليق بك إنسان أحسن منه، يليق بك إنسانة أحسن منها، أي تعليقٍ شيطاني هذا الذي يقول هذا الكلام شيطانٌ ناطق، إبليس لعين، لقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( ليس منا من فرَّق))
المؤمن دائماً يوفِّق، المؤمن على مستوى أخواته المتزوجات دائماً يمتِّن علاقتهن بأزواجهم، عن طريق ترغيب أخته بزوجها، يمتن علاقة زوج بزوجته عن طريق ترغيبه بزوجته، النبي عليه الصلاة والسلام كان يحسِّن الحسن ويقبح القبيح، فالإنسان إذا زار ابنته، أو زار أخته، أو زار امرأة من محارمه، قبل أن يتكلّم ويعلِّق يعد للمليون، لأن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً، كان هناك مودة بينهما، كان هناك وئام، كان هناك سرور، كان هناك احترام متبادل، كان هناك رضا باليسير، كان هناك عش إسلامي كله سعادة، فلما جاءت هذه المرأة الخبيثة الشيطانة فألقت في أُذن هذه المرأة كلاماً حزنتها على حالتها، فلما جاء زوجها نفرت منه، فلما نفرت منه نفر منها، تلاسنا تصايحا، تشاتما، حلف يمين طلاق، هذا درس اليوم، ساعة غضب شيطاني حلف بالطلاق لأن عقد الزواج أقدس عقدٍ في الحياة الإسلامية، لأن عقد الزواج هو العقد الغليظ المُقدس، لذلك أية محاولةٍ لفصم هذه العلاقة، أية محاولةٍ لإضعاف هذه العلاقة، أية محاولةٍ لتحريك هذه العلاقة تحريكاً سلبياً، هذا التصرُّف مُحرمٌ في الشرع الإسلامي.
الطلاق صمام أمان للعلاقة الزوجية
لذلك ليس في الطلاق إلا هذا الحديث:
(( أَبْغَضُ الْحَلالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلاقُ ))
[ أبو داود عن ابن عمر]
أي طنجرة بُخار فيها صمَّام أمان لئلا تنفجر، نستخدم هذا الصمام لحالات نادرة لئلا تنفجر، لئلا تنفجر فتحرق من في البيت نستخدم هذا الصمام الذي هو الطلاق، أي حينما تغدو علاقة الرجل بامرأته علاقةً مستحيلة، علاقةً سيئة، حينما تغدو الحياة بينهما حياةً شقية، حينما لا يستطيع كلٌ منهما أن يعيش مع الآخر، حينما نخاف على الزوجين أن يفسدا، حينما نخشى عليهما الزنا، حينما نخشى عليهم التحوُّل عن طريق الإيمان، عندئذٍ يأتي الطلاق كصمام أمان لهذه العلاقة الزوجية، لذلك حينما طلب النبي عليه الصلاة والسلام من امرأةٍ أن تراجع زوجها، قالت له: “يا رسول الله إني أكره الكفر بعد الإيمان، فلما قالت له ذلك قال: إذاً طلّقها تطليقة وردي له الحديقة”.
هذه هي المخالعة، مادمت لا تستطيعين أن تعيشي معه، والحياة لا تطاق، حياة مستحيلة، حياة متفجِّرة، كل يوم مشكلة، تنافر في الطباع شديد والوفاق مستحيل، عندئذٍ يأتي الطلاق كصمَّام أمان، يأتي الطلاق كحلٍ لا بدَّ منه، لكن هذا الحل أبغض الحلول إلى الله.
الصلح بين الزوجين
لهذا حينما ذكر الله عزَّ وجل موضوع الصلح بين الزوجين قال:
﴿ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾
[ سورة النساء: 128]
وحينما ذكر الله عزَّ وجل أن ابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها قال:
﴿ إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً ﴾
[سورة النساء: 35 ]
أي أن التوجه في موضوع التحكيم في الزواج توجه نحو المصالحة، لذلك من أفضل الأعمال أن يمكنك الله عزَّ وجل من أن توفِّق بين زوجين، من أن تصلح بين زوجين، أنا أقول الكلام لمن؟ للشباب أو الرجال الذين لهم أخوات متزواجات.
