الحمد الله نحمده ونستعين به ونسترشده من شرور انفسنا ومن سيئلت اعمالنا من يهديه الله فلا مضلل له ومن يضلل فلن تجد له وليا ومرشدة ونتحدث عن الانسان وهو اول من خلق في هذا الكون سخره الله تعالي لكي يعبده ويخطي ويستغفر له ويتوقف الانسان باساله كثيره تدور داخله وتاملاته الكثيرة من انت ايها الانسان انت المخلوق الاول الانك في العالم الازل قبلت حمل الامانة
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف و تكريم
أيها الأخوة الكرام، قيل: من عرف نفسه عرف ربه، فمن أنت أيها الإنسان؟ اعلم يقيناً أنك المخلوق الأول رتبة، لأن الله في عالم الأزل حينما عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، لأنك قبلت حمل الأمانة في عالم الأزل كنت عند الله المخلوق الأول في الرتبة. لذلك سخر الله لك ما في السموات والأرض جميعاً منه تسخير تعريف، وتسخير تكريم، وكأن السموات والأرض تشف عن وجود الله، وعن وحدانيته، وعن كماله، تشف عن أسمائه الحسنى وصفاته العلا، فلذلك هذا الكون هو الثابت الأول.
آيات الله في الكون كونية و تكوينية و قرآنية
وهناك آيات تسمى هذه الآيات آيات كونية، ولله عز وجل أفعال، وتسمى أفعاله الآيات التكوينية، وللإله العظيم كلام، وهو القرآن الكريم، وهي آياته القرآنية، فبين آياته الكونية وآياته التكوينية وآياته القرآنية، هذه كلها قنوات سالكة لمعرفة الله، لكن الآيات الكونية الأصل فيها التفكر، قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ في خَلقِ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَاختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الأَلباب * الَّذينَ يَذكُرونَ اللَّهَ قِيامًا وَقُعودًا وَعَلى جُنوبِهِم وَيَتَفَكَّرونَ في خَلقِ السَّماواتِ وَالأَرضِ ﴾
[سورة آل عمران: ١٩٠-١٩١]
الآيات الكونية موقف المؤمن منها التفكر، وأما الآيات التكوينية فأفعاله، قال تعالى:
﴿ فَسيروا فِي الأَرضِ فَانظُروا كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبينَ﴾
[سورة آل عمران: ١٣٧]
الآية الثانية:
﴿ قُل سيروا فِي الأَرضِ ثُمَّ انظُروا كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبينَ ﴾
[سورة الأنعام: ١١]
فإما أن يأتي العقاب عاجلاً أو آجلاً، والآيات التكوينية أفعاله وهذه تحتاج إلى نظر، أما آياته القرآنية فتحتاج إلى تدبر. فأنت مع الآيات الكونية تتفكر، ومع الآيات التكوينية تنظر، ومع الآيات القرآنية تتدبر:
﴿ وَتَمَّت كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدقًا وَعَدلًا ﴾
[سورة الأنعام: ١١٥]
آية قرآنية أي كأن الله يقول: يا عبادي بيني وبينكم كلمتان، منكم الصدق ومني العدل، أي تتفاوتون عندي بقدر صدقكم، وأنا أعدل بينكم، أو هذا القرآن بين دفتيه خبر وأمر، الخبر صادق، والأمر عادل، أصبح لدينا آيات كونية وتكوينية وقرآنية، تفكر نظر تدبر.
