لن ينجو احدا منكم بعمله

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وأرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

أيها الإخوة الكرام: مع الحديث النبوي الشريف:

 

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَارِبُوا وَسَدِّدُوا وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَلا أَنْتَ، قَالَ: وَلا أَنَا إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ ))

لن ينجو احدا منكم بعمله

(رواه مسلم)

هذا الحديث دقيق جداً ويمكن أن يفهمه الناس فهماً خاطئاً فيعتقدون أن الجنة بالأمل وليست بالعمل فإذا فهم الناس هذا الفهم هلكوا، النبي الكريم في هذا الحديث يبين مجموعة من الحقائق الدقيقة في العقيدة: الجنة سببها العمل الصالح ولكنها بفضل الله عز وجل وليس من الصعب أن توفق بين أن تكون الجنة بالعمل، وبين أن تكون الجنة بفضل الله عز وجل، هي بفضل الله قولاً واحداً لكن فضل الله عز وجل لا يناله إلا من دفع الثمن ألا وهو العمل، فإذا دفع الثمن وظننت أن هذا الثمن هو كل شيء عندئذٍ لن تصل إلى الجنة، لن تبلغ الجنة إلا إذا تيقنت أنها بفضل الله، (فقالوا: ولا أنت ؟ قال: ولا أنا) فأوضح وأقرب مثل عندما يعد الأب ابنه بهدية ثمينة جداً إذا نجح،ولتكن دراجة غالية الثمن، يا ترى ابنه بمجرد ان أخذ جلائه وكُتِب عليه ناجح هل هذا الجلاء يكفي ليعطيه للبائع فيعطيه دراجة ؟ لا، هذه الدراجة لها ثمن وعلى الأب أن يدفع الثمن، ولكن سبب إهداء هذه الدراجة للابن هو النجاح فصار العمل سبب و ليس العمل سبب هو كافي أو أخير أو كافي لدخول الجنة، فالإنسان إذا عمل عملاً صالحاً واستقام على أمره وظن أنه استحق الجنة استحقاقاً قطعياً، وأنه أخذها بجهده، وعرق جبينه، ومجاهدته نفسه وهواه، هذا خطأ كبير، وإذا ظن أن الجنة ليست بالعمل لكنها للأمل أيضاً وقع في خطأ كبير.

مثل آخر: لو أن عم قال لابن أخيه اليتيم: ادرس، فإذا درست ونجحت فأنا أنفق عليك حتى آخر سنوات الجامعة، فدرس هذا الابن ونال الدرجة الأولى في العام الأول، تابع العم إنفاقه على ابن أخيه، في العام الثاني نال الدرجة الأولى تابع العم إنفاقه على ابن أخيه إلى أن صار ابن أخيه في أعلى درجة علمية ونال بها أعلى درجة اجتماعية، مرة من المرات في جلسة ودية بين العم وبين ابن الأخ قال ابن الأخ: والله يا عمي لولا فضلك عليك وإنفاقك عليّ لما كنت بهذه المرتبة الاجتماعية، كلام صحيح، فأجابه العم: والله يا ابن أخي لولا اجتهادك لما أنفقت عليك، فكلام العم وابن الأخ صحيح، فلو لم يكن مجتهد لما استحق هذا الإنفاق المستمر، ولولا أن هذا العم أنفق على هذا الابن لما نال هذه الدرجة، فهذه الدرجة نالها ابن الأخ بجهده وفضل العمل، فالجلاء الذي كتب عليه الجيدات ونال صاحبه الدرجة الأولى مع كل هذا الجهد المبذول طوال العام الدراسي لا يكفي هذا الجلاء كي تقتني به دراجة غالية الثمن، هذان المثالان يقربان معنى هذا الحديث الذي حير بعض العلماء ! فبعض العوام فهمه فهماً مغلوطاً فلم يعمل واتكل على الأمل، وأخطر شيء في حياة الإنسان أن يتكل على الأمل ويترك العمل، وبعدهم فهم هذا الحديث أن الجنة بالعمل فقط، ويكون بذلك استغنى عن الله عز وجل، هناك معاني دقيقة منها أنه سبحانه وتعالى إلاه ومعنى إلاه لا يجب عليه شيء فهو خالق الكون رب العالمين لا إلاه إلا الله، فليس عليك أن تتفاوض معه دفعت زكاة وقمت بالحج فأين الجنة ؟ من أنت لتفعل هذا ؟ أنت عبد، هذه حقيقة أساسية في العقيدة، الذي ترجوه منه بفضله وعملك ثمن لفضله، عندما تدفع ثمن شيء نقول: أن هذا ثمن يكافئ هذه الحاجة، فلو دخلت لمكان تجاري بكم هذا الكأس ؟ بخمسة وعشرون ليرة، تفضل هذا ثمن الكأس، وليس له فضل عليك، فلو الله عز وجل قال لك: كل الذي فعلته في حياتك لا يكافئ نعمة البصر، ونعمة السمع، ونعمة النطق، ونعمة العقل والسلامة، ونعمة الزوجة والولد، ونعمة البيت والمأوى، ونعمة الهواء والماء، هذا كله لا يكفي لتنعم بهذا الفضل من دون أن تعتقد أن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته،