مرة شكا لي أخ فقال لي: كنت أشكو همي لأخ زوجتي، أتكلم له عن طباعها وعن تقصيرها، فقال لي: طلقها، فهذا سكت دهراً ونطق كفراً.. سكت، وسكتْ وسكت وقال له: طلقها وارتح منها، فهل هذا هو الحل؟
فكل واحد له أخوات بنات، ومن الأعمال الجليلة – أنا أقول كلاماً دقيقاً جداً – من الأعمال الجليلة أن يتفقد أخواته البنات، فإذا كان هناك مشكلة بينها وبين زوجها يصلح بينهما، هو المؤهَّل، فهذه أخته وهذا صهره، هو المؤهل أن يصلح بينهما، فهذا الموقف: ما هذا العي؟ لا أريد وجعاً لرأسي، هذا موقف المنافقين، هذا موقف أهل الدنيا، أما المؤمن فيسعى للإصلاح بين الزوجين، ولا سيما إن كانت الزوجة أخته، من باب أولى، فكل إنسان عنده أخوات متزوجات، لماذا الزيارة؟ زرها من حين إلى آخر، تفقد أحوالها اسألها عن زوجها، عن علاقتهم، إن شاء الله تكوني مسرورة وهناك وفاق و مودة؟
ذكر لي أخ قصة لا أنساها له، قال لي: مرة دخلت على أختي فوجدت خصومة بينها وبين زوجها، والخصومة على مبلغ ثلاثمئة ليرة في الشهر والقصة قديمة، فقام هذا الأخ بالتبرع بالمبلغ، فهي تريد مبلغاً من راتبه للكسوة، وهو ليس معه، ودخله لا يكفي للطعام، هي تريد مبلغاً وهو رفض، ويظهر أنهم تصايحا وتلاسنا في وقت دخول هذا الأخ، فأراد حسماً لهذه المشكلة، قال لها: يا أختي هذا المبلغ خذيه مني، فانتهت المشكلة، قال لي: والله في كل شهر أطرق الباب وأعطها ثلاثمئة ليرة، يقول لي: في الشهر السادس، طلبت منه أخته أن يلقي عليهم درساً، عليها وعلى أخواتها وعلى بناتها، فصار مجلس علم، فحضَّر لهم آية قرآنية يفسرها، وحديثاً شريفاً، وحكماً فقهياً، وقراءة قرآن، وحفظ قرآن، فالأخوات تحجبن، بناتهن كذلك تحجبن، وقال لي: الله أكرمني وزوَّجت عدة بنات من بنات أخواتي لأصهار مؤمنين، فكان هذا المبلغ الذي حلَّ به مشكلة في البيت سبباً للهدى، وأصبح توجه أسرتين أو ثلاث توجهاً دينياً، والله أكرمهم بأزواج مؤمنين، فأنا هذا الكلام أقوله لأنه لا يوجد إنسان ليس عنده أخوات متزوجات، أما كلمة ليس لي دخل، هذا كلام شيطان، فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، هناك قول: “من مشى بتزويج رجلٍ بامرأةٍ، كان له بكل كلمةٍ قالها وبكل خطوةٍ خطاها عبادة سنةٍ قام ليلها وصام نهارها ”
وهناك قول آخر: “امش بجنازة ولا تمشي بزواجة”
أيهما أصح؟ أن يقول الإنسان قولاً يقطر حكمةً، ويقطر إحساناً، ويقطر رحمةً، أم أن يقول قولاً كلّه كلام شيطاني إذاً:
(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا))
[ أبو داود عن أبي هريرة]
انتبه، في زياراتك لأقربائك، أحياناً يكون لك خالة زوجها فقير تشكي لك فقره، أنت كن ذكياً، بيِّن قيمة الصحة، بيِّن أخلاقه العالية، بيِّن أنه ورع، فهي تطمئن وتقول لك: الله يجزيك الخير طمأنتني، والله ارتحت الآن، فأنت بهذا العمل أرحتها، لك خالة وعمة، وبنت أخ وبنت أخت، أخوات بنات، ليس منا من فرق..
(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا))
أية امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس حرمت الجنة
الآن سنأخذ الطرف الآخر، امرأةٌ سألت زوجها الطلاق من غير بأسٍ، قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه ثوبان عن رسول الله أنه قال:
(( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ))
[ الترمذي عن ثوبان]
الآن أقل كلمة تقولها المرأة :تضرب هذه العيشة.
