مرحباً بكم في موقع لحظات الذي يقدم لكم كل جديد , واليوم نقدم لكم ” طبعا ما صليتش العِشا ” للشاعر هشام الجخ , ونتمني أن ينال أعجابكم كل ما نقدمه.
طبعا ما صليتش العِشا
طبعا ما صليتش العِشا
المشهد الأول (السبت الأول من أكتوبر سنة 81)
كانت ككل نخيل بلدتنا تطل عليّ من أعلى سماء
وأنا أجمّع لعبتي سرا .. وأعيد تشكيل البناء
وقد اصطففنا في طابور الصبح ألهانا الغناء
في الطابق العلوي.. وقفَت هيبةً .. كفنار بحر ترتدي زي النساء
وتراقب الطابور في حزم وصمت بارعين .. فتستقيم ظهورنا
يعلو الهتاف تحية العلم المرفرف في الفناء
بإشارة منها يقود مدرس الألعاب ذو الصوت الجهور الصف نحو فصولنا
وبنظرة منها يدق العامل الجرس ابتداء الحصة الأولى
من أين يأتي كل هذا الحزم في نظراتها؟
وأنا أراها كلَّ ليل تطفئ الأنوار من حولي وتصنع خيمة من حبها
وتحيك دفء حنانها فوقي غطاء
وعلام يخشون الأساتذة الكبار وجودها
يعدّلون من هندامهم.. ويراقبون الصف عند مرورها
أنا لا أراها مثلهم
ما زلتُ لم أفهم حقيقة كونها أمي وناظرة بمدرستي
فأنا – كطفل – لا أفرق بين أحداث الصباح.. وبين أحداث المساء
لكنني ما زلت أذكر جيدا غضبي وضجري كلَّ ليل
حين يغلبني النعاسُ تهزني.. وتتهمُني أنني دوما أنام وقد سهيتُ عن العشاء
وقد سهتْ هي أنها ما تزال على يديها من وضوئي.. آثارُ ماء
بعدما صليتُ يا أمي العشاء
المشهد الثاني (6 أكتوبر 85)
يوم أجازة
لمّة خالاتي عندنا أو عند سِتّي
كلام حريم.. وانت خدتِ وانت جبتِ
أبويا كان يحس بلمة العيال.. يطير
واجواز خالاتي هكذا.. يوصّلوهم عند بير السلم بالكتير
ما اعرفش ليه بيقولوا على باب العمارة إنه بير
المهم عيال خالاتي يجولنا بدري، وأبويا ينزل.. وأنا الكبير!
أنا اللي أقول مين اللي يُقف، وأنا اللي أقول مين اللي يلعب
وأنا اللي أقول مين اللي ياكل، وأنا اللي أقول مين اللي يشرب
كنت أكبرهم وهما عيال يا عيني صغيرين
أنا كنت أرخم طفل عنده عشر سنين!
لما أغيب عن عين خالاتي يا إما تِلقاني ف مصيبة.. يا إما باعمل مشكلة
كنت عايش طول حياتي أسئلة
“ماما!.. بنصلي ليه؟”
“ماما!.. مين بابا حسني؟”
“ماما!.. يعني إيه عابر سبيل؟”
“ماما!.. يعني إيه راجل أصيل؟”
عيّل فَصِيل!
كنت باسأل أسئلة ولا ليها رد.. ولا ليها عازة
بس السؤال اللي سألته وقتها.. كان مهم
“احنا ليه واخدين أجازة؟”
لِمعتْ عنيها ساعتها لمعة باحبِها
اللمعة دي على طول بتظهر لما باعمل حاجة أمي تحبها
لما بانجح.. لما باسأل .. لما باتنرفز على إخواتي البنات لو حد كركر
لما باعمل أي حاجة تحسّ فيها إني باكبر
لفّتْ على الكرسي اللي عمّر عندنا عشرين سنة
وبدأِت حكاوي ودندنة
ساعتين حكاوي ودندنة
ع اللي اتضرب واللي اتفنى.. واللي اتهدم واللي اتبنى
أبطال هنا وشهداء هنا
وأنا وِدني أصلا مش هنا
كات ماما نجوى بتبدِي.. وأنا.. إلّا دي!
