بسم الله الرحمن الرحيم يقدم لكم موقعنا المتميز لحظات عن هذا الموضوع الثبات على الطاعة لله. فهذه رسالةٌ إلى كلِّ مسلم، نبيِّن فيها مجموعة من النصائح التي تساعد المسلمَ في الثبات على طاعة رب العالمين. إن طريق التوبة إلى الله طريق مُيَسَّر؛ لا تعقيدات فيه ولا استحالة،للمزيد زورو موقعنا لحظات.
كيفية الثبات على الطاعة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذه رسالةٌ إلى كلِّ مسلم، نبيِّن فيها مجموعة من النصائح التي تساعد المسلمَ في الثبات على طاعة رب العالمين.
نقول ونحن متوكلون على الله القوي المتين:
أخي المسلم، إن طريق التوبة إلى الله طريق مُيَسَّر؛ لا تعقيدات فيه ولا استحالة، إنما هو توبةٌ صادقة تجمع فيها بين: الإقلاعِ عن المعصية، والندمِ على فعلها، والعزم على عدم الرجوع إليها، وإذا كانت تتعلَّق بحقِّ آدميٍّ فعليك أن تردَّ الحقوق لأصحابها.
أخي المسلم الغالي، نقدِّم لك (8) نصائح، إذا اتَّبعتها ستُريحكَ في الدنيا والآخرة بإذن الله:
أولاً: استعن بالله، واحرص كثيرًا على الدعاء، ادعُ اللهَ في سجودك أن يهديَك ويثبتك على الدين، كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُكثر من هذا الدعاء: ((اللَّهمَّ يامقلِّبَ القلوبِ، ثبِّتْ قلبي على دينِك))؛ صححه الألباني.
ثانيًا: عليك بالاستغفار، أكثِرْ من قول: ((أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو، الحيَّ القيومَ، وأتوب إليه)).
قال الله تعالى: ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ [هود: 3] الآية.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال اللهُ تعالى: ((يابنَ آدمَ، إنَّك ما دعوتَني ورجوتَني غفرتُ لكَ على ما كانَ منكَ ولا أُبالِي، يابنَ آدمَ، لو بلغَتْ ذنوبُك عَنانَ السماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لكَ ولا أُبالِي، يا بنَ آدمَ، لو أنَّك أتيتَني بقُرَابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتَني لا تشرك بي شيئًا لأتيتُك بقرابِها مغفرةً))؛ صححه الألباني.
ثالثًا: اعلم أن صلاتك في المسجد من أَعظم وسائل الثبات على الدِّين، كما أن لها أجرًا عظيمًا عند الله عز وجل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلاةُ الجماعة أفضل من صلاة الفذِّ بسبعٍ وعشرين درجة))؛ رواه البخاري ومسلم.
رابعًا: عليك بالصُّحبة الصالحة إن أردتَ الاستمرارَ على توبتك وصلاحك، واحذر من رُفقاء السوء؛ فَهُم من أكبَر أسباب المعاصي والتعلق بها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المرءُ على دينِ خليلِه، فلينظرْ أحدُكم مَن يُخاللُ))؛ صححه ابن باز في مجموع فتاوى ابن باز، وحسنه الألباني.
خامسًا: ابتعد عما يُذكركُ بالمعاصي ويربطك بها؛ من أماكن وصور وسيديهات سيئة…، وإياك أن تتهاون في ذلك؛ فكم كانت سببًا في رجوع بعضِ الناس إلى طريق الهوى والشيطان.
سادسًا: احرص على سماع القرآن الكريم، والمواعظِ والدروس الدينية التي تساعدك على الثبات على الدين بإذن الله، والتي تذكِّرك بالآخرة، وتذكِّرك بأنك في هذه الدنيا غير مُخَلَّد، وأنك في دار امتحان، إذا رسَبت في هذا الامتحان – لا قدَّر الله – فلا مجال لإعادته، وستكون العاقبةُ فظيعة؛ “نار أشد حرًّا من نار الدنيا بـ 69 درجة”.