لو صار معها مشكلة بكليتيها تصيح و تصرخ، ولو صار معها مشكلة بجسمها تصيح وتستريح، فهذه الكلمة فيها كفر، كفر بنعمة الله عزَّ وجل.
(( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ))
[ الترمذي عن ثوبان]
خير متاع الدنيا الزوجة الصالحة
كأن تقول له: طلقني، أنا أنتظر أن تطلقني، لا يوجد داع لذلك، فأنت ساكنة في بيت، والأمور ميسرة كلُّها، وهذا التنافر في الطباع بسيط، ولأسباب تافهة تقول رأساً: طلقني، فهذا حمق، حمق من جهة، وكفر بالنعمة من جهة أخرى.
أتمنى وأرجو الله عزَّ وجل ألا تقول امرأةٌ مؤمنةٌ في كل حياتها لزوجها: طلقني، أرجو الله عزَّ وجل أن يلهم الأخوات المؤمنات الحكمة، كلمة طلقني كلمة فيها كفر بنعمة الزواج، أحياناً امرأة ترى امرأةً أخرى لها زوج ولها أولاد قد تتألم، قد تتمنى أن يكون لها زوج، فهذه امرأةٌ حُرمت نعمة الزواج لحكمةٍ أرادها الله، ولعلها أرقى عند الله من هذه المتزوجة، فالدنيا فانية ومؤقتة، لكن الشيء محبب، فالمرأة التي حرمت نعمة الزواج لا ينبغي لامرأةٍ أكرمها الله بنعمة الزواج أن تكفر بهذه النعمة، أن تقول لسببٍ أو لغير سبب: طلقني، انتبهوا، علموا بناتكم، علموا زوجاتكم، كلمة ( الطاء واللام والألف والقاف ) هذه كلمةٌ ملغيةٌ في قاموس المؤمن ( الطاء واللام والألف والقاف ) لا يوجد بيت لا يوجد فيه مشكلة حتى نكون واقعيين، لا يوجد زوجان لا يتشاحنان، شيء طبيعي يتشاحنان، يتحاربان، يتصالحان، يزْوِرها، تزْوره وهكذا، يتكلم ولكن خلال يومين ينتهي الأمر، أما الطلاق فاذهب لعند المشايخ، تدق عليه بابه فيقولوا لك: ليس هنا، فتسألهم عن موعد مجيئه؟ سيحضر في اليوم الثاني، ترجوهم وتسألهم وتأخذ فتواهم، هذا قال لك: طلقت، لا حول الله، وهذا يقول لك: لم تطلق أنت كنت غاضباً، وذهبت عند الأول قلت له: أنا غضبان، قال لك: ماذا تعني كلمة غضبان هل أنت مجنون؟ الغضب الذي نص عليه الفقهاء هو: ألا تعرف السماء من الأرض، والطول من العرض، أي غضب هذا، فهذا الشيخ قال لك: غضبان، لا لمْ تطلق، والآخر قال لك: لا لم تكن غضبان، اقعد وحدد مقدار الغضب الذي ينطبق عليك حكم الغضب.
أنا أتمنى على الأخ ألا يتصرف هذا التصرف فيصبح نُهبة وعُرضة لفتاوي العلماء لذلك:
(( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ))
[ الترمذي عن ثوبان]
بالمقابل زوج، تعبت، وجهدت، وصمدت، حتى اشتريت هذا البيت وفرشت هذا البيت وحتى خطبت هذه الإنسانة وحتى استقريت معها، لأنه أصبح في مشكلة في البيت ولم تلبِّ لك طلباتك فوراً تقول لها: طالق بالثلاثة، بالثلاثة فوراً، إن حللك شيخ يحرمك عشرة، هذه يقولونها كثيراً، ما هذا الكلام الفارغ؟ أنا لا أنطلق من هراء، أنا أنطلق من حالات أستمع إليها دائماً، مشكلات أُعانيها، هذا واقع مجتمعنا المسلم يوجد تقصير وهناك جهل أيضاً.
