بعث الله -سُبحانه وتعالى- رسوله محمّداً -صلّى الله عليه وسلّم- برسالة الإسلام بشيراً ونذيراً، وأقرّ لهذا الدّين أركاناً، وفروضاً يؤدّيها المسلم تقرّباً إلى الله تعالى، وأقرّ من سُنّة المصطفى -صلّى الله عليه وسلّم- سُنَنَ يزيد بها العبد تقرُّبه إلى الله تعالى حتّى يُحبّه، ومن أهمّ الفروض في الإسلام الصّلاة، وهي عمود الدّين؛ أي ركيزته الأساسيّة، فإن صَلُحت الصّلاة صَلُح العمل كلُّه، وإن فسدت فسد العمل كلّه وقد فرض الله -سُبحانه وتعالى- على المسلم خمس صلواتٍ في اليوم واللّيلة، واستحبّ صلواتٍ أخرى عدا الفريضة، مسنونةً في أوقاتٍ مخصوصةٍ، وجعل لها أجراً كبيراً وفضلاً عظيماً، مثل صلوات: الوتر، والضُّحى، وركعتَي الوضوء، وتحيّة المسجد، والعيدَين، والاستِسقاء، والخُسوف، والكُسوف، والتّراويح، والاستِخارة، وركعتَي الإحرام، وغيرها، ومن هذه الصّلوات المسنونة صلاة التّسابيح، وهي إحدى السُّنَن والصّلوات الواردة عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والتي جاء في فضلها أنّها مُفرِّجة للكروب، ومُكفِّرة للذّنوب، وقاضِية للحاجات
تعريف صلاة التَّسابيح
الصّلاة لُغةً: هي الدُّعاء،[٢] أمّا التّسابيح: فهي جمع تَسبِحةٍ أو تسبيحةٍ، وتعني لُغةً: ترديدُ قول (سبحان الله).[٣] وتُعرَّف صلاة التّسابيح عند الفقهاء اصطِلاحاً بأنّها أحد أنواع الصلاة النّافلة، تُؤدّى على صورة خاصَّة، وقد سُمِّيت صلاة التَّسابيح بهذا الاسم لِما فيها من كثرة التَّسبيح؛ حيث يُقال في كلّ ركعةٍ خمس وسبعون تسبيحةً.[٤]
كيفيَّة صلاة التَّسابيح
تُصلّى صلاة التَّسابيح جماعةً أو فُرادى، وتكون سِريّةً في النّهار وجهريّةً في الليل، ولا تُصلّى في الأوقات المكروهة؛ من بعد الفجر حتى طلوع، ومن بعد صلاة العصرحتى مغيب الشمس. وصلاة التّسابيح أربع ركعات تُصلّى بتسليمة واحدة إذا كانت نهاراً؛ أي أربع ركعات من غير فصل بينها، مثل: صلاة الظهر، وتُصلّى بتسليمتين إذا صلّاها المُسلم ليلاً؛ أي يصليها ركعتَين ركعتَين مفصولاً بينهما، مثل: صلاة التّراويح؛ لأنّ صلاة الليل مَثنى مَثنى كما ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وذُكرت صلاة التسابيح في أحاديث النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّها تصلّى على هيئتين:[٥]
الهيئة الأولى: تُصلّى صلاة التّسابيح أربع ركعاتٍ؛ في كلّ ركعة تُقرَأ فاتحة الكتاب وسورة من سُوَر القرآن الكريم، وبعد الانتهاء من القراءة يبدأ المصلّي بالتسبيح 15 مرّةً قبل الرّكوع بصيغة: (سُبْحان اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلّا اللهُ، واللهُ أكبرُ)، وفي بعض الرّوايات يزيد: (ولا حولَ ولا قوّةَ إلّا باللهِ)، ومن ثمّ يركع المصلّي، وبعد التسبيح المُعتاد في الرّكوع يقول في ركوعه التّسبيحات السّابقة 10 مرّاتٍ، ثمّ يرفع المصلّي بعد ذلك رأسه من الركوع قائلاً: (سمِع اللهُ لِمَن حمِدَهُ)، ومن ثمّ يقول التّسبيحات 10 مرّاتٍ، ثمّ يسجد ويأتي بالتّسبيحات وهو ساجد 10 مرّاتٍ بعد التّسبيح المُعتاد في السّجود، ومن ثمّ يقوم من السجود، ويجلس بين السّجدتين ويأتي بالتّسبيحات 10 مرّاتٍ، ومن ثمّ يسجد السّجود الثاني ويقول كما في السّجود الأوّل 10 مرّاتٍ، ثمّ يرفع من السّجود الثاني ويجلس جلسة الاستراحة ويأتي بالتّسبيحات 10 مرّاتٍ أيضاً، ويفعل ذلك في كلّ ركعة كما سبق ذكره، وبذلك يكون عدد التّسبيحات في كلّ ركعة 75 تسبيحةً، فيكون عدد التّسبيحات في الصّلاة كلّها في الرّكعات الأربع 300 تسبيحةٍ.