سابعًا: ابتعد عن سماع الأغاني، وإذا كنت صادقًا في توبتك، فجرِّب هذه الطريقة التي كانت سببًا في توبةِ أكثر من 83 شخصًا بفضل الله، وقد اعترفوا أن هذه الطريقة كانت سببًا في توبتهم؛ الطريقة هي أن تترك سماع الأغاني لمدة 24 ساعة، وبإذن الله ستتركُ سماعَ الأغاني بعد ذلك، وستحبُّ فعلَ الطاعة، وتكره فعلَ المعصية.
كتب عمرُ بن عبدالعزيز لمؤدبِ وَلده: “ليكن أوَّل ما يعتقدون من أدبك بُغض الملاهي التي مبدؤها من الشيطان، وعاقبتها سخَطُ الرحمن؛ فإنَّه بلغني عن الثقات مِن أهل العلم أن صوت المعازف واستماعَ الأغاني واللهج بها يُنبت النفاقَ، كما ينبُتُ العُشب على الماء”.
ثامنًا: لا تنسَ قراءة القرآن الكريم؛ فهو خيرُ الكلام، وأجره عظيم عند الله تعالى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن قرأَ حرفًا مِن كتابِ اللهِ، فلَهُ بِهِ حسنةٌ، والحسنةُ بعَشرِ أمثالِها، لا أقول: ﴿ الم ﴾ حرفٌ، ولَكن ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ))؛ رواه الترمذي بسندٍ صحيح.
أخي المسلم، إذا اتبعت هذه النصائح الثمانية، فأنت – بإذن الله – في الدنيا من السُّعداء والمتقين، وفي الآخرةِ مع النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، بإذن رب العالمين.
أخي المسلم، جاهد نفسَك للإقبال على الأعمال الصالحة، وخصوصًا الفرائض؛ كالصلوات والصيام، وبر الوالدين، والواجبات الأخرى؛ فإنه لا يجوزُ لأيِّ مسلم أن يُفرِّط فيها، وابتعد – يا أخي – عن المحرمات إجمالاً؛ فهي والله سببُ الشقاء في الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124]، والضَّنك: هو الشقاء والضيق.
أخي المسلم، بِعِ الدنيا الفانية، واشترِ الآخرة الباقية، اسعَ للبُعد عن النيران، والبُعدِ عن غضب الواحد الديَّان، واعمل للفوز بالجِنان، ورِضا الرحيم الرحمن.
نَسأل اللهَ العظيم أن يهدينا ويغفر لنا، ويثبتنا على الدين، وأن يجنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن؛ إنه هو الرحمن الرحيم.
كيف الثبات على الطاعة
الثبات على الطاعة دأب المسلم وضرورة لفلاحه؛ وذلك لما تعيشه المجتمعات من أنواع الفتن المختلفة،
والشبهات والشهوات، حتى أصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر، فلا بدّ للمسلم من وسائل وطرق تعِينه وتمكّنه من الثبات على طاعة الله،
فما معنى الثبات على الطاعة، وكيف يمكن للمسلم أن يثبُت ويداوم على الطاعة، وما هي الوسائل المُعِينة على الثبات على الطاعة،
هذا ما ستتناوله هذه المقالة.