أنا لسة حاسمع حرب وأكتوبر وخط بارليف وأرض سينا ومين حماها ومين خطفها؟!
دي حكاوي تافهة!
كلام تقيل وكلام مجعلظ
ونجوى جت.. عايزين نبقلظ!
هرِبت من نص الكلام.. لكني فاكرُه
انا كنت آه عيل صحيح
لكني فاهم الكلام من أوله ولحد آخره
إن اسرائيل سرقت سلامي
وإن إسرائيل قتلت عمامي
وإننا زي النهاردة.. خدنا تارنا
داقوا نارنا
عرفوا طعم جند مصر في المعارك
وإن سوريا والجزاير والعراق والخليج وكله كله كله شارك
وإننا بعد امّا فزنا
بعد مّا شافوا الوحدة بتوسّع نفوزنا
وعلمنا بيرفرف عليهم تحت عينّا
دقوا نار الفتنة بينّا
كنت عيل بس فاكر.. كنت بالعب بس شاطر
كنت باحضر ماما نجوى وبابا ماجد
كنت أنام احلم بجونجر، وإني حاكبر.. أبقى مارد
يجمع العرب اللي تايهين.. صف واحد
وأبقى قائد
كنت أنام أحلم بأني ف موقعة حطين
وإني الأمير “هشام الدين”
ومعايا جيش وسع المكان
مالوش لا أول في الشمال ولا في اليمين
بإشارة من إيدي الحصون متدشدشة
وإشارة من سيفي الحشود متفركشة
وإشارة من أمي اللي جت بتهزني وتقول لي طبعا نمت قبل ما تصلي العشا
المشهد الثالث (1 أكتوبر 89)
مين يا خويا؟!
عيد ميلاد؟!
والله خلَّفت وعَلَفت!
وإنت أطول مني عايز عيد ميلاد .. امشي ياد
في اعدادية ولسة بتفكر يا شَحْط في عيد ميلاد
روح لابوك .. كلمه في الشغل
قل له وانت جاي .. عدّي هات لي نفّاخة
شوف العيال لما تكبر تتملي مساخة
ثم خد يا بعيد .. ايه اللي خلا يوم ميلادك اسمه عيد
يَكْش فاكر يوم ميلادك اختفت نار المجوس
ولا حد قالك ان لقينا يومها شوال فلوس
ده احنا كنا العيش يادوبك والغموس
كنا مش لاقيين نجيب لك هدمتين
ايه ياد السعادة اللي انت فيها دي ؟ جاياك منين؟
ده احنا أفقر فترة عشناها في حياتنا .. حملي بيك
كانت البلد ولا فيها زيت ولا فيها سكر
والجو بينا وبين كل العرب .. كان شان وعكّر
والسادات كان كل يوم .. شدوا الحزام .. شدوا الحزام
والإعارات اللي كانت في الخليج رجعوا لنا تاني
والجنيه مابقاش يجيب ولا جوز حمام ولا نص ضاني
كنا دايرين نستلف من القريب ومن البعيد .. خليته عيد؟؟؟!!!
