شيخ الاسلام مجسم ومشبة

دعوى أن شيخ الإسلام مجسم ومشبه
ركز المناوئون لابن تيمية رحمه الله على إلصاق تهمة التجسيم والتشبيه به – وذلك بناء على معتقد نفاة الصفات الذين يرمون مثبتة الصفات بالتشبيه – وتنوعت وسائلهم في تقرير هذه الشبهة في نفوس الضعفة:
فمنها: رميه بأنه مجسم كما قال الحصني (ت – 829هـ) : (والحاصل أنه وأتباعه من الغلاة في التشبيه والتجسيم) .
وقال ابن حجر الهيتمي متحدثاً عن موقف ابن تيمية رحمه الله من الباري – جلَّ وعلا -:
(نسب إليه العظائم والكبائر، وخرق سياج عظمته، وكبرياء جلالته بما أظهر للعامة على المنابر من دعوى الجهة والتجسيم

المطلب الاول

دعوى أن شيخ الإسلام مجسم ومشبه
ركز المناوئون لابن تيمية رحمه الله على إلصاق تهمة التجسيم والتشبيه به – وذلك بناء على معتقد نفاة الصفات الذين يرمون مثبتة الصفات بالتشبيه – وتنوعت وسائلهم في تقرير هذه الشبهة في نفوس الضعفة:
فمنها: رميه بأنه مجسم كما قال الحصني (ت – 829هـ) : (والحاصل أنه وأتباعه من الغلاة في التشبيه والتجسيم) .
وقال ابن حجر الهيتمي متحدثاً عن موقف ابن تيمية رحمه الله من الباري – جلَّ وعلا -:
(نسب إليه العظائم والكبائر، وخرق سياج عظمته، وكبرياء جلالته بما أظهر للعامة على المنابر من دعوى الجهة والتجسيم
وأنه أول من قال بالتجسيم ، وأنه يقول: إن الله جسم كالأجسام .
ومنها: رميه بالتشبيه والتمثيل ، والحشو .
ومن فروع هذه القاعدة: محبته للمشبهة، وعدم ذمهم .
ومنها: أن ابن تيمية رحمه الله يثبت الاستواء، وإثبات الاستواء – عندهم – يلزم منه الجسمية، كما قال ابن جهبل في رده على ابن تيمية رحمه الله:
(نقول لهم: ما هو الاستواء في كلام العرب؟ فإن قالوا: الجلوس والاستقرار).
قلنا: هذا ما تعرفه العرب إلا في الجسم فقولوا: يستوي جسم على العرش…) .
وقالوا بأنه يشبّه استواء الله على عرشه باستواء المخلوق على الكرسي كما ذكر ذلك التقي الحصني (ت – 829هـ) عن أبي الحسن علي الدمشقي عن أبيه.
قال: (كنا جلوساً في صحن الجامع الأموي في مجلس ابن تيمية فذكّر ووعظ، وتعرض لآيات الاستواء، ثم قال: (واستوى الله على عرشه كاستوائي هذا) قال: فوثب الناس عليه وثبة واحدة، وأنزلوه عن الكرسي، وبادروا إليه ضرباً باللكم والنعال وغير ذلك…) .
ومنها: أن ابن تيمية رحمه الله أثبت النزول للباري عزّ وجل كل ليلة، كما هو ظاهر حديث النزول، فأنكروا عليه إثبات النزول .
وقالوا بأن ابن تيمية رحمه الله يثبت نزولاً للخالق يشبه نزول المخلوقين، كما ذكر ذلك ابن بطوطة (ت – 779هـ) في رحلته المشهورة فقال:
(حضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم، فكان من جملة كلامه أن قال: (إن الله ينزل كنزولي هذا) ونزل درجة من درج المنبر) .
وقد اشتهرت هذه المقولة عن ابن بطوطة (ت – 779هـ) ، وهي تنسب – أيضاً – إلى أبي علي السكوني وأنه نسبها إلى ابن تيمية رحمه الله قبل ابن بطوطة (ت – 779هـ) .
ومرد ذلك إلى الاختلاف الكبير الحاصل في تحديد سنة وفاة أبي علي السكوني، فالقول الذي رجحه بعض الباحثين هو أن وفاة السكوني كانت سنة (717هـ) ، وبهذا تكون القصة قد اشتهرت ونسبت إلى ابن تيمية رحمه الله قبل مجيء ابن بطوطة إلى دمشق، فقد كان مجيئه إليها سنة (726هـ) في شهر رمضان .
وقيل: إن السكوني قد توفي سنة (747هـ) وقيل: سنة (816هـ)، لكنها أقوال مرجوحة