نهي النبي عن أن تكيد امرأة لأُختها حتى تُطلق لتحل محلها
الآن:
((لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح، فإنما لها ما قدر لها))
[ البخاري عن أبي هريرة]
النبيّ الكريم نهى، وهذه مؤامرات، تجد إنسانة متزوجة، امرأة أُخرى تكيد لهذه المتزوجة حتى تسبب طلاقها من زوجها، بعد أن يُطلقها تعرض نفسها عليه، هذا شيء واقع، واقع بكميات كبيرة جداً، بحالات كثيرة، أن امرأة تكيد لأُختها حتى تُطلق من زوجها لتحل محلها، فالنبي عليه الصلاة والسلام نهى أيضاً عن هذا السُلوك الشائن، والسلوك الذي لا يرضي الله عزّ وجل.
حتى الآن الموضوع حول أن أقدس عقدٍ في الحياة الإنسانية هو عقد الزواج:
﴿ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً ﴾
[ سورة النساء : 21]
الزوج ليس له الحق أن يُطلق لسببٍ تافه، وفي هذا التطليق كفرٌ بنعمة الزواج، والزوجة ليس لها الحق أن تسأل زوجها الطلاق لسببٍ تافهٍ، ولا يحق أيضاً لمرأةٍ أن تخبب امرأةٍ على زوجها، أو أن تخبب زوجاً على امرأته، كما أنه لا يحق لرجلٍ أن يخبب امرأةٍ على زوجها ليتزوجها، كذلك لا يحق لامرأةٍ أن تخبب زوجاً على زوجته لتحل محلها، هذا حرام وذاك حرام.
الحاجة الماسة التي تُبيح الطلاق
العلماء والفقهاء اختلفوا في حكم الطلاق، وأصح من هذه الآراء، رأي الذين ذهبوا إلى حظره إلا لحاجة، أصح الآراء في هذا الموضوع أن طائفةً من العلماء حظروا هذا الحكم إلا لحاجةٍ ماسة، أي أن الطلاق لا بد له من سببٍ وجيه، لا بد له من عُذرٍ بالغ، لا بد له من حالةٍ مستعصية، في الحالات المستعصية، في الأسباب الخطيرة، في العذر البالغ، يمكن أن نوافق على الطلاق، من أين استنبط هؤلاء العلماء هذا الحكم أنه محظورٌ؟ الطلاق محظور إلا لحاجةٍ ماسة، هذا عند الأحناف والحنابلة، استدلوا بقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( لعن الله كل ذواقٍ مٍطلاق))
[فقه السنة]
كلمة لعن تفيد أن هذا الشيء من الكبائر، لعن، أبعد، مطلاق على وزن مفعال أي كثير الطلاق، يتزوج ويُطلق، الأحناف والحنابلة رأوا أن الطلاق حكمه محظورٌ إلا لحاجةٍ ماسة، استنباطاً من قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( لعن الله كل ذواقٍ مٍطلاق))
ما هذه الحاجة الماسة التي تُبيح الطلاق ؟ العلماء قالوا: أن يرتاب الزوج بسلوك زوجته، أي ليس مطمئناً لعفة زوجته، ليس مطمئناً لطهارتها، يخاف إذا غاب عن البيت أن يدخل عليها رجل، يخاف أن تنجب طفلاً من غيره، هذه الأسباب الوجيهة في الطلاق هكذا نص العلماء، من هذه الضرورة التي تبيح الطلاق أن يرتاب الرجل من سلوك زوجته، ليس مطمئناً، تزيغ، هذا سبب وجيه.
يوجد سبب آخر وهذا السبب أخشى أن أقوله ببساطة، لئلا يفهم فهماً ما أردته، أي إذا خاف على نفسه أن يقع في الزنا في بقائه مع هذه الزوجة حلّ له طلاقها، أي زوجة لا يمكن أن تُحصنه، وفهمكم كفاية، إذا استحال أن يحصن بهذه الزوجة أي مادامت عنده، يخشى على نفسه أن يزني، هذه حالة أُخرى العلماء جعلوها سبباً موجباً أو مبرراً أو مقبولاً في الطلاق، إما أنه يشك في أخلاقها، في سلوكها، يشك في عفتها، لا تردُّ يدَ لامسٍ كما سئل عليه الصلاة والسلام، قال له: ” إن امرأتي لا ترد يدَ لامس ” شك في طهارتها، في عفتها، في استقامتها، يخشى أن يأتيه ولدٌ من غيره، هذا سبب وجيه من أسباب الطلاق، وقد ورد في الحديث الشريف:
(( لا تطلق النساء إلا من ريبة ))
[ الطبراني عن أبي موسى]
أو أنه لا يستطيع أن يكون محصناً مع هذه المرأة، الطلاق مقبولٌ أيضاً إذا أقر الحكمان أن بين الزوجان شقاقاً ليس له حل، وحله الطلاق، أحياناً الحكمين، حكمٌ من أهله وحكمٌ من أهلها، هذان الحكمان يُقرران أن الطلاق هو الحل.