وفضل الله على عباده أوسع من أعمالهم والله سبحانه وتعالى لا يجب عليه شيء، أما قول الله عز وجل:

 

﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)﴾

 

(سورة النحل)

أي أن هذا الفضل الإلهي جعل الله سبحانه وتعالى ثمنه هو العمل فالعمل ثمن الفضل، وليس معنى ذلك أن هذا العمل كافي لدخول الجنة،

سيدنا جعفر رضي الله عنه يقول:

((ادخلوا الجنة برحمتي واقتسموها بأعمالكم))

((ادخلوا الجنة برحمتي واقتسموها بأعمالكم))

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

:(( قاربوا وسددوا ))

فالمقاربة القصد الذي لا غلو فيه، فأحياناً يمكن أن تبالغ، خير الأمور الوسط، الاعتدال والتوسط بين التطرف هو المنهج الصحيح،ففي إنفاق المال لا إسراف ولا تقطير، لا إفراط ولا تفريط، في اللباس: هناك من يبالغ في لباسه إلى درجة أنه يستهلك معظم ماله من أجل الثياب، وهناك من يهملها، كلا الحالين خطأ، ففي كل شيء الاعتدال خير الأمور لذلك قال بعضهم:

 

(( الحق وسط بين طرفين ))

والقول الشائع

 

(( خير الأمور الوسط))

أم أقوله تعالى:

 

﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾

 

(سورة البقرة)

تعني أننا جعلناكم وسطاء بيني وبين الخلق عامة، فأنتم مكلفون بنشر الهدى في الأفاق، قاربوا أي اعتدلوا

﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً (67)﴾

 

(سورة الفرقان)

فالإنفاق في كل شيء فسيدنا عمر رأى رجلاً يقرأ القرآن في النهار فقال: إنما أنزل هذا القرآن ليعمل به أتخذت قراءته عملا ؟ قيمة العمل هذا شيء مهم جداً، فالإنسان يحتاج إلى عمل، والأمة تحتاج إلى عمل.

النبي الكريم رأى رجلاً يصلي طوال النهار فقال عليه الصلاة والسلام من ينفق عليك ؟ قال: أخي، قال: أخوك أعبد منك ! النبي الكريم يقول: (والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خيرلي من صيام شهر واعتكاف في مسجد هذا، فأن تقوم بخدمة الناس بتيسير مصالحهم وتلبية حاجاتهم هذا هو جوهر الدين، وسددوا فالسداد أي الاستقامة كيف أنه بين نقطتين لا يمر إلا مستقيم واحد ! فالإنسان يسير في طريق فالمقود يصحح مساره فإذا كان أثناء الحديث مع صديق انحرفت السيارة نحو اليمين يصحح المسار، أو بالعكس فالتسديد أي التصحيح، فالمؤمن يصحح دائماً يا ترى هذه الكلمة مناسبة ؟ لا فيها غيبة، أو سخرية، ألم تسمعوا قول النبي الكريم في مخاطبته للسيدة عائشة يوم قالت عن أختها قصيرة: قال:

 

((عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: حَكَيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا فَقَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنِّي حَكَيْتُ رَجُلا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا، قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ، وَقَالَتْ: بِيَدِهَا هَكَذَا كَأَنَّهَا تَعْنِي قَصِيرَةً، فَقَالَ: لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ الْبَحْرِ لَمُزِجَ))