الهيئة الثّانية: هي هيئة مذكورة في رواية أخرى، وتقضي بأن يقول المصلّي دُعاء الاستفتاح: (سُبحانكَ اللهُمَّ وبحمدِكَ، وتبارَكَ اسمُكَ، وتعالى جدُّكَ، وتقدَّسَت أسماؤُك، ولا إلهَ غيرُك)، ثمّ يُسبّح 15 تسبيحةً قبل القراءة و10 تسابيح بعد القراءة، والباقي كما سبق عشراً عشراً، ولا يُسبِّح قاعداً بعد السّجود الثاني، ويفعل ذلك في كلّ ركعةٍ.
وقت صلاة التّسابيح
تُصلّى صلاة التّسابيح مرّةً في اليوم، فمَن لم يفعل فمرّةً في الأسبوع فمَن لم يفعل فمرّةً في الشّهر، فمَن لم يفعل فمرّةً في السّنة، فمن لم يفعل فمرّةً في العُمر على الأقلّ كما ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في أشهر الأحاديث الواردة في هذه الصّلاة وأصحّها؛ فعن العبّاس -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال له: (يا عبّاسُ! يا عمّاهُ! ألَا أُعْطِيكَ؟ ألَا أمنحُكَ؟ ألَا أحبوكَ؟ ألَا أفعلُ بكَ عشرَ خصالٍ إذا أنتَ فعَلْتَ ذلِكَ غفَرَ اللهُ ذنبَكَ أوَّلَهُ وآخِرَهُ، قَدِيَمَهُ وحديثَهُ، خطَأَهُ وعَمْدَهُ، صغيرَهُ وكَبيرَهُ، سِرَّهُ وعلانِيَتَهُ؟ عَشْرَ خصالٍ: أنْ تُصَلِّيَ أربَعَ رَكَعَاتَ؛ تقرأُ في كُلِّ ركعةِ فاتِحَةَ الكِتابِ وسورةً، فإذا فَرَغْتَ مِنَ القراءةِ في أَوَّلِ ركعةٍ وأنتَ قائِمٌ قلتَ: سُبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولَا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أكبر خمسَ عشْرَةَ مرَّةً -وفي زيادة بعض الرّوايات: ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم-، ثُمَّ تَرْكَعُ فتقولُها وأنتَ راكِعٌ عشْراً، ثُمَّ تَرْفَعُ رأسَكَ مِنَ الرُّكوعِ فتقولُها عشْراً، ثُمَّ تَهوِي ساجداً فتقولُها وأنتَ ساجِدٌ عشْراً، ثُمَّ تَرْفَعُ رأسَكَ مِنَ السّجودِ فتقولُها عشْراً، ثُمَّ تَسْجُدُ فتقولُها عشْراً، ثُمَّ تَرْفَعُ رأسَكَ فتقولُها عشْراً، فذلِكَ خَمسٌ وسبعونَ في كُلِّ ركعةٍ، تفعلُ ذلِكَ في أربعِ ركعاتٍ، فلو كانتْ ذنوبُكَ مثلَ زَبَدِ البحْرِ أَوْ رمْلَ عالِجٍ غَفَرَها اللهُ لَكَ، إِن استطَعْتَ أنْ تُصَلِّيَها فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فافعلْ، فإِن لَمْ تفعلْ ففِي كلّ جُمعةٍ مَرَّةً، فإِن لم تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ شهرٍ مرَّةً، فإِن لم تفعلْ فَفِي كُلِّ سنةٍ مرَّةً، فإِن لم تفعلْ ففِي عُمرِكَ مَرَّةً).[
حُكم صلاة التَّسابيح
اختلف العُلَماء في حُكم صلاة التّسابيح؛ وذلك بسبب الاختلاف في تصحيح الأحاديث المذكورة فيها وتضعيفها؛ فذهب الشافعيّة إلى أنّها مُستحَبَّة، وذهب الحنابلة إلى جواز أدائها، وعدُّوها من فضائل الأعمال التي يُؤخَذ بها مُستدلّين بما ورد فيها من أحاديث ضعيفة، ولم يكن للحنفيّة والمالكيّة أيّ ذِكرٍ في هذه المسألة، وعلى هذا تكون صلاة التّسابيح بين حُكم المُستحَبّ أو الجائز عند المذاهب الفقهيّة الأربعة المُعتبَرة عند أهل السُّنة.[٤