آية من آيات الله في الكون
الآن قال تعالى:
﴿ فَبِأَيِّ حَديثٍ بَعدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤمِنونَ ﴾
[سورة الجاثية: ٦]
من هنا الله عز وجل جعل الآيات في الكون، والآن عندنا ومضات سريعة جداً، الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، وبينهما مئة و ستة و خمسون مليون كيلو متر، وهناك آية دقيقة:
﴿ وَالسَّماءِ ذاتِ البُروجِ ﴾
[سورة البروج: ١]
الأرض في دورتها حول الشمس تمر باثني عشر برجاً، أحد هذه الأبراج برج العقرب، فيه نجم صغير أحمر اللون متألق، اسمه قلب العقرب، هذا النجم الصغير الأحمر المتألق الذي اسمه قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، هذا الإله العظيم يعصى؟ ألا يخطب وده؟ ألا ترجى جنته؟ ألا تخشى ناره؟
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنــــــــــ ا فإنا منحنا بالرضا من أحبنـــــــــــــــــــا
ولذ بحمانا واحتمِ بجنــابنـــــــــــــــــــا لنحميك مما فيه أشرار خلقنـــــــــــــــــا
وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغـــــــــــل وأخلص لنا تلقى المسرة والهنـــــــــــا
وسلم إلينا الأمر في كل ما يكــن فما القرب والإبعاد إلا بأمـــــــــــــرنــــــا
فيا خجلي منه إذا هـو قال لـــــــي أيا عبدنــــــــا ما قــــــــــــــــرأت كتابنــــــا
أما تستحي منا ويكفيك ما جــرى أما تختشي من عتبنا يوم جمعنــــــا
أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً وتنظــــــــــــر ما به جـــــــــــاء وعدنـــــــا
فأحبابنا اختاروا المحبة مذهبـــــاً وما خالفوا في مذهب الحب شرعنا
فـلو شاهدت عيناك من حسننـــا الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـة لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنــــــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعــى سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنــــــــــــا
فأيسر مافي الحب للصب قتلـه وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنـــا
***
البشر على اختلاف انتماءاتهم صنفان لا ثالث لهما :
أخواننا الكرام؛ بارك الله بكم، هذه الأرض يعيش عليها ملايين مملينة، أحدث إحصاء سبعة مليارات ومئتا مليون إنسان في الأرض، هذه الملايين المملينة ماذا قال الله عز وجل؟ دققوا الناس على اختلاف مللهم وانتماءاتهم وأعراقهم وأنسابهم وطوائفهم وتياراتهم وتوجهاتهم بالرغم من كل هذه الاختلافات أنزل الله هؤلاء البشر في حقلين اثنين فقط لا ثالث لهما فقال تعالى:
﴿ وَاللَّيلِ إِذا يَغشى* وَالنَّهارِ إِذا تَجَلّى* وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثى* إِنَّ سَعيَكُم لَشَتّى ﴾
[سورة الليل: ١-١٠]
سبعة مليارات ومئتا مليون، وكل شخص يوجد برأسه هدف يتحرك نحوه، هذا معنى قوله تعالى:
﴿ إِنَّ سَعيَكُم لَشَتّى ﴾
متنوع لكن شاءت حكمة الله أن يكون هؤلاء البشر جميعاً في حقلين اثنين لاثالث لهما:
﴿ فَأَمّا مَن أَعطى وَاتَّقى* وَصَدَّقَ بِالحُسنى ﴾
الترتيب معكوس لحكمة بالغة، صدق بالحسنى، والحسنى هي الجنة، هؤلاء البشر نصفان نصف يصدق بالدار الآخرة، ونصف يكذب بها، إما تكذيباً لفظياً هؤلاء الملحدون، أو تكذيباً عملياً هؤلاء المنافقون، إذا الحسنى الجنة،
﴿ وَاللَّيلِ إِذا يَغشى* وَالنَّهارِ إِذا تَجَلّى* وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثى* إِنَّ سَعيَكُم لَشَتّى* فَأَمّا مَن أَعطى وَاتَّقى* وَصَدَّقَ بِالحُسنى ﴾
صدق بالحسنى، صدق بالجنة، صدق بالدار الآخرة، وبناء على هذا التصديق اتقى أن يعصي الله، هذا صنف.
الصنف الثاني
﴿ وَأَمّا مَن بَخِلَ وَاستَغنى* وَكَذَّبَ بِالحُسنى ﴾
لأنه كذب بالآخرة تكذيباً لفظياً هم قلة قليلة، تكذيباً عملياً وهم كثرة كثيرة، الصنف الثاني بخل واستغنى وكذب بالحسنى، لأنه كذب بالحسنى استغنى عن طاعة الله، ولأنه كذب بالحسنى بخل في العطاء.
فالآن على سطح الأرض سبعة مليارات ومئتا مليون يقع على رأسهم الأقوياء والأنبياء، الأقوياء ملكوا الرقاب، والأنبياء ملكوا القلوب، الأقوياء يمدحون في حضرتهم، والأنبياء يمدحون في غيبتهم، الأقوياء عاش الناس لهم، والأنبياء عاشوا للناس.
فلذلك كل واحد من بني البشر لابد من أن يكون تبعاً لقوي أو نبي، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، فالمؤمن يصدق بالحسنى- بالجنة- وبناء على هذا التصديق يتقي أن يعصي الله، ويبني حياته على العطاء، يعطي من وقته، من علمه، من ماله، من صحته، من خبراته، من معلوماته، بنى حياته على العطاء.
الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه :
لذلك الإنسان بأدق تعاريفه للإمام الحسن البصري بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، أنت أيام، ولأنك أيام أقسم الله لك بمطلق الزمن، لأنك زمن أقسم الله لك فقال:
﴿ وَالعَصرِ* إِنَّ الإِنسانَ لَفي خُسرٍ ﴾
[سورة العصر: ١-٢]
جواب القسم الإنسان خاسر، لماذا يارب نحن خاسرون؟ قال: لأن مضي الزمن وحده يستهلكك، أنت زمن، أنت بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك، ولأنك زمن أقسم الله لك بمطلق الزمن، فقال تعالى:
﴿ وَالعَصرِ* إِنَّ الإِنسانَ لَفي خُسرٍ ﴾
[سورة العصر: ١-٢]
جواب القسم أنت خاسر لأن مضي الزمن وحده يستهلكك، سبت أحد اثنين ثلاثاء أربعاء خميس جمعة، ذهب أسبوع ثان، أسبوع ثالث، رابع، ذهب شهر، أربعة شهور ذهب فصل، أربعة فصول ذهب عام، عشرة أعوام عقد، حياتنا عدة عقود، فجأة نرى أنفسنا على شفير القبر، ماذا أعددت لهذا اليوم الأبدي؟ ماذا أعددت لآخرتك؟
﴿ قُل إِنَّ الخاسِرينَ الَّذينَ خَسِروا أَنفُسَهُم وَأَهليهِم يَومَ القِيامَةِ ﴾
[سورة الزمر: ١٥]
كأن العالم الغربي فيه صفة جامعة مانعة يعيش لحظته فقط يأكل، ويشرب، ويستمتع، ويسهر، ويتابع مسلسلات، ويتابع أفلاماً، ويحضر مسرحيات، وعنده نزهة يوم الأحد، أما يوجد موت، يوجد قبر، يوجد برزخ، يوجد جنة، يوجد نار، يوجد حساب، يوجد عذاب، هذا ما أدخله الإنسان في حساباته إطلاقاً، لذلك الله عز وجل قال:
﴿ وَاللَّيلِ إِذا يَغشى* وَالنَّهارِ إِذا تَجَلّى* وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثى* إِنَّ سَعيَكُم لَشَتّى* فَأَمّا مَن أَعطى وَاتَّقى* وَصَدَّقَ بِالحُسنى﴾
صدق بالجنة اتقى أن يعصي الهَ، بنى حياته على العطاء،
﴿ وَأَمّا مَن بَخِلَ وَاستَغنى* وَكَذَّبَ بِالحُسنى ﴾
كذب بالجنة بنى حياته على الأخذ، عاش في وقته.
تعريف اللهو
لذلك قال تعالى:
﴿ أَلهاكُمُ التَّكاثُرُ ﴾
[سورة التكاثر: ١]
ما هو اللهو؟ اللهو أن تنشغل بالخسيس عن النفيس، إنسان غامر بحياته، وغاص بأعماق البحار، خرج بالأصداف، ولم يأخذ اللآلئ، هذه القصة كلها، جاء إلى الدنيا نما ودرس وتعلم، وحصّل المال، ونال وظيفة وزوجة، وأنجب أولاداً، عاش شهوته، عاش لذته، ليس له هدف، هدفه أن يعيش ويستمتع، ماذا يفعل الموت؟ الموت شيء مخيف، ينهي قوة القوي، وضعف الضعيف، وغنى الغني، وفقر الفقير، وذكاء الذكي، ومحدودية المحدود، ينهي وسامة الوسيم، ودمامة الدميم، الموت ينهي كل شيء، أي إذا صح التعبير أن الخط البياني للإنسان صاعد، أي أنجب خرج من الدنيا، والجنين يخرج من ضيق الرحم إلى سعة الدنيا، كما يخرج المؤمن من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، كبر، درس، تزوج، أنجب، زوج أولاده وبناته، تقدم في السن، عنده عدة أمراض، تناول أدوية، حان وقت مماته انتهى، ما فعل شيئاً، ما ترك بصمة في الحياة.
مرة قلت لطلابي: من يأتيني بأسماء خمسة أغنياء كبار عاشوا في عام ألف و ثمانمئة و ستة و ثمانين ينال علامة تامة، فكروا، قلت: وأنا لا أعرف، لكن الصحابة الكرام التابعين الأجلاء، الأعلام الكبار، القادة الكبار، هؤلاء نكررهم باليوم مليون مرة.