معنى الثبات على الطاعة
الثبات في اللغة اسم، ومصدره؛ ثبَتَ، ثبَتَ على، يقال: الثَبَاتُ عَلَى الرَأْيِ أي؛ الاسْتِمْرَارُ فِيهِ، بثبات أي؛ بشجاعة وبفاعلية،
والثَبَاتُ فِي الْمَكَانِ أي؛ الاِسْتِقْرَارُ فِيهِ، وثَبات المفاهيم: دوامها وبقاؤها.[١] الطاعة في اللغة اسم وجمعها طاعات،
ويُقصد بها: الانقيادُ والموافقةُ، يقال: يَشُقُّ عَصَا الطَّاعَةِ أي: يَتَمَرَّدُ ويَثُورُ، وسَمْعاً وَطَاعَةً أي: رَهْنَ الإِشَارَةِ، وتَحْتَ الأَمْرِ؛
وَالعِبَارَةُ مُخْتَصَرَةٌ: أَيْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَسَأُطِيعُكَ، وبَيْتُ الطَّاعة أي: بيت الزوج الذي يُطلب من الزوجة التي هجرت زوجها أن تعود إليه، وطاعة عمياء،
أو طاعة مطلقة، أي: طاعة دون معرفة الأسباب، وطاعة الله أي: عبادته والانقياد لأوامره.[
كيف الثبات على الطاعة
للثبات على الطاعة طرق عديدة أهمّها:[٣] الاستعانة بالله سبحانه وتعالى، واللجوء إليه بالدعاء الكثيرفي
كلّ وقت وخصوصاً في السجود، فقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُكثر من هذا الدعاء: (يامُقَلِّبَ القلُوبِ ثَبِّتْ قلبي على دينِكَ)[٤]
الإكثار من الاستغفار، قال الله سبحانه وتعالى: ( وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى)[٥]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: (قالَ اللَّهُ تبارَكَ وتعالى يا ابنَ آدمَ إنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفَرتُ لَكَ على
ما كانَ فيكَ ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ لو بلغت ذنوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ، ولا أبالي،
يا ابنَ آدمَ إنَّكَ لو أتيتَني بقرابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتَني لا تشرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقرابِها مغفرةً)[٦].
المحافظة على أداء الصلاة في المسجد؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاةُ الجماعةِ أفضلُ من صلاةِ الفذِّ بسبعٍ وعشرينَ درجةً)[٧].
مرافقة الصحبة الصالحة والحذر من رفقاء السوء؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(المرءُ على دينِ خليلِه فلينظرْ أحدُكم مَن يُخاللُ)[٨] الابتعاد عما يُذكّر بالمعاصي مثل الصور والفيديوهات وغيرها.
الحرص على سماع القرآن الكريم، والمواعظ والدروس الدينية، التي تحث وتساعد على الثبات على طاعة الله.
الابتعاد عن سماع الأغاني، وكل ما حرّم الله ونهى عنه. قراءة القرآن الكريم والمداومة عليه؛ فهو خيرُ الكلام،
وأجره عظيم عند الله تعالى؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن قرأَ حرفًا من كتابِ اللَّهِ فلَهُ بِهِ حسنةٌ ،
والحسنةُ بعشرِ أمثالِها ، لا أقولُ آلم حرفٌ ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ)
موانع الثبات على الطاعة
يوجد العديد من الموانع التي تحول بين المسلم والثبات على الطاعة منها:[١٠] طول الأمل لدى الشخص مما يتولّد عنه الكسل عن القيام بالطاعة،
والتسويف بالتوبة، ونسيان الآخرة والرغبة في الدنيا وما فيها، وقسوة القلب، وقد حذّر الله سبحانه وتعالى عباده من طول الأمل فقال في كتابه العزيز:
(وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)[١١]
التوسع في المباحات من الطعام والشراب واللباس والمراكب ونحوها تعد من أسباب التفريط في القيام بعض الطاعات،
وعدم الثبات والمداومة عليها؛ فالتوسّع في المباحات يورث الركون، والنوم، والراحة، بل قد يوصل الشخص إلى الوقوع في المكروهات،
قال الله سبحانه وتعالى: (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ)[١٢] فالله سبحانه وتعالى أمر بالأكل ونهى عن الطغيان فيه؛
حتى لا تميل النفس البشرية إلى الركون والكسل، والتقاعس عن العمل. الابتعاد عن الأجواء الإيمانيّة؛
فالنفس البشريّة إذا لم يُشغلها صاحبها بالطاعة والحقّ، شَغَلته هي بالمعصيَة.
