قيمة العمل في حياة الفرد والمجتمع منذ أن خلق الله عزّ وجل الإنسان على هذه الأرض وهو يعمل؛ فالعمل هو أمر مهم جداً للإنسان منذ قديم الزمان، ولا يهمّ نوع العمل وماهيّته لكن من المهم أن يكون عملاً شريفاً مقصده الرّزق الحلال، فقد كان أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام يعملون في مهن مختلفة
تعريف العمل
منذ أن خلق الله عزّ وجل الإنسان على هذه الأرض وهو يعمل؛ فالعمل هو أمر مهم جداً للإنسان منذ قديم الزمان، ولا يهمّ نوع العمل وماهيّته لكن من المهم أن يكون عملاً شريفاً مقصده الرّزق الحلال، فقد كان أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام يعملون في مهن مختلفة، كما قال عزّ وجل: “يا أيّها الرسل كلوا من الطيّبات واعملوا صالحاً”، فكان أوّل الأنبياء سيدنا آدم عليه السلام يعمل مزارعاً، وسيّدنا نوح عمل نجاراً، وإدريس عليه الصلاة والسلام كان خياطاً، ونبيّ الله موسى عليه السلام كان راعياً للغنم، كما جاء في الذكر الحكيم : “وما تلك بيمينك يا موسى * قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآربُ أخرى”، وخاتم الأنبياء والمرسلين سيّدنا محمد عليه الصلاة والسلام فقد كان راعياً للغنم.
أهميّة العمل
العمل هو ما يبني الحضارات والأمم، وهو سبب نهضتها وازدهارها، فنجد في أيّامنا هذه أنّ الدول المتقدمة جميع أفرادها في عمل دؤوب ومستمر، ولأهميّة العمل فقد حثّنا ديننا الحنيف عليه في القرآن الكريم، كما في قوله عزوجل : “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”، وفي السنة النبويّة الشريفة، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : “ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإنّ نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده”.
العمل الشريف هو المصدر الّذي يكسب منه الإنسان الرزق الحلال ليقتات به هو وعائلته، وفيه حفظٌ لكرامة الإنسان؛ لأنّه يغنيه عن سؤال الآخرين، وحاجته إليهم، فيعيش معتمداً على ذاته في تحقيق جميع احتياجاته وعائلته، كما يجنّبه ضنك العيش والفقر العدوّان اللدودان للإنسان، والعمل هو ما يطهّر نفس المؤمن من شر البطالة، فيجعله قويّاً معتمداً على نفسه، وذا كيانٍ مستقل، مما يجعل الأمة قوية البنيان ومتماسكة، لذا فضّل الله جلّ وعلا المؤمن القوي على المؤمن الضعيف، فالمؤمن يكون قوياً بإيمانه بالله عزّ وجل وبعمله الدؤوب.
في العمل يبذل الإنسان قصارى جهده كي يحقّق أهدافه، فعلى الرّغم من التعب الّذي يلحق به إلّا أنه يكون راضياً عن نفسه وما يقدّمه، لأنّه يشعر بأنه فرد فعّال في المجتمع وذو مكانةٍ وقيمة عالية، وبذلك يحقّق الإنسان ذاته، ويدرك أهمية ومعنى الحياة.
يعزز العمل روح التعاون والتكافل بين الناس، وذلك لأنّ الكثير من الأعمال لا يمكن للفرد الواحد أن ينجزها؛ بل هو بحاجة إلى شريك أو عدّة شركاء كي يتمكّن من إنجازه، فيتعلّم الفرد هنا كيف يحترم شركاءه ويقدّر جهودهم، ويبادلهم مشاعر الأخوة والحب، ليكون ذلك هو البذرة الأولى في تكافل المجتمع وتراحمه. يتعلّم الفرد من العمل كيف يتعامل مع الآخرين ويكون لبقاً معهم؛ فالعمل يهذّب الأخلاق، وينمّي المهارات الاجتماعيّة لدى الفرد، كما يجعل الإنسان أكثر اختلاطاً ومعرفةً بالآخرين. الفرد الذي يعمل بجد وإتقان ليكسب قوته من عرق جبينه فإنّ الله عزّ وجل يجزيه بالأجر والثواب، فالعمل أيضاً عبادة يؤجر عليها المسلم.
قيمة العمل بالنسبة للأفراد :
يُساعد العمل على اتصال الناس مع بعضهم البعض؛ فكثيرٌ من العلاقات الاجتماعية خرجت من رحم الأعمال وبيئاتها المختلفة.