أي أنت أيها الإنسان لم لا تكن رقماً صعباً في خطة عدوك؟ لماذا ترضى أن تكون رقماً تافهاً؟ ملايين مملينة من الرجال والنساء دخلوا إلى الحياة الدنيا وخرجوا منها ولم يدر بهم أحد، اترك بصمة.
تلبية القوة الإدراكية في الإنسان بطلب العلم :
يوجد عندنا جماد؛ يشغل حيزاً، وله وزن، وله أبعادٌ ثلاثة، بينما النبات كائنٌ له وزن ويشغل حيزاً، وله أبعادٌ ثلاثة، لكنه ينمو، يختلف عن الجماد أنه ينمو، بينما الحيوان كائن يشغل حيزاً في الفراغ، وله أبعادٌ ثلاثة، وله وزن وينمو كالنبات، ويمتاز عن النبات أنه يتحرك، النبات لا يتحرك، ينمو ولا يتحرك، الحيوان ينمو ويتحرك، أما الإنسان فكائنٌ يشغل حيزاً في الفراغ، وله أبعادٌ ثلاثة، وله وزن، وينمو، ويتحرك، ويفكر.
الله أودع في الإنسان قوة إدراكية، هذه القوة الإدراكية تلبى بطلب العلم، وما لم تلبَّ بطلب العلم هبط الإنسان عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، استمعوا إلى الله عز وجل في القرآن الكريم بما وصف الذين انشغلوا عنها؟ قال:
﴿أ َمواتٌ غَيرُ أَحياءٍ ﴾
[سورة النحل: ٢١]
ميت ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء.
﴿أ َمواتٌ غَيرُ أَحياءٍ ﴾
[سورة النحل: ٢١]
أول وصف:
﴿ إِن هُم إِلّا كَالأَنعامِ بَل هُم أَضَلُّ سَبيلًا﴾
[سورة الفرقان: ٤٤]
غير مكلفة ولا تحاسب، أما الإنسان كالأنعام ومكلف وسوف يحاسب:
﴿ كَأَنَّهُم خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
[سورة المنافقون: ٤]
﴿ كَمَثَلِ الحِمارِ يَحمِلُ أَسفارًا ﴾
[سورة الجمعة: ٥]
بمجرد أن تعزف عن طلب العلم، بمجرد أن تغوص بشهواتك وغرائزك ومصالحك العالم كله هكذا، هذا الذي يفكر بالموت، النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(( أكثروا ذِكْر هَادِمَ اللَّذَاتِ ))
[الترمذي والطبراني في المعجم الأوسط وابن حبان في صحيحه
مفرق الأحباب، مشتت الجماعات
(( عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من أحببت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به))
[أخرجه الحاكم في مستدركه ]
بطولة الإنسان أن يعيش المستقبل :
لذلك:
﴿أَلهاكُمُ التَّكاثُرُ* حَتّى زُرتُمُ المَقابِرَ* كَلّا ﴾
[سورة التكاثر: ١-٣]
هذه كلا معناها دقيق جداً، لو شخص سألك: هل أنت جائع؟ تقول له: لا، أما أنت إنسان محترم ومتعلم ومثقف ومستقيم قال لك شخص: هل أنت سارق؟ تقول له: لا؟ تقول له: كلا، كلا أداة ردع ونفي، لذلك كلا لابد من أن نحاسب:
﴿أَلهاكُمُ التَّكاثُرُ* حَتّى زُرتُمُ المَقابِرَ* كَلّا سَوفَ تَعلَمونَ* ثُمَّ كَلّا سَوفَ تَعلَمونَ ﴾
[سورة التكاثر: ١-٨]
أول علم عند الموت وثاني علم عند القيامة. لذلك المؤمن حين يقترب يوم القيامة يرى مكانه في الجنة فيقول لم أر شراً قط، وأما غير المؤمن حينما يرى مقامه في النار يقول: لم أر خيراً قط.
لذلك أخواننا الكرام؛ نقطة دقيقة جداً أنك بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منك، فبطولتك أن تعيش المستقبل، ماذا في المستقبل؟ أنت تعيش الماضي، أنا درست بالقاهرة، أعمل مهندساً هنا مثلاً، تعيش الماضي، لكن البطولة أن تعيش المستقبل، لماذا يعزف الناس عن أن يعيشوا المستقبل؟ لأن هناك حدثاً خطيراً هو مغادرة الدنيا، عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبق لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت .
نعم الله لا تعد و لا تحصى
من هنا:
﴿ كَلّا سَوفَ تَعلَمونَ* ثُمَّ كَلّا سَوفَ تَعلَمونَ* كَلّا لَو تَعلَمونَ عِلمَ اليَقينِ* لَتَرَوُنَّ الجَحيمَ ﴾
شخص يقود مركبة، يوجد طريق منحدر وانحداره شديد، وفجأة فقد الكابح ماذا يقول؟ انتهينا
﴿لَو تَعلَمونَ عِلمَ اليَقينِ* لَتَرَوُنَّ الجَحيمَ* ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَينَ اليَقينِ* ثُمَّ لَتُسأَلُنَّ يَومَئِذٍ عَنِ النَّعيمِ﴾
العلماء قالوا: الماء البارد نعيم، الزوجة نعيم، الصحة نعيم، هناك نعم لا تعد ولا تحصى، قال تعالى:
﴿ وَإِن تَعُدّوا نِعمَتَ اللَّهِ لا تُحصوها ﴾
[سورة إبراهيم: ٣٤]
النعمة الواحدة لو أمضيت كل حياتك تعدها لا تنتهي.
أيها الأخوة الكرام؛ هذا الدين مصيري، سعادة أو شقاء، جنة أو نار، خيارك مع الدين ليس خياراً انتقائياً تنتقي منه الشيء اللطيف، الذي ليس فيه جهد، أو بذل، أي أشياء شكلية تقوم بها، هذا الدين مصيرك، إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، ابن عمر دينك دينك، إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا، والحمدلله رب العالمين.
* * *
الخطبة الثانية
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الكظر من آيات الله الدالة على عظمته
أخوتنا الكرام؛ الإنسان له قلب ينبض ثمانين نبضة في الدقيقة، فلو واجه خطراً يرتفع هذا النبض إلى مئة و ثمانين، إلا أن النبض الأول يكون بأمر من مراكز عصبية في القلب نفسه، ليس له علاقة بالشبكة العامة، عنده مركز كهربائي أول لو تعطل عمل مركز ثان احتياط لو تعطل الثاني عمل مركز ثالث، لكن هذه المراكز الثلاثة تعطي أمراً بثمانين نبضة فقط ولا تزيد، والإنسان في حالات كثيرة يحتاج إلى مئة و ثمانين نبضة.
لذلك إدراك الخطر في الدماغ، يعطي الأمر للكظر وهو غدة فوق الكلية، هذا الكظر يعطي الأمر برفع النبض، هذا أول أمر، الأمر الثاني برفع وجيب الرئتين، فنبض الخائف يصبح مئة و سبعين نبضة، والخائف يلهث، ويعطي أمراً ثالثاً للأوعية فتضيق، والخائف يصفر لونه، ويعطي أمراً رابعاً للكبد بإطلاق كمية سكر إضافية الخائف، يصبح السكر عنده مئة و عشرين، وأمراً خامساً بإفراز هرمون التجلط حتى إذا جرح في أي مكان من جسمه يتجلط الدم.
خمسة أوامر يفرزها الكظر عند الخطر، إلى هنا القضية واضحة، لماذا أمر النبي الأمي صحابته قبل ألف و أربعمئة عام ألا نقطع رأس الدابة؟ أن نكتفي بقطع أوداجها فقط.
لو قطعنا رأس الدابة لكان اللحم أزرق اللون، لبقي الدم في الدابة، أما بقطع أوداجها فقط يعمل مركز الدماغ على رفع نبض القلب، هذه الحقيقة الآن كشفت من عشرين سنة تقريباً، كيف عرفها النبي الكريم؟
﴿ وَما يَنطِقُ عَنِ الهَوى* إِن هُوَ إِلّا وَحيٌ يوحى ﴾
[سورة النجم: ٣-٤]
هذا تحت عنوان: تذكية الذبيحة أي قطع أوداجها فقط كي يتنبه الجهاز الذي يأمر الخلايا العديدة بحركات إضافية، كرفع النبض، وتضيق الأوعية، وإفراز هرمون التجلط، وهرمونات أخرى.
الدعاء
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك. اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا، مولانا رب العالمين. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك. اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين. اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك، ومن الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء. اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب. اللهم صن وجوهنا باليسار، ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شرّ خلقك، ونبتلى بحمد من أعطى، وذم من منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء. اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين. اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير .
والحمد لله رب العالمين
خطبة يوم الجمعه
فهي من اجمل الخطب الذي يسمعه الانسان بعد صلاته في يوم الجمعه والكثير من الدعوات الذي يدعون بها بعد الخطبة وكثرة الصلوات علي النبي الختار صلي الله علية وسلم والاستغفار