 

(الترمذي)

كلمة قصيرة تكفي، فالمؤمن يسدد أقواله

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70)﴾

 

(سورة الأحزاب)

 

﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71)﴾

 

(سورة الأحزاب)

يا ترى في البيع والشراء هل يرتكب مخالفة ؟ هل أخف العيب ؟ هل دلّس وأوهم الشاري أن هذه البضاعة ذات منشأ من الدرجة الأولى ؟ هل أوهم الشاري أن هذه البضاعة اشتراها بالسعر المرتفع الثمن ؟ قاربوا وسددوا أي كونوا في حالة الاعتدال لا إسراف، ولا تقطير، لا إفراط ولا تفريط، لا مبالغة ولا جحود، وأما سددوا دائما فكروا في أقوالكم يقول عليه الصلاة والسلام

 

(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ، وَلا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ))

 

(مسند الإمام أحمد)

يا ترى هذه الكلمة فيها سخرية أو استهزاء أو كبر، سيدنا جعفر رضي الله عنه عندما سأله النجاشي عن الإسلام لم يقل له الإسلام صوم وصلاة وحج وزكاة، قال: كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش، ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله فينا رسولاً نعرف أمانته وصدقه وعفافه ونسبه فدعانا إلى الله لنعبده ونوحده ونخلع ما كان يعبد آبائنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث فالمؤمن لا يكذب، يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الكذب والخيانة، إذا كذب فليس مؤمناً، إذا خان مطلق الخيانة، كأن يخون أسرته وأهله وزوجته ووطنه وأمته ليس مؤمناً قولاً واحداً، أمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة، فالأمانة أشفقت من حملها السماوات والأرض، المدرس طلابه أمانة، الطبيب المريض أمانة بين يديه، المحامي هذا الموكل قضيته أمانة بين يديك، أنت كمهندس هذا المشروع الذي تشرف عليه أمانة، لذلك السماوات والأرض أشفقت من حمل الأمانة، قاربوا وسددوا وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، فالنبي الكريم يقول

 

((قاربوا وسددوا واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله، قالوا:ولا أنت يارسول الله ؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ))

 

( رواه مسلم )

هذا الحديث دقيق جداً لا ينبغي أن تتكل على العمل ولا أن تفقد الأمل، لا ينبغي أن تعتقد أن الجنة بالعمل فقط إنه جهل بل هي بفضل الله، ولا ينبغي أن تعتقد أن الجنه يحصل عليها الإنسان بلا عمل، العمل جعله الله سبباً لفضل الله عز وجل هذا مؤدى الحديث،

 

﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)﴾

 

(سورة النحل)

هذه من الآيات الدقيقة جداً، لماذا لم يقل الله عز وجل: وإن تعدوا نعم الله لا تحصوها ؟ بل قال: نعمة الله أنه الأولى و إن تعدوا نعم لا تحصوها فقال نعمة وهي مفرد تحصوها جمع فقالوا العلماء بتفسير هذه الآية النعمة الواحدة لو أمضيت كل حياتك في تعداد فوائدها لا تنتهي،

إذا كنتم عاجزين عن إحصائها فأنتم عن شكرها أعجز، ولنفرض أنه جاءك مولود وقدموا لك الهدايا الأهل والأصحاب فمرة سهرت مع زوجتك وقلت لها أحضري ورقة وقلم لنرد الهدايا فكتبت فلان حرام، فلان طقم، فلان قطعة ذهب.. يا ترى الإحصاء أسهل أو الرد والدفع ؟ فإذا كنتم عاجزين عن إحصائها فأنتم عن رد ثمنها وشكرها أعجز، فمفاد هذا الديث أن تعمل، وتستقيم على أمر الله، وأن تدعو الله أن يدخلك الجنة، فأجمل ما قيل في هذا الموضوع: أن النبي الكريم كان عند أحد أصحابهم الذين توفاهم الله عز وجل وهو السائب، فرفع عن وجهه الرداء وقبله وسمع امرأة تقول خلف الستار: هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله، لكن النبي لم يصمت لأن كلامها غير صحيح بل قال: ومن أدراكِ أن الله أكرمه ؟ أتعلمين الغيب ؟ قولي: أرجو الله أن يكرمه.