بس عارف
لما قالوا جه ولد .. ضهري اتسند
رغم اني كنت مخلفة قبلك بنات .. كنت انت بكري
أبوك حريمه كلهم جابوا الولاد بدري
وجدتك – في غياب أبوك – كانت تلقح بالكلام
وانا طبعا اهري
حتى لو ماقالتش حاجة .. أحنا ستات
أوعر كلام بنقوله بنقوله بسكات
ماكانش ابوك يعرف يا ولدي انهم سمّوني بينهم .. أم البنات
وماكنتش اعرف حظي الاغبر .. وان خلفة الولاد
حتجيب لي نَطْع يقول لي عايز عيد ميلاد
اسمع يا ولدي
اسمع وركز في الكلام
النبي عليه الصلاة والسلام
كان يحتفل بعيد ميلاده .. زيك تمام
ازاي بقى؟؟؟ بالصيام
يعني انت بكرة تجيني صايم
عيد ميلاد يعني تقوى .. مش جاتوه وباتوه وعزايم
ولا اقول لابوك على الدرجتين اللي نقصوا في التاريخ
مش عايز تعلّق نفاخات ؟؟ أجيب لك النفّيخ
خش ذاكر
أيوة واتنغوج وخبّط في البيبان .. هو يعني ابوك مسافر
بس ييجي وكل ده حيوصل له حاضر
تاني يوم الصبح وانا نازل ورايح المدرسة
لقيت ع السفرة كيكة مقطّعة ومكيّسة
قالت خد طفّح صحابك .. ما انتو جيل العيد ميلاد
جيل مايعرفش الخِشا
قول لي صح .. انت نمت الساعة كام؟
شكلك ما صلتش العشا
المشهد الرابع (24 ديسمبر 2004)
النهاردة عُرْس .. مش زي الخطوبة
مش كله رقص رقص رقص .. والبس فانلتك مقلوبة
وما تطلّعش حد تاني شقتك
مفتاح حماتك تاخده وانت ف سكتك
وانده لي وادّ اختك يغيّر صندوقين
و(حسن) سألني على السجاير قلت له ماعرفش فين
كلّمت خالك؟ آخر مكالمة قالولي وصلوا المنيا خلّي بالك
بَعَتّ حد ع المحطة؟
بص طيب .. انا كنت ناوية الليلة اعشيكم ببطة
بس بصراحة لقيت حماتك جايبة أكل أسبوعين
افترا .. وفَرْتِيك فلوس .. وحتاخدوا عين
قلت اشيلها عندي في الفريزر حبتين
حلوة بدلتك عليك .. ماشا الله .. بدر وهلّ ضيُّه
شبه ابوك .. بس انت فين .. هو ابوك كان حد زيه
بس عارف .. الواحدة فينا بتبقى فاكرة يوم ما يتجوز ولدها بتبقى فرحة
الحمايم تبقى سارحة .. والجناين تبقى طارحة
فين يا ولدي؟
ليّا اسبوع شيل وحطّ .. وسَلق بط .. حتى ولا غيّرت طرحة
البنات جوازاتهم اسهل .. ع الاقل كنا وسط عيلتنا قِبلي
كنت بلقى اللي يساعدني اللي يلافيني اللي يجاوبلي
كان نفسي اجوّزك هناك واتباهى بيك
وكلهم ييجوا الفرح ويباركوا ليك
بس انت طفشان من زمان .. ومالكش صحبة
زي جدك الكبير .. كان غاوي غربة
كان يختفي شهرين تلاتة لا كان يقول بلاده فين ولا كنا نعرف خط سيره
لف أرض الله بطولها وعرضها
ولإن ستك ست صانت عرضها
ربك مابهدلهاش .. ماخدش روحه الا ف سريره
أصل أصعب حاجة يا ابني لما تبقى الست تايهة عن راجلها
المرض والفكر والأحزان تجيلها
شوف يا ولدي
أوحش لحظة حتعيشها ف حياتك
لو بعدت عن مراتك
والبعاد يا ولدي مش بعد المكان
البعاد لو جت في حضنك .. وانت بخلان بالحنان
افرح يا واد
وافرد دراعك ع الرجال ولم عيلتك
الليلة ليلتك