المطلب الثاني

مـنـاقـشـة الـدعـوى
تحدث شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله باستفاضة عن مصطلحات: التجسيم، والتشبيه، والتمثيل، والحشو، ورد على من قال: بأن مذهب أهل السنة والجماعة هو التشبيه في مواضع متعددة من كتبه، وأوضح رحمه الله مذهبه في استواء الباري عزّ وجل على عرشه، وفي نزوله إلى السماء الدنيا.
فمصطلح التجسيم درسه شيخ الإسلام رحمه الله باستيعاب من حيث نشأته التاريخية في الإسلام وقبل الإسلام، وبيّن أقوال الناس في معنى الجسم، ثم ناقش هذه الأقوال مبيناً وجه الخطأ والصواب فيها، وفصّل في مناقشة لفظة الجسم من حيث اللغة، والشرع، والعقل، وبين موقف السلف من إطلاق لفظ الجسم على الله.
فذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن اليهود من غلاة المجسمة ، وأنهم سلف المجسمة، وأما في الإسلام فإن بداية ظهور التجسيم كان من قِبل بعض الشيعة كهشام بن الحكم (ت – 190هـ) وهشام الجواليقي يقول ابن تيمية رحمه الله:
(وأول ما ظهر إطلاق لفظ الجسم من متكلمة الشيعة كهشام بن الحكم) .
وفصل رحمه الله في معنى الجسم من حيث اللغة، مبيناً أن معناه هو: البدن والجسد ناقلاً عن أئمة اللغة إثبات ذلك، مثل قول أبي زيد الأنصاري : (الجسم: الجسد وكذلك الجسمان والجثمان) .
وقال الأصمعي : (الجسم والجثمان: الجسد، والجثمان: الشخص، والأجسم: الأضخم بالبدن) .
وقال ابن السكيت : (تجسمت الأمر: أي ركبت أجسمه، وجسيمه أي: معظمه، وكذلك تجسمت الرمل والجبل: أي ركبت أجسمه

قال عامر بن الطفيل

وقد علم الحي بن عامر *** بأن لنا ذروة الأجسم
وبين ابن تيمية رحمه الله: أن (الجسم قد يراد به الغلظ نفسه، وهو عرض قائم بغيره، وقد يراد به الشيء الغليظ، وهو القائم بنفسه، فنقول: هذا الثوب له جسم أي: غلظ، وقوله؛ {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ } [البقرة: 247] قد يحتج به على هذا، فإنه قرن الجسم بالعلم الذي هو مصدر، فنقول المعنى: زاده بسطة: في قدره فجعل قدر بدنه أكبر من بدن غيره، فيكون الجسم هو القدر نفسه لا نفس المقدر.
وكذلك قوله: { تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ } [المنافقون: 4] ، أي صورهم القائمة بأبدانهم كما تقول: أعجبني حسنه وجماله ولونه وبهاؤه، فقد يراد صفة الأبدان، وقد يراد نفس الأبدان،وهم إذا قالوا: هذا أجسم من هذا أرادوا أنه أغلظ وأعظم منه، أما كونهم يريدون بذلك أن ذلك العظم والغلظ كان لزيادة الأجزاء، فهذا مما يعلم قطعاً بأنه لم يخطر ببال أهل اللغة) .
وأما من حيث الشرع فقد بين أنه لم يُنقل في الشرع ولا عن الأنبياء السابقين ولا عن الصحابة، ولا عن التابعين ومن تبعهم من سلف الأمة إثبات هذا اللفظ أو نفيه.
قال رحمه الله: (وأما الشرع فالرسل وأتباعهم الذين من أمة موسى وعيسى ومحمد صلّى الله عليه وسلّم لم يقولوا: إن الله جسم، ولا إنه ليس بجسم، ولا إنه جوهر ولا إنه ليس بجوهر، لكن النزاع اللغوي والعقلي والشرعي في هذه الأسماء هو بما أحدث في الملل الثلاث بعد انقراض الصدر الأول من هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء) .
ثم قال: (والذي اتفقت عليه الرسل وأتباعهم، ما جاء به القرآن والتوراة: من أن الله موصوف بصفات الكمال، وأنه ليس كمثله شيء، فلا تمثل صفاته بصفات المخلوقين، مع إثبات ما أثبته لنفسه من الصفات) .

وقال رحمه الله: (وأما الشرع: فمعلوم أنه لم ينقل عن أحد من الأنبياء ولا الصحابة ولا التابعين ولا سلف الأمة أن الله جسم، أو أن الله ليس بجسم، بل النفي والإثبات بدعة في الشرع) .
وقال – أيضاً -: (وأما من لا يطلق على الله اسم الجسم كأئمة الحديث، والتفسير، والتصوف، والفقه، مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم، وشيوخ المسلمين المشهورين في الأمة، ومن قبلهم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان فهؤلاء ليس فيهم من يقول: إن الله جسم، وإن كان أيضاً: ليس من السلف والأئمة من قال: إن الله ليس بجسم) .
وبين رحمه الله سبب عدم إطلاق السلف لفظ الجسم لا نفياً ولا إثباتاً أنه لوجهين:
( أحدهما: أنه ليس مأثوراً لا في كتاب ولا سنة، ولا أثر عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا غيرهم من أئمة المسلمين، فصار من البدع المذمومة.
الثاني: أن معناه يدخل فيه حق وباطل، فالذين أثبتوه أدخلوا فيه من النقص والتمثيل ما هو باطل، والذين نفوه أدخلوا فيه من التعطيل والتحريف ما هو باطل) .
وعن سؤال افترضه هل جوابه موجود في الكتاب والسنة أم لا؟ وهو: هل الله جسم أم ليس بجسم؟ قال:
(فإذا قال السائل: هل الله جسم أم ليس بجسم؟ لم نقل: إن جواب هذا السؤال ليس في الكتاب والسنة، مع قول القائل: إن هذا السؤال موجود في فطر الناس بالطبع، والله تعالى يقول: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً } [المائدة: 3] ، وقال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ } [التوبة: 115] .
وقال: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [النحل: 89] .
وقال: { مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [يوسف: 111] .
وقال: { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه: 123

مؤلفات ابن تيمية

وقال: { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} [الأعراف: 3] ) .
ثم ذكر آيات كثيرة وقال: (ومثل هذا في القرآن كثير، مما يبين الله فيه أن كتابه مبيِّن للدين كله، موضح لسبيل الهدى، كافٍ لمن اتبعه، لا يحتاج معه إلى غيره يجب اتباعه دون اتباع غيره من السبل)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top