قال رسول الله: وأنا رسول الله لا أدري ما يفعل بي ولا بكم ! فالإنسان تحت ألطاف الله عز وجل، فمجرد أن تتجمد نقطة دم بدماغه يموت، أو يشل أو يجن حسب مكان الإصابة، أو يفقد السمع، أو البصر،.. فأنت بيد الله ألا تسمع يقولون: مات فجأة بسبب سكتة قلبية أي انفجار بأحد شرايين المخ فروحك بيده، فلان تشمع الكبد، فلان توقفت كليتيه عن العمل فجأة، تزود من الدنيا فإنك لا تدري إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر ؟ فكم من عروس زينوها لزوجها وقد قبضت أرواحهم ليلة القدر، وكم من رجال يرتجى طول عمرهم، فالله وحده يعلم الغيب،

((عالم الغيب والشهادة فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من الرسول))، فإذا فهمت هذا الحديث فهماً صحيحاً يعرف حجمه، فالمؤمن يعرف حجمه بالتحديد، رحم الله عبداً عرف قدره فوقف عنده، والآن إلى متابعة سير بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم،

وصلنا في الحديث عن سيدنا أبي بكر ونحن إن شاء الله تعالى جادون في الحديث عنه وعن عمر وعثمان وعلي، هؤلاء هم الخلفاء الراشدون، فسيدنا الصديق أبرز عناصر عظمته في بساطته، فأحياناً تجد إنسان متصنع، أو يحيط نفسه بهالة فهذا الإنسان كانت عظمته في بساطته في مستوى الشخصية، أما في مستوى المكان قال بعضهم: البساطة نصف الجمال، إذا كانت غرفتك بسيطة أجمل، إذا كان لبسك بسيط أجمل، يوجد هناك من يحب المبالغة والتكلف والتصنع، هذا الإنسان يكون مصاب بضعف بعقله، فكلما كانت حياتك بسيطة وهادئة أعظم، فهذا الرجل كان عظيماً ومن عناصر عظمته بساطته، فكان قبل أن يصبح خليفة للمسلمين يقدم لأهل الحي الذي يسكنه خدمة تناهت في الطرافة والروعة، فقد كان في جيرته بعض الأرامل العجائز اللواتي مات أزواجهن، أو استشهدوا في سبيل الله، كما كان هناك بعض اليتامى الذين فقدوا آبائهم فكان رضي الله عنه يأم بيوت الأرامل فيحلب لهن الشياه، ويأم بيوت الآخرين فيطهو لهم الطعام، كان يقدم خدمات من باب الأعمال الصالحة لجيرانه، ولما صار خليفة تناهى إلى سمعه حسرة العجائز لأنهن سيحرمن منذ اليوم من هذه الخدمة الجليلة، التي يؤديها لهن هذا الرجل الصالح، ولكنه أخلف ظنونهن، فتوقعوا أنه إذا استلم الخلافة سيمتنع عن تقديم الخدمات، وذات يوم يقرع باب إحدى تلك الدور وتسارع إلى الباب فتاة صغيرة لا تكاد تفتحه حتى تصيح لأمه يا أماه ! إنه حالب الشاة ! وتقبل الأم وإذا بها وجه لوجه أمام الخليفة العظيم فتقول لابنتها في حياء: يا ابنتي ويحك ألا تعرفي أن تقولي جاء خليفة رسول الله ؟ كأن أبا بكر رضي الله عنه يقول في: نفسه دعيها لقد وصفتني بأحب أعمالي إلى الله، فلا تعرف كيف يرحمك الله يمكن بإنقاذ نملة، قال أحد الصالحين: بما أكرمك الله عز وجل ؟ قال: بدويبية، هناك حشرات صغيرة جداً جدا تسير على الورق، تعرفها من حركتها ! فرحمها أن أنقذها من الموت، كان سيغلق الكتاب فانتبه لوجود دويبية، يمكن أن يرحمك الله لإنقاذك لأي حشرة.