أنواع الطلاق
الطلاق الواجب، إذا أقرّ الحكمان أن الشقاق بين الزوجين لا يزول، وأنه يتفاقم، وأن هذا الشقاق ربما أدى إلى مفسدة كبيرة، ربما أدى إلى انحراف خطير، فعندئذٍ الطلاق واجب، أما الطلاق المحرم فقال: هو الطلاق من غير حاجةٍ إليه، وإنما كان حراماً لأنه إيقاع الضرر بنفس الزوج ونفس الزوجة، هذا الطلاق لا يوجد أسباب موجبة، فهي مقبولة عنده ومقبول عندها، وينفق عليها، ويسكنها في بيت وحدها، انتهى الأمر، مقبولةٌ ومقبول، وينفق عليها، وهي في بيتٍ مستقلةٍ به، لأسباب مشادة ومشاحنة تنفصم هذه العلاقة، يُحرم منها، وتُحرم منه، ويشرد الأولاد هذا طلاقٌ محرم.
الواجب هو حينما يرى الحكمان أن الطلاق خيرٌ من البقاء، حكمان عدلان منصفان متبصران، فهما جلية الأمر، فهما أبعاد المشكلة، رأيا أن هذا الزواج لا يمكن أن يستمر، هذا الطلاق الواجب، الطلاق المحرم طلاقٌ من غير حاجة، لأنه إتلاف للمال، إضرار للنفس؛ بنفس الزوج ونفس الزوجة، وتضييعٌ للأولاد، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ ))
[ابن ماجة عن ابن عباس]
وفيما رواه أبو داود عَنْ مُحَارِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( مَا أَحَلَّ اللَّهُ شَيْئًا أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّلاقِ ))
[ أبو داود عن محارب]
الواجب عرفناه، والمحرم عرفناه، أما الطلاق المباح الذي يكون عند الحاجة كما قلت قبل قليل، فحينما يشك في سلوكها، حينما يشك في عفتها، حينما يخشى أن تنجب من غيره، أو حينما لا تحصنه إطلاقاً، بل ربما دفعته إلى الانحراف، أما المباح إذاً لسببٍ مقبولٍ في نظر الشرع.
وهناك طلاق مندوب قال: الطلاق الذي يكون عند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة عليها، سافرة، لا تُصلي، لا تحب الدين إطلاقاً، تُهاجم الدين، تُربي أولادها تربيةً فاسدة، تُبعدهم عن بيوت الله، هذا الطلاق المندوب، أصبح عندنا طلاق واجب، وطلاق مباح، وطلاق محرم، وطلاق مندوب.
أنا أرى أن موضوع الطلاق موضوع يجب أن يقف على دقته وأبعاده كل الشباب، وأكمل شيء في الطلاق أن تتزوج امرأةً لا تحتاج أن تُطلقها، كيف؟ عليك أن تتزوج امرأةً لا تحتاج إلى تطليقها، أي ادرس الأمر جلياً، اسأل عن أخلاقها، عن أسرتها، عن والدتها، عن والدها، عن مستواها، مستواهم الديني، الدين عندهم مقبول، غير مقبول، يوجد تربية طيبة، يوجد فهم، أي عُدّ كثيراً، عُدّ للآلاف قبل أن توافق، أي أن تتزوج امرأةً لا تحتاج معها أن تُطلقها، هذا هو أكمل شيءٍ في موضوع الطلاق.