والله مامنعني اني ارقص كالعيال غير بس هيبتك
ليقولوا أمه اتجننت ولا جاها مسّ
طب مين حيفهم ان عمري ضاع عشانه بس
افرح يا واد الليلة ليلة فرفشة
بس اوعي ياخدك الكلام والدردشة والوشوشة والنغنشة
والفجر يتسحّب عليكم .. قبل ما تصلوا العشا
المشهد الخامس (25 مارس 2009)
كل الدكاترة قالولي خير
ماعندهاش ولا أي حاجة
ولا حتى محتاجة لدوا
ما احنا عارفين شهر مارس والهوا
السن برضه ماتنسهوش
شوية برد ما يستاهلوش
أول مرة اشوف حبيبتي بتتوِجع وبتتلوِي
وانا عارف امي .. ماتشتكيش غير م القوي
عجّزتِ يا امة؟ وشاخ جريدك
ده انت لسة ماسحة الشقة بايدك
عجزت فجأة
ده احنا كل جمعة نبوس اديكي عشان نوضب شقتك وتقولي لأة
عجزت فجأة
ومالك ابيضّيتي ليه؟ ياك حاطة بودرة؟
ما انت كنت زيي سمرا
الدكاترة مش بيحكوا حاجة بينّا
وانا قلبي متوغوش وحاسس ان امي فيها إنّ
طب لو مافيشي شيّ قلقانين عليه .. حجزوها ليه؟
لأول مرة احس دماغي بتشقق وتفكيري بيعمل صوت
ماصدقتش ولا اتخيلت وانا واقف في ساعتها بإنه الموت
رسمت الضحكة بزيادة
دخلت عليها عارفاني أنا الكداب كالعادة
ومين يقفشني غير امي اللي عاجناني وخابزاني وخالعة بيدها سناني
فعرفت بس من عيني انها شهادة
وشهدت ييجي 100 مرة
ساعتها كل احساسي اللي كان محبوس طلع برة
وهاجت ذكريات عبّت عنيا دموع
واحساس الطريق اللي ملوهش رجوع
حاولت اخدعها واستهبل
بقالك عمر بتمثل
وهي معيّشاك في الدور وصدقت انها بتتخمّ
يا راخل خلي عندك دم
دي حافظة عنيك وتقاطيعك وتهتهتك وألاعيبك
مش هاين عليك الويل ؟؟
عايزها منين تجيب لك حيل عشان مايبانش في عنيها العذاب والهم
يا راجل .. خلي عندك دم
كانت باصة لي في عنيها السنين بتفوت
وجوايا كلام من كتره عدّا سكوت
كان نفسي أقول آسف .. واقول ندمان .. واقول خجلان
واقول لك إني والله بحبك حب مش معقول
ماعرفتش ساعتها الحلق كان مقفول
لكن القلب كان مفروط على قلبك وكان بيقول
بكل حروف كتاب الله اللي حافظها على يدك
ومن أيام ما كنت بعد على يدك وعلى عدك
وفرحة خدي يامايا وانا نايم على خدك
وقسما باللي قام حدي وقام حدك
ما حبيت في الوجود قدك
وجاي دلوقتي تتنغوج .. بتستعجل في وقت الموت وتتلهوج
مابنحسش بقيمة الثانية غير بعدين
وتسرقنا الحياة مانفوقش غير والموت مبكي العين
يا شاقة القلب ومسافرة
خدتني الغربة من حضنك سنين كافرة
نسيت نفسي وانا آسف
قالولي الغربة بتعلم دروس وحياة
وان الغربة يا مايا دي طوق ونجاة
أتاريها حزام ناسف .. أنا آسف
ميعادنا يامّة في الآخرة
وهي الدنيا أيه يامايا .. حقة مناهتة ومعافرة
خلاص خلينا للآخرة
حتى تكوني محلوة وعليك العين
واوريكي العيال يامّة .. بقم بتين
وجبت الواد يا ستي عشان ماتضايقيش
حاوصيهم يا ستي خلاص ماتخنقنيش
أفراد عيلة هشام المدهشة
دي تعليمات جدتكم المفتشة
ممنوع تناموا في أي يوم أي يوم .. قبل ما تصلوا العشا