فضل الثبات على الطاعة والمداومة عليها
للمداومة على الطاعات والثبات عليها فضائل عظيمة منها:[١٣] تعتبر المداومة على الطاعات من صفات المؤمنين؛
فقد قال الله سبحانه وتعالى في وصف عباده المؤمنين: (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ)[١٤]أي؛ الذين يداومون عليها في أوقاتها المحدّدة،
ويؤدونها بشروطها وأركانها ومكمّلاتها.[١٥] المداومة على الطاعات والثبات عليها وصية الله سبحانه وتعالى لأنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام.
تعتبر المداومة على الطاعات أحبّ الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى؛ فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:
(… يا أيُّها الناسُ، خُذوا مِن الأعمالِ ما تُطِيقُون، فإنّ اللهَ لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا، وإنَّ أحبَّ الأعمالِ إلى اللهِ ما دامَ وإن قلَّ )
[١٦] في المداومة على الطاعة زيادة لإيمان المسلم، فكلّ عمل صالح يقوم به العبد يزيد في إيمانه وكلّ طاعة تجرّ إلى غيرها.
المداومة على الطاعة تبعد العبد عن الغفلة. المداومة على الطاعة سببٌ للوصول إلى محبة الله سبحانه وتعالى؛
فقد جاء في الحديث القدسي: (..وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بمثلِ أداءِ ما افتَرضتُه عليْهِ، ولا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أحبَّهُ..)
[١٧] مداومة العبد على الطاعات سبب في نجاته من المصائب والشدائد. مداومة العبد على الطاعات سبب في محوِ ذنوبه وتكفيرها.
مع الثبات وأسبابه
أمير بن محمد المدري
إمام وخطيب مسجد الإيمان – اليمن
الحمد لله رب العالمين الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شي عليم واشهدا ن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمد عبه ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم وبعد
:-أيها المسلمون
عباد الله اتقوا الله وراقبوه
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ))آل
عمران102
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ))النساء1
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ
إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ))الحشر18
عباد الله
سنقف وإياكم في هذه الدقائق الغالية مع الثبا واسباب الثبات لعلنا نكون واياكم ممن ثبتهم الله على الحق حتى ماتوا عليه
نتكلم على الثبات في وقت تمر الأمة فيه بمراحل حرجة من حروب وفتن ربما لو فكر فيها الرجل العاقل لشرد ذهنه وانخلع قلبه مما يرى، ولكن اعلم أخي المسلم أن الثبات على الحق والتمسك به من صفات المؤمنين الصادقين، قال – تعالى -: ((يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ))إبراهيم27 وقدوتنا في ذلك هو رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقد لاقى ما لاقى ومع ذلك كان أشد ثباتًا حتى بلغ رسالة ربه على أتم وجه.
عباد الله
إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يصرفها كيف شاء فعن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث شاء ثم قال: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك)) رواه مسلم
وهذه أمُّ سلمة رضي الله عنها تحدِّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه أن يقول: ((اللهم مقلبَ القلوب، ثبت قلبي على دينك))، قالت: قلت: يا رسول الله، وإنَّ القلوب لتتقلب؟! قال: ((نعم، ما خلق الله من بني آدم من بشر إلا إن قلبه بين إصبعين من أصابع الله، فإن شاء الله عز وجل أقامه، وإن شاء الله أزاغه)) أخرجه أحمد في مسنده الترمذي في جامعه بإسناد صحيح وهذا أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: ((يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك))، قال: فقلت: يا رسول الله، آمنا بك وبما جئت به، هل تخاف علينا؟ قال: ((نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله، يقلّبها كيف يشاء)) أخرجه الترمذي في جامعه وابن ماجه في سننه بإسناد صحيح
وما سمي الإنسان إلا لِنَسْيِهِ *** ولا القلب إلا أنه يتقلب
ومصداق هذا كله مشاهد ملموس في واقع الناس فكم من روضة أمست وزهرها يانع عميم أصبحت وزهرها يابس هشيم فبينا ترى الرجل من أهل الخير والصلاح ومن أرباب التقى والفلاح قلبه بطاعة ربه مشرق سليم إذا به انقلب على وجهه فترك الطاعة وتقاعس عن الهدى. وبينا ترى الرجل من أهل الخنا والفساد أو الكفر والإلحاد قلبه بمعصية الله مظلم سقيم إذا به أقبل على الطاعة والإحسان وسلك سبيل التقى والإيمان.