زهرة تسبح الله عز وجل، المؤمن كله رحمة للناس، وكله خير وسلام ويبث الطمأنينة في نفوس الناس، كلكم يعلم أن هذا الخليفة العظيم عندما أسلم بعض المسلمين الضعاف كانوا يعذبون فكان هذا الخليفة له قلب رقيق، النبي الكريم كان قلبه رقيقاً جداً لدرجة أنه لا يتحمل رؤية دابة تحمل فوق طاقتها، ممكن أن يكون عندك صانع فتحمله فوق طاقته هذا ليس دابة صانع شخص أخوك في الإنسانية ارحمه، يقول لك هذا يتيم لا أحد له الله معه إذا لم يكن له أب فله رب، وربنا كبير فالإنسان لا يستغل الناس وضعفهم وحاجتهم، المؤمن يعامل الناس وكأن الله وكيلهم دائماً، فسيدنا الصديق رضي الله عنه رأى بلالاً ذلك العبد الحبشي الذي أسلم والذي عذبه أمية بن خلف فذهب إليه ليشتريه فأمي بن خلف أراد أن يعلن عن حقارته، أو أن هذا العبد لا قيمة له، فقال لسيدنا الصديق: لو دفعت به درهماً واحداً لبعته لك، لا قيمة له، فسيدنا الصديق آلمه أن يجرح شعور سيدنا بلال، فقال له: والله لو طلبت به مائة ألف درهم لأعطيتكها، أنا أعطيك ثمنه مائة ألف درهم، فهذا أخي حقاً فأمسكه بيده من تحت إبطه مسكة أخ لأخوه وليس سيد لعبده فلا عبودية في الإسلام،

((متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)) هذه كلمة سيدنا عمر التي قالها قبل ألف وأربع مائة عام هي أولى مبادئ حقوق الإنسان، فوضع يده بيد سيدنا بلال وقال: هذا أخي حقا، فالناس سواسية كأسنان المشط، قال: الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله من: مؤمنهم وكافرهم، تقيهم وفاجرهم، قريبهم وبعيدهم، من تعرف ومن لم تعرف، فمرتبتك عند الله عز وجل بقدر إحسانك للناس، وخدمتك لهم وتضحيتك وإخلاصك، فم الممكن أن تصل الجنة من خلال عملك، أنت موظف، هذا المراجع إنسان له حاجة عندك لا تسوفه، وتؤجله لغد وبعد غد بل اخدمه، بصفتك مؤمن، طبيب هذا مريض قد يكون فقير نسي أن يسألك سؤال عليك أن تدفع مرة ثانية، ما هذا الاستغلال، دفع لك رسم معاينة، وذهب ثم تذكر أنه نسي أن يسألك ماذا يأكل ؟ فتدفع مرة أخرى ! هل أنت فوق البشر ؟ أنت في خدمته، والمحامي، والمدرس، والمهندس، وصاحب المتجر، والموظف… لن يرضى الله عنك إلا إذا أكرمت عباد الله، فالخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله، فيجب أن تحب المؤمن لأنه كتلة خير وسلام، يحب الخير للناس كلها، ويحب من حوله،

بعد وفاة سيدنا الصديق سأل سيدنا عمر زوجة سيدنا الصديق أسماء بنت عميس سألها: كيف كان أبو بكر يعبد ربه حين يخلو لنفسه ؟ فقالت: كان إذا جاء وقت السحر قام فتوضأ فصلى، ثم يظل يصلي ويتلو القرآن ويبكي ويسجد ويبكي ويدعو ويبكي وكنت آن إذٍ أشم في البيت رائحة كبد تشوى ! أي تحترق كبده خشوعاً لله عز وجل ! أهكذا تحب الله أنت ؟ والله لا يوجد إنسان يجب أن تحبه كما يجب أن تحب الله عز وجل

 

﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾

 

(سورة البقرة)