يساعد العمل على توفير احتياجات الناس الرئيسية، بل وحتى الثانوية، كما ويكسب العمل الأفراد الأموال الكافية التي تُساعدهم على العيش عيشةً كريمة ومحترمة.
تطور الأعمال من مهارات الأفراد المختلفة؛ كمهارات الاتصال، والمهارات التي لها علاقة بالتخصّص، والمهارات الحياتية وغيرها، ممّا يزيد من إنتاجيتهم، ويساعدهم على الارتقاء في هذه الحياة.
يرفع العمل من قيمة الفرد في مجتمعه من خلال رفعه لمستوى وعيه وإدراكه، خاصّةً إذا كان يعمل في المجالات الفكرية والتي تحتاج إلى إعمال العقل لحل المشكلات المتنوعة.
قيمة العمل بالنسبة للمجتمع :
يُطوّر العمل من المجتمعات من خلال توفير الاكتفاء الذاتي لها، والاكتفاء الذاتي ضروري جداً من أجل تخفيض قيم الواردات إلى أدنى حد ممكن، وبالتالي ارتقاء الدولة ونهوضها. يدفع العمل المتقن والذي يواكب متطلّبات العصر الحديث كلاً من الدولة والمجتمع إلى النهوض في شتّى النواحي المختلفة اقتصاديّةً كانت، أم علمية، أم سياسية، أم غير ذلك، واليوم وفي ظلّ صراع القوى الذي يسود العالم فإنّ لتقدّم الدول والمجتمعات أهميّةً كبيرة على المستوى العالمي، وفي حسم هذا الصراع المحتدم لصالح إحدى هذه القوى.
يطوّر العمل من النواحي الصحية، والتعليمية، ممّا يؤدّي إلى ازدياد وعي المجتمعات بالمخاطر التي تحدق بها، وزيادة انفتاحها على هذه الحياة، كما ويُسهم العمل الجيّد أيضاً في تحقيق تقدم ملحوظ على المستوى الاجتماعي، ممّا يؤدّي إلى ارتقاء المجتمع وحلّ بعض المشاكل المستعصية التي كانت المجتمعات تُعاني منها.
ما هي أهميـّة العمل في حياة الإنسان؟
العمل يُشكّل قيمة أساس ترتكز عليها عمليّة تطوير الإنسان لقواه وقابليّاته. فالله عزَّ وجلَّ خلق الإنسان وأودع فيه الاستعداد والقابليّة للتطوّر والكمال. وما يُمكن أنْ يُخرج هذه الاستعدادات من حيّز السبات إلى حيّز الفعليّة والوجود هو العمل والجهاد في هذه الحياة. وليكن معلوماً أنّ هذا الأمر يُعتبر سنّة إلهيّة لا تتبدّل ولا تتغيّر، وبالتالي تستطيع كلُّ البشريّة أنْ تستفيد وتنعم من بركات هذه السنّة وهذا القانون. ولذلك نجد أنّ المجتمعات الّتي عملت وجاهدت وبذلت كلَّ ما لديها في سبيل أمر ما استطاعت الوصول إلى ما رمت إليه، هذا مع كون بعض هذه المجتمعات لا تمتلك اعتقاداً صحيحاً وسليماً. وما ذلك إلّا لأجل هذا القانون الإلهيّ العامّ والشامل. نعم، إنّ المجتمع المؤمن والموحّد، يستطيع أنْ ينعم من خيرات هذا القانون فيما لو طبّقه، وأضاف إليه التسديد والتوفيق الإلهيّين. لأنّ الله عزَّ وجلَّ وعد الّذين يعملون ويبذلون الجهد من المؤمنين أنْ يفتح لهم الآفاق، ويوصلهم إلى بركات وثمرات لم يكونوا ليتوقّعوها، وذلك قوله تعالى: ﴿وَالّذينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾1.
ثمّ إنّ للعمل بُعداً آخر مهمّاً جدّاً لا يُدركه إلّا من اغترف من نبع الإسلام الصافي. وهذا البُعد يتعلّق بعالم الآخرة. فمن الثابت بحسب النصوص الشريفة أنّ الّذي يُشكِّل كيان الإنسان ووجوده في عالم البرزخ وفي القيامة هو عمله إلى جانب اعتقاده. فمن أراد أنْ يظفر بصورة باهية وجميلة لنفسه في ذلك العالم فعليه بالعمل الصالح. ومن اعتاد على الأعمال الطالحة من دون أنْ يتوب فلا ينتظرنّ هناك إلّا وجهاً أسوداً ونفساً مُتعَبة ومُرهَقة ومُعذّبة. وكلُّ ذلك صنيعة أعمال الإنسان في هذه الدنيا. يقول تعالى: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إلّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