أيها الإخوة المؤمنون:
إن تذكر هذا الأمر لتطير له ألباب العقلاء وتنفطر منه قلوب الأتقياء وتنصدع له أكباد الأولياء كيف لا والخاتمة مغيّبة والعاقبة مستورة والله غالب على أمره والنبي – صلى الله عليه وسلم – قد قال: ((فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) متفق عليه،
فالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
عباد الله
أعلموا أنه على قدر ثبات العبد على الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار يكون ثباته على الصراط المنصوب على متن جهنم وعلى قدر سيره على هذا الصراط في الدنيا يكون سيره على ذلك الصراط فمنهم من يمر مر البرق ومنهم من يمر مر كالطرف ومنهم كالريح ومنهم من يمشي مشياًومنهم من يحبو حبواً ومنهم المخدوش ومنهم من يسقط في جهنّم وهل تجزون إلا ما كنتم تعملون ولذا نحن في اليوم مرات ومرات ندعو الله أن يثبّتنا على الصراط المستقيم ونقول ((اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7}))
يارب ثبّتنا على طريق الصالحين طريق الايمان طريق التقوى طريق التوحيد طريق الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولائك رفيقاً
فيا عباد الله عليكم أن تجتهدوا في أخذ أسباب الثبات وأن تحتفوا بها علماً بأن المقام جد خطير والنتائج لا تخالف مقدماتها والمسببات مربوطة بأسبابها وسنن الله ثابتة لا تتغير، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
فمن أسباب حصول الثبات على الحق والهدى والدين والتقى
أولاً الشعور بالفقر إلى تثبيت الله – تعالى – وذلك أنه ليس بنا غنى عن تثبيته طرفة عين فإن لم يثبتنا الله وإلا زالت سماء إيماننا وأرضُه عن مكانها وقد قال مخاطباً خير خلقه وأكرمهم عليه: ((وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً”)) وقال – تعالى -: ((إذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا))وكان نبينا – صلى الله عليه وسلم – يكثر من قوله: ((لا ومصرف القلوب)) كما روى ابن ماجه بسند جيد مما يؤكد أهمية استشعار هذا الأمر واستحضاره. ثانيا ًومن أسباب الثبات على الخير والصلاح الإيمان بالله تعالى
قال عز وجل -: ((يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة”)). إبراهيم 27 والإيمان الذي وعد أهله وأصحابه بالتثبيت هو الذي يرسخ في القلب وينطق به اللسان وتصدقه الجوارح والأركان فليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل فالالتزام الصادق في الظاهر والباطن والمنشط والمكره هو أعظم أسباب التثبيت على الصالحات
قال الله تعالى -: ((وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً)). فالمثابرة على الطاعة المداوم عليها المبتغى وجه الله بها موعود عليها بالخير والتثبيت من الله مقلب القلوب ومصرفها. ثالثاً من أسباب الثبات على الطاعة والخير ترك المعاصي والذنوب صغيرها وكبيرها ظاهرها وباطنها فإن الذنوب من أسباب زيغ القلوب فقد قال – صلى الله عليه وسلم – فيما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه:
((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن))
وأما الصغائر فعن سهل بن سعد – رضي الله عنه -قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إياكم ومحقرات الذنوب كقوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزتهم وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه))
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى *** واصنع كماش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صـغـيرة إن الجبال من الحصىرابعاً من أسباب الثبات على الإسلام والإيمان الإقبال على كتاب الله تلاوة وتعلماً وعملاً وتدبراً فإن الله – سبحانه و تعالى – أخبر بأنه أنزل هذا الكتاب المجيد تثبيتاً للمؤمنين وهداية لهم وبشرى قال الله تعالى -:
((قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ”)) فكتاب الله هو الحبل المتين والصراط المستقيم والضياء المبين لمن تمسك به وعمل. خامساً ومن أسباب الثبات على الصالحات عدم الأمن من مكر الله
فإن الله – سبحانه و تعالى – قد حذر عباده مكره فقال عز وجل -:
((أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)) وقد قطع خوف مكر الله – تعالى – ظهور المتقين المحسنين وغفل عنه الظالمون المسيئون كأنهم أخذوا من الله الجليل توقيعاً بالأمان وقال الله تعالى -: ((أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ` سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ))
يا آمناً معَ قبحِ الفعل منه *** هل أتاك توقيعُ أمن أنت تملكه
جمعت شيئين أمناً واتباع هوى *** هذا وإحداهما في المرء تهلكه
أما المحسنون من السلف والخلف فعلى جلالة أقدارهم وعمق إيمانهم ورسوخ علمهم وحسن أعمالهم فقد سلكوا درب المخاوف يخافون سلب الإيمان وانسلاخ القلب من تحكيم الوحي والقرآن حتى صاح حاديهم يقول:
والله ما أخشى الذنـوب فإنها *** لعلى سبيل العفو والغفران
لكنما أخشى انسلاخ القلب من *** تحكيم هذا الوحي والقرآن
فالحذر الحذر من الأمن والركون إلى النفس فإنه مادام نَفَسُك يتردد فإنك على خطر قال ابن القيم رحمه الله: ((إن العبد إذا علم أن الله – سبحانه و تعالى – مقلب القلوب وأنه يحول بين المرء وقلبه وأنه – تعالى – كل يوم هو في شأن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وأنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء ويرفع من يشاء ويخفض من يشاء فما يؤمّنه أن يقلب الله قلبه ويحول بينه وبينه ويزيغه بعد إقامته وقد أثنى الله على عباده المؤمنين بقوله: ((رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا)) فلولا خوف الإزاغة لما سألوه أن لا يزيغ قلوبهم. سادساً من أسباب الثبات على الهدى والحق سؤال الله التثبيت
فإن الله هو الذي يثبتك ويهديك -: فألحوا على الله – تعالى – بالسؤال أن يربط على قلوبكم ويثبتكم على دينكم فالقلوب ضعيفة والشبهات خطافة والشيطان قاعد لك بالمرصاد ولك فيمن تقدمك من المؤمنين أسوة حسنة فإن من دعائهم: ((رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)). وما ذكره الله – تعالى – عنهم: ((رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)). وقد كان أكثر دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك))
أسال الله ان يثبتنا واياكم على الخير والصلاح
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا, وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.الخطبة الثانية
الحمد لله على احسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد ان لا اله الا الله تعضيما لشانه واشهد ان محمد عبده ورسوله الداعي الى رضوانه وعلى اله واصحابه وجميع اخوانه
وبعد .لا زلنا واياكم مع اسباب الثبات سابعاً من أسباب الثبات على الإيمان نصر دين الله الواحد الديان ونصر أوليائه المتقين قال الله تعالى -: ((إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ))
ونصر دين الله – تعالى – وأوليائه يكون بطرائق عديدة لا يحدها حد ولا تقف عند رسم فالدعوة إلى الله بجميع صورها نصر لدين الله وطلب العلم نصر لدين الله والعمل بالعلم نصر لدين الله وجهاد الكفار والمنافقين والعصاة نصر لدين الله والرد على خصوم الإسلام وكشف مخططاتهم نصر لدين الله والبذل في سبيل الله والإنفاق في وجوه البر نصر لدين الله والذب عن أهل العلم والدعوة وأهل الخير والصحوة نصر لدين الله وطرائق نصر دين الله وأوليائه كثيرة جعلنا الله وإياكم منهم من أوليائه وأنصار دينه ولا تحقرن من هذه الأعمال شيئاً فقاعدة الطريق اتق النار ولو بشق تمرة قال ابن القيم – رحمه الله -:
هذا ونصر الدين فرض لازم *** لا للكفاية بل على الأعيان
بيد وإما باللسان فإن *** عجز ت فبالتوجه والدعاء بجنان. ثامناً من أسباب الثبات على الهدى الرجوعُ إلى أهل الحق والتقى من العلماء والدعاة فهم أوتاد الأرض ومفاتيح الخير ومغاليق الشر فافزع إليهم عند توالي الشبهات وتعاقب الشهوات قبل أن تنشب أظفارها في قلبك فتوردك المهالك قال ابن القيم – رحمه الله – حاكياً عن نفسه وأصحابه: (وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت بنا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه – أي شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله عنا وينقلب انشراحاً وقوة ويقيناً وطمأنينة). عاشراً من أسباب الثبات على الحق والتقى الصبر على الطاعات والصبر عن المعاصي