قال: فبكي عمر وقال:أنّ لابن الخطاب مثل هذا ؟ بعضهم وصف قوامه فقال: كان هذا الصحابي الجليل أبيض اللون، نحيل الجسم، خفيف العارضين، أحنى الظهر، معروق الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة، كان نحيف ولا بعطي منظر الرجل القوي، ألم أذكر لكم الأحنف بن قيس الذي وصفه بعض الأدباء فقال: كان قصير القامة، أسمر اللون، غائر العينين، ناتئ الوجنتين، أحنف الرجل، ضيق العارضين، ليس شيء من قبح المنظر إلا وهو آخذ منه بنصيب، وكان مع ذلك سيد قومه، كان إذا علم أن الماء يفسد مروءته ما شربه، عندما يكون للإنسان إرادة قوية، وقيم تحكمه، فالإنسان المؤمن في حياته منظورة قيم، أخ من إخواننا حكى لي قبل أن يعرف الله عز وجل، عندما يحضر محرك يلزمه لف يقول: يكلف ألف وخمسة مائة يفتحه فيجد فيه طرف مقطوع، فيلحمه بالكاوي بدقيقة واحدة، ثم يأتي بعد جمعة يحضر الصانع يأمره بالتشغيل فيشغل عملية تمثيل ثم يطلب مبلغ من المال كثير لهذا العمل البسيط، بعد أن آمن وعرف الله عز وجل يطلب من صاحب المحرك عشر ليرات فقط ‍‍فاستغرب الرجل لقد قلت لي ألف وخمسة مائة، لأنه وجد الانضباط، فسيدنا عمر قال للبدوي: بيعني هذه الشاة وخذ ثمنها، فقال: ليست لي، فقال له: قل لصاحبها ماتت، قال: ليست لي، ثم قال البدوي: والله إني في أشد الحاجة لثمنها ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني فأنا عنده صادق أمين، ولكن أين الله ؟ فقد وضع البدوي يده على جوهر الدين، فالدين انضباط في البيع والشراء وبكل نشاط من نشاطاتك، فإذا إنسان أخطأ بالفاتورة وله معك مائة ليرة أتذهب ؟ المؤمن لو كان ليرة يعيدها لصاحبها أن هذا مال حرام، والله كقول التستر: لترك دابق من حرام خير عند الله من ثمانين حجة بعد الإسلام، المدح محبب للناس فإذا مدحت رجل يقول: لا عدم المؤاخذة -مجاملة لطيفة، أما سيدنا الصديق كان إذا مدح أكثر الناس حياءً، وكان الدمع يبلل عينيه، ويقول: اللهم اجعلني خيراً مما يظنون، هم يظنون أني في هذا المستوى، فاجعلني خيراً من هذا المستوى، كان طموحاً، واغفر لي مالا يعلمون واسترني ياربي، ففي شيء إذا علموه لما احترموني، والله لو علموا قبيح سريرتي لأبى السلام علي من يلقاني، واغفر لي مالا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون، والله كلام لطيف، فإذا إنسان مدحك لا تقول له: نعم وأنا أفضل من هذا حتى، هكذا كان هذا الصحابي الجليل عندما يمدح، هناك بلاغ من مديرية الأوقاف في دمشق: جاءنا ويطلب من القائمين على المسجد والأخوة المصليين أن يقتصدوا في استهلاك الماء، هذا الماء ثمين جداً وأنا والله أتمنى أن يكون هذا المسجد قدوة لكل المساجد في التوفير بطاقة الكهرباء والماء شيء مهم جداً، وإنفاق هذه الطاقة من غير طائل والله عمل غير إسلامي، ولا يرضي الله عز وجل لذلك نحن قلنا لكم: حتى في الكهرباء لا نقبل إضاءة الثريات يكفي هذا الضوء الأبيض، أما الماء فالنبي الكريم توضأ من قعب أي إبريق ففضلت فضلة فقال النبي: ردوها في النهر ينفع بها الله قوماً آخرين، فإذا أكرمك الله في منزلك بماء نقي وعذب لا يستهلكه استهلاك لا يرضي الله عز وجل، بأطراف المدينة أناس قد لا تصل الماء إليهم، فإذا أسرفت في استعمال المال برش الماء حولك على الأرض من أجل الرطوبة والانتعاش لو دفعت الثمن لكن مقابل ذلك هناك أناس بحاجة فهذا لا يجوز أبداً إلا بالشيء المعقول فهذا البلاغ يهيب بنا أن نقتصد في استخدام المياه ونكافح الهدر وأن نتقيد بالسنة النبوية المطهرة في أن النبي الكريم كان يقول للسيدة عائشة

 

((يا عَائِشَةُ أَكْرِمِي مُزَاوَلَةَ نِعَمُ اللَّه فَإِنَّ النِعْمَةَ إِذَا نَفَرَتْ قَلَّمَا تَعُود ))

والحديث اليوم: سددوا وقاربوا أي انتبه لكل شيء استهلاك الماء والكهرباء هذا كله نعم من عند الله عز وجل فإذا اقتصدت فيها لعل الله ينفعنا جميعا بها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top