الطلاق من حق الرجل وحده
قال: الطلاق من حق الرجل وحده، قد يجد الإنسان هناك من يُهاجم الدين فالبعيدون عن الله عزّ وجل، المتمسكون بالشرائع الوضعية لا يُعجبهم ذلك، الزوج تكلف، مادام هو المنفق، هو المتضرر بإنفاق المال الكثير لتحقيق هذا النفع في الزواج، فمن حقه وحده أن يطلق، فالشرع الحنيف جعل حق الطلاق بيد الرجل وحده، لماذا؟ أيهما أحرص على بقاء الزواج؟ الزوج أم الزوجة من الوجهة المادية؟ الزوج لأنه أنفق، المنفق هو الأحرص على بقاء الشيء، مادام الزوج أنفق، وتجشم المتاعب حتى حصل على هذا الزواج، وهو المتضرر مادياً، إذاً من حقه هو أن يُطلقها، أما هي مزاجية فلسببٍ أو لآخر لو كان الطلاق بيدها لا يبقى زواج ولا في المئة واحد، فلحكمةٍ أرادها الله عزّ وجل وهو الخالق الخبير جعل الطلاق من حق الرجل وحده، فإذا أراد تطليق امرأته عليه أن يعطيها مؤخر المهر، ومتعة الطلاق، وأن ينفق عليها مدة العِدة ”
دائماً الزوج لأنه أنفق فهو أصبر على ما ينغِّص الزواج، والزوجة لأنها لم تنفق أقرب إلى أن تفصم عُرى هذا الزواج، فلذلك الشرع الحكيم جعل حق التطليق بيدِ الرجلِ وحده، أما الزوجة فيوجد لها صمام أمان، أي حينما الزوجة تجد أن الحياة معه مستحيلة، بإمكانها أن تفتدي نفسها منه، أي أن تسامحه بكل مالها عنده، عندئذٍ تكون المخالعة، قال له:” طلقها تطليقة وردِي له الحديقة ”
فنحن عندنا قاعدة، إذا أمر القاضي بالتفريق بين الزوجين فهذا التفريق طلاقٌ أوقعه القاضي، وإذا أراد الزوج إنهاء هذه العلاقة فهو الطلاق، وإذا أرادت الزوجة إنهاء هذه العلاقة، فهي المخالعة، يوجد عندنا مخالعة، وطلاق، وتفريق، التفريق من طرفٍ ثالث وهو القاضي، والطلاق من طرف الزوج، والمخالعة من طرف الزوجة.
تفاصيل في الطلاق
الآن دخلنا في تفاصيل الطلاق، يقع الطلاق من الزوج العاقل، فالمجنون لا يقع طلاقه عند معظم العلماء، البالغ الصغير لا يقع طلاقه، يجب أن يقع الطلاق من العاقل والبالغ والمختار، أما المُكره فلا يقع طلاقه، إذا أُكره إنسان تحت قوة السلاح أن يطلق، طلاقه لا يقع، طلاق المجنون والصبي والمكره طلاقٌ يعد لغواً لا أثر له في فصم هذه العلاقة، فقد ورد في سنن لأبي داود عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلام عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ ))
[ أبو داود عن علي]
وفيما رواه الترمذي والبخاري:
((كُلُّ طَلاقٍ جَائِزٌ إِلا طَلاقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ ))
[ الترمذي و البخاري عن أبي هريرة]
وفي درسٍ آخر إن شاء الله أتحدث عن طلاق المُكره، وعن طلاق السكران، وعن طلاق الغضبان، وعن طلاق الهازل، وعن طلاق المخطئ، وعن طلاق الغافل والساهي، وعن طلاق المدهوش، ثم ننتقل إلى المرأة التي يقع عليها الطلاق، ونتابع هذا الموضوع إن شاء الله، على أن ننهيه في درسين أو ثلاثة، لأن هذا الموضوع يجب أن يكون عند الأخوة الكرام موضوعاً أساسياً، المتزوج وقايةً، والمتزوج الذي تورَّط في طلاق علاجاً، والشاب تعلماً.
الطلاق في الإسلام
من مقومات العلاقة الزوجية في الإسلام الصحبة والتآلف المبنيان على الحب والاحترام المتبادلين. لكن وبسبب اختلاف الأفكار والتوجهات يحدث أن يقع الزوجان في خلافات كبيرة يستحيل معها العيش تحت سقف واحد رغم محاولات رأب الصدع من هنا وهناك، ليصبح الطلاق شرا لا بد منه كما يقول المثل العربي. والطلاق في اللغة كما تعرفه المعاجم العربية يعني في عمومه فك القيد والوثاق وإطلاق الشيء وتسريحه وتحريره وتركه يمضي لحال سبيله، وفي الشرع كما يفسره الفقهاء معناه فسخ عقد الزواج أو النكاح قولا أو فعلا بلفظ مخصوص مع النية. وقد حث النبي الكريم المسلمين على عدم اللجوء إلى الطلاق إلا للضرورة القصوى بعد استنفاذ كل الحلول الممكنة، ويتجلى ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (أبغض الحلال عند الله الطّلاق).
ويعتبر هذا الحديث النبوي إضافة إلى قوله تعالى: (الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإحسان) دليلا ثابتا على مشروعية الطلاق حسب معظم فقهاء المسلمين. واعتمادا على نفس الآية الكريمة يرى أهل العلم أن الطلاق مرتين مؤقت يجوز للزوج معه استرجاع زوجته قبل العِدة وهي ثلاثة أشهر، أما الطلاق ثلاث مرات فهو طلاق ثابت لا يمكن فيه للزوج استرجاع زوجته بعقد جديد إلا إذا تزوجت رجلا غيرَه بنية الدوام وطلقها فيما بعد لسبب من الأسباب. ويُقسِّم العلماء الطلاق إلى عدة حالات، فيكون مُحرَّما إذا وقع في فترة الحيض، ويكون مكروها إذا كان لغير سبب، ويكون مباحا إذا حكم به القاضي أو حكمان من أهله وأهلها، ويكون مندوبا إذا لم تكن الزوجة عفيفة.
وأنواع الطلاق كثيرة ومختلفة بعضها دائم وبعضها مؤقت وبعضها ينتهي بزوال المانع، ومن ذلك طلاق البينونة الصغرى وفيه يطلق الزوج زوجته بلفظ الطلاق مرة واحدة فلا تحرم عليه ويحل له استرجاعها دون عقد نكاح جديد، وهناك طلاق البينونة الكبرى وفيه يطلق الزوج زوجته ثلاث طلقات في أوقات متفاوتة ومختلفة وفيه تحرم عليه إلا إذا تزوجت غيره وطلقها بدوره، وهناك الخلع وهو اتفاق بين الزوجين على فسخ عقد الزواج بمقابل تدفعه الزوجة لفك الارتباط بزوجها بسبب استحالة العشرة معه لسبب من الأسباب كتعنيفها وإهمالها وسوء الأدب معها ونحو ذلك، وهناك طلاق القاضي وفيه يقرر القاضي تطليق الزوجة من زوجها بسبب غيابه الطويل دون مبرر شرعي، أو انقطاع أخباره كليا، أو بسبب إهماله لها.
ولأن الإسلام دين العدل والقسط، فقد كفل للمرأة المطلقة حقوقها كاملة غير منقوصة ويتجلى ذلك في قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿لا جُناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسِع قدره وعلى المُقتِر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين﴾. ومن ذلك، المتعة وهو مبلغ من المال يدفعه الزوج لطليقته على قدر وُسْعِه وطاقته تعويضا لها على فشل الزواج وعدم استمراره، وهناك مؤخَّر الصداق إذا كان في ذمة الزوج حيث يؤديه لها لأنه دَيْن واقع على عاتقه تجاهها، وهناك النفقة والمسكَن إذا وقع الطلاق في العدة الرجعية أو إذا كانت المرأة حاملا مصداقا لقوله تعالى في سورة الطلاق: ﴿أسكنوهن من حيث سكنتم مِن وُجْدِكُم ولا تُضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كُنَّ أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن﴾. وهناك أجرة الإرضاع إذا طُلقت المرأة في فترة الإرضاع مصداقا لقوله تعالى: ﴿فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن﴾. وتنضاف لهذه الحقوق المادية حقوق أدبية أبرزها أن يصير أمر المطلقة بيدها بعد الطلاق، فيجوز لها أن تتزوج رجلا آخر غير طليقها بإرادتها الحرة على سنة الله ورسوله.