فإنه لن يحصل العبد الخيرات إلا بهذا وقد أمر الله – تعالى – نبيه بالصبر فقال: ((وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا”)) وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((وما أعطي أحدٌ عطاء خيراً وأوسع من الصبر))
فالصبر مثل اسمه مر مذاقته *** لكن عواقبه أحلى من العسلالحادي عشر من أسباب الثبات على الحق والهدى ترك الظلم
فالظلم عاقبته وخيمة وقد جعل الله التثبيت نصيب المؤمنين والإضلال حظ الظالمين فقال جل ذكره: ((يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ))إبراهيم 27
. فاتقوا الظلم أيها المؤمنون اتقوا ظلم أنفسكم بالمعاصي والذنوب واتقوا ظلم أهليكم بالتفريط في حقوقهم والتضييع لهم واتقوا ظلم من استرعاكم الله إياهم من العمال ونحوهم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.
وقال – صلى الله عليه وسلم –(( تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودًا فأيما قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء وأيما قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تصير القلوب على قلبين، قلب أبيض كالصفا، وقلب أسود مربادا كالكوز مجخيا (أي مقلوبًا) لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرًا.))
وهذه صفة أهل النار ويقول – صلى الله عليه وسلم ((تعس عبد الدينار. تعس عبد الدرهم. تعس عبد الخميصة. تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش))
ومن المعروف أن الدينار مملوك والعبد مالك للدينار فكيف يكون الدينار هو المالك والعبد هو المملوك؟ من ذلك يتبين لنا أن العبد إذا انشغل بجمع الدينار وتركَ عبادة الله كان عبدًا للدينار من دون الله ولذلك يدعو الرسول – صلى الله عليه وسلم – على هذا الصنف فيقول “تعس وانتكس”.
وأعجب من ذلك أن يكون المال سببًا في الانتكاس الكلي وهو الردة، فقد ثبت عند الإمام مسلم أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أرسل عمر رضي الله عنه لجمع الزكاة فذهب إلى ابن جميل وكان فقيرًا فأغناه الله فطلب عمر منه الزكاة فمنع ولم يعترف بها قال – تعالى -: (( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين (75) فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون (76) فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون )) التوبة: 55-57الحادي عشر ومن أسباب الثبات على الدين والصلاح كثرة ذكر الله – تعالى
كيف لا وقد قال جل شأنه : ((أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)).
وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت))
وقد أمر الله – تعالى – عباده بالإكثار من ذكره فقال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيرا ` وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ` هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً))) فذكر الله كثيراً وتسبيحه كثيراً سبب لصلاته سبحانه وصلاة ملائكته التي يخرج بها العبد من الظلمات إلى النور فيا حسرة الغافلين عن ربهم ماذا حرموا من خيره وفضله وإحسانه.
اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة
اللهم ثبتنا على الطاعة يارب العالمين
وصلوا وسلموا على عبد الله ورسوله فقد أمركم الله بذلك فقال – تعالى -:( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً)
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن أصحابه أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بفضلك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
من عوامل الثبات على الدين
السؤال : ما هي الوسائل التي تؤدي إلى الثبات على الدين ؟ خصوصا وأنا حولي كثير من الفتن والشهوات والشبهات . كلما أسير في الطريق أسمع غناء ، وأنا في بيتي كذلك يصل إلينا صوت الغناء من الشارع ، وغيرها الكثير والكثير من الفتن . وأسألك شيخنا الدعاء لي بالثبات والهداية .
الجواب :
الحمد لله
الوسائل التي تعين على الثبات على الدين خاصة زمن الفتن نوعان :
الأولى :
وسائل تزيد من الإيمان واليقين ، وهي التي تحض على الطاعة ، وتدفع إلى العمل الصالح ، وبها يتذوق العبد طعم الإيمان .
ومنها : طلب الهداية إلى صراط الله المستقيم ، والمسلم في كل صلاة لا بد أن يدعو فيها : (اهدنا الصراط المستقيم) .
وروى الطبراني في “الكبير” (7135) عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه سلم : ( يا شداد بن أوس إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة فاكنز هؤلاء الكلمات : اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ، وأسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك … ) الحديث وصححه الألباني في “سلسلة الأحاديث الصحيحة” (3228) .
ومنها : الاستقامة على دين الله تعالى ، وعدم التفريط في شيء منه ، قال الله تعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) الأنعام / 153.
وقال تعالى : ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ) إبراهيم/27
قال قتادة : ” أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح ، ( وَفِي الآخِرَةِ ) في القبر ” . “تفسير ابن كثير” (4 / 502)
ومنها : التمسك بالسنة ، فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
ومنها : كثرة ذكر الله .
قال ابن عباس رضي الله عنه : ” الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا سها ، وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس ” .
راجع : “تفسير الطبري” (24 / 709-710)
النوع الثاني :
وسائل تعصم من الوقوع في الفتن .
منها : الصبر على أمر الله ، فروى أبو دود (4341) عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن من ورائكم أيام الصبر ، الصبر فيه مثل قبض على الجمر ، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله) قيل : يا رسول الله أجر خمسين منهم ؟ قال : (أجر خمسين منكم) . وصححه الألباني في “صحيح أبي داود” .
ومنها : الاستعاذة بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وفي حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه عند مسلم (2867) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما لأصحابه : (تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن) فقالوا : نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن .
ومنها : مراقبة الله عز وجل وحفظه .
روى الترمذي (2516) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
“(احفظ الله يحفظك) جملة تدل على أن الإنسان كلما حفظ دين الله حفظه الله .
ولكن حفظه في ماذا ؟ حفظه في بدنه ، وحفظه في ماله ، وأهله ، وفي دينه ، وهذا أهم الأشياء وهو أن يسلمك من الزيغ والضلال ، لأن الإنسان كلما اهتدى زاده الله هدى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) وكلما ضل والعياذ بالله فإنه يزداد ضلالا ” انتهى .
“شرح رياض الصالحين” (ص 70) .
ومنها : مصاحبة الصالحين من المؤمنين ، وترك مصاحبة من عداهم من المفتونين .
وقد روى أبو داود (4918) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (المؤمن مرآة المؤمن ، والمؤمن أخو المؤمن ، يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه) وحسنه الألباني في “صحيح أبي داود” .
(يكف عليه ضيعته) أي : يمنع خسارته .
(ويحوطه من ورائه) أي : يحفظه ويصونه ، ويدافع عنه بقدر استطاعته .
وروى أيضا (4833) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) وحسنه الألباني في “صحيح أبي داود” .
ومن أعظم ما يُنتفع به من عوامل الثبات على الدين : عدم التعرض للفتن ، والسعي في توقّيها بالبعد عنها وعن أسبابها ، فيصفو الحال للقلب ، فيتذوق طعم الإيمان ، وقد جاء في حديث الدجال قوله صلى الله عليه وسلم : (مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ) رواه أبو داود (4319) وصححه الألباني في “صحيح أبي داود” .
نسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين الثبات على دينه ، والعصمة من الفتن ، ما ظهر منها وما بطن .
